ثلاثة ينقبون عن غاز لبنان .. ماذا تفعل سفينة قطر بـالمياه الساخنة؟
العين الاخبارية
Thursday, April 21, 2022
دخلت قطر ائتلافا للتنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية، ما حرك قطع الشطرنج في أكثر من اتجاه، بعضها تثير "أطروحة الثقة"، وأخرى تلعب على "حسابات المصالح".
وانضمت قطر، الأحد، إلى شركتي "توتال إنيرجي" الفرنسية و"إيني" الإيطالية في إطار ائتلاف للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية.
وبذلك، باتت شركة قطر للطاقة شريكا في ائتلاف الشركات التي تملك الحقوق البترولية في الرقعتين 4 و9 في المياه اللبنانية، وتملك 30%، مقابل 35% لصالح الشركة الفرنسية و35% لصالح الشركة الإيطالية.
ورغم أن لبنان يعوّل على وجود ثروات طبيعية من شأنها أن تساعد البلاد على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي الذي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، إلا أنّ خبراء يرجحون أن تستغرق عملية الإنتاج سنوات ويقولون إن العائدات المحتملة لن تغطي إلا جزءا بسيطا من الديون المتراكمة.
وأفادت رئاسة الحكومة اللبنانية في بيان أعقب احتفالا أقيم في السرايا الحكومية في بيروت، الأحد، بـ"توقيع الملحقين التعديليين لاتفاقيتي الاستكشاف والإنتاج في الرقعتين 4 و9، ودخول شركة قطر للطاقة كشريكة مع شركة توتال إنيرجي الفرنسية وشركة إيني الإيطالية".
وتعود المحادثات إلى عدة شهور مضت، وبالتحديد منذ توقيع لبنان وإسرائيل اتفاقية ترسيم الحدود في أكتوبر/تشرين أول الماضي، بحسب ما جاء في تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة سعد شريدة الكعبي في حينه.
وإثر وساطة أمريكية استمرت عامين، توصّل لبنان وإسرائيل في أكتوبر/تشرين أول الماضي، إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما، أجمعا على وصفه بأنه "تاريخي"، ومن شأنه أن يتيح للدولتين التنقيب عن الغاز والنفط في منطقة متنازع عليها من مياههما الإقليمية.
قطر على الخط
ووفق خبراء، كان من المتوقع دخول شركة قطر للطاقة (حكومية)، في ائتلاف التنقيب، إذ قال الخبير في الاقتصاد الدولي، جاسم عجاقة، إن "دخول قطر على التحالف جاء لأن لبنان بحسب اتفاقية ترسيم الحدود، ليس له حق الدخول في هذه الشراكات".
وتنص اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، على أنه يحظر على أي شركة لبنانية أو إسرائيلية الدخول في أي تحالف لعمليات البحث والتنقيب في المياه الإقليمية اللبنانية، ويقتصر ذلك على الشركات الأجنبية.
عجاقة مضى موضحا في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "دخول قطر للطاقة في الائتلاف أعطى لبنان بعض الثقة في وجود طرف أجنبي موثوق به، كما أنه قد يكون طرفا مقبولا بالنسبة لإسرائيل"، على حد قوله.
وترى أوساط لبنانية أن وجود قطر للطاقة في الائتلاف، سيمنح الحكومة اللبنانية بعض الطُمَأنينة، باعتباره بلدا عربيا، في عملية تنقيب حساسة وتجري على حدود المياه الإقليمية مع إسرائيل.
وتملك قطر علاقات رسمية ودبلوماسية مع إسرائيل منذ أكثر من عقدين، وكانت طرفا وما زالت في أي مفاوضات أو طرف في إيصال رسائل من جانب حركة حماس من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، بل حتى بعض الأطراف الأخرى.
وبحسب الخبير الاقتصادي اللبناني، فإن لبنان الذي يواجه ظروفا اقتصادية ومالية صعبة، عليه أن يستقبل هذا الخبر بتحسن في سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار في السوق الموازية.
وزاد موضحا: "دخول قطر للطاقة في هذا التحالف يعني أن الأمور المتعلقة بقطاع الطاقة بدأت تأخذ منحى إيجابيا.. والطرق بدأت تفتح تدريجيا أمام لبنان لتأمين موارد مالية بالنقد الأجنبي".
عجافة قال أيضا، "لكن الإشكالية الكبيرة أن هناك شروطاً دولية أعلنتها الولايات المتحدة من خلال مسؤولين، وهي أن لبنان لا يمكن أن يستفيد بشكل كامل من ثروته ما لم ينفذ إصلاحات، لأن هذه الثروات ملك للشعب اللبناني".
وتابع: "عمليا، بفرضية حدوث إصلاحات، فإنه بمجرد الإعلان عن الاكتشافات الحقيقية، وتحديد الآبار، فإن لبنان سيكون قادرا على تحسين تصنيفه الائتماني، وهذا سيكون من خلال جهود التنقيب التي تبذلها قطر للطاقة وشركائها".
واجهة المستوى السياسي
هناك مسألة مهمة أخرى في وجود قطر للطاقة في ائتلاف التنقيب، يوضحها الخبير الاقتصادي محمد سلامة، بالقول إن "قطر للطاقة هي الواجهة الفنية للمستوى السياسي، والمعني بالتواصل مع إسرائيل أمام أية عقبات قد تواجه خلال عمليات التنقيب والإنتاج".
وأوضح سلامة لـ"العين الإخبارية"، أن العلاقات الدبلوماسية الجيدة بين قطر وإسرائيل، ستساهم في تسريع الخطوات أمام عمليات التنقيب والإنتاج خلال الفترة المقبلة، وصولا إلى مرحلة الإنتاج التجاري.
وقطر كانت أول دولة خليجية تقيم علاقات تجارية مع إسرائيل عام 1996 قبل أن تقطعها عام 2009 بسبب الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.
وقال الخبير في مجال الطاقة ناجي أبي عاد لوكالة "فرانس برس"، إن "انضمام قطر إلى الائتلاف له دلالات خصوصاً سياسية" في خضم الأزمة الاقتصادية المتمادية.
ويمكن لدخول قطر، وفق أبي عاد، أن يشكل "ضمانة سياسية" بالنظر إلى علاقات قطر الغنية مع الدول الغربية ومع إسرائيل.
دلالات متعددة
وتوضيحا لهذه الدلالات السياسية، يقول الخبير والأكاديمي والباحث السياسي السوري المقيم ببريطانيا، محمد صالح الفتيح إنه يمكن النظر لتحركات شركة "قطر للطاقة" من عدة زوايا، فهناك أولا، التقارب القطري-الفرنسي في مجال الطاقة.
ويضيف الفتيح في حديث لــ"العين الإخبارية": "أولى التسريبات حول دخول قطر عملية استكشاف الغاز في لبنان ظهرت صيف العام الماضي بالتزامن مع تفاوض قطر وشركة "توتال إنيرجي" على التفاصيل النهائية لتطوير حقل الشمال الجنوبي للغاز، لتكون بذلك "توتال" أول شريك أجنبي لقطر في هذا المشروع العملاق".
ومضى قائلا: "التفاصيل حول الدور القطري في استكشاف الغاز اللبناني توالت خلال الأشهر الماضية والآن هناك حديث حول شراء قطر لجزء من حصة شركة توتال في قطاع الطاقة العراقي والتي تقدر بحوالي 27 مليار دولار".
وأكمل أن "ما يحدث في المنطقة بوضوح فيما يتعلق بتغيير في انتشار شركات الطاقة الغربية، يمثل لقطر فرصة للاستفادة من بعض الفرص السانحة بما في ذلك عبر عقد شراكات مع الشركات الغربية لنقل التزاماتها إليها".
الخبير السياسي قال أيضا، "الزاوية الثانية متعلقة بلبنان وحقل قانا المحتمل، والذي كان موضعاً لاتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية-الإسرائيلية، إذ ضمن الاتفاق حصة لإسرائيل من العوائد المحتملة لهذا الحقل".
وتابع: "لكن لبنان يرفض التنازل عن أي جزء من عوائده المحتملة لهذا الحقل. كما لا تستطيع أي من شركتي توتال الفرنسية أو إيني الإيطالية، وكلاهما شريك في استكشاف الغاز اللبنانية، التنازل لإسرائيل عن حصة من عوائدهما وذلك لأسباب تقنية وقانونية".
وزاد أن "مثل هذا التنازل سينقل الشركتين الأجنبيتين من خانة الربح المحتمل لخانة الخسائر، خصوصاً أنهما ستتحملان التكاليف المالية للاستكشاف وعليهما أن يبررا لحملة الأسهم وللمؤسسات المالية التي تمولهما جدوى انخراطهما في قطاع الطاقة".
الفتيح ذكر أيضا أن "وجود شركة قطر للطاقة يمثل خيارا بديلا لتحمل تكاليف الاستكشاف مع إمكانية أن تتكفل هذه الشركة بجزء – أو بكامل – العوائد المالية المحتملة المستحقة لإسرائيل من حقل قانا، في حال تأكد وجوده بطبيعة الحال".
"نفوذ سياسي"
الزاوية الثالثة، وفق الفتيح، متعلقة بمعاناة لبنان من فراغ سياسي يعكس جزئياً حالة الفراغ الاستراتيجي في المنطقة، وانشغال القوى الإقليمية والدولية عن لبنان.
وقال في هذه النقطة "قطر من جانبها حرصت على الظهور بمظهر الداعم للمساعي الفرنسية الحريصة على الاستقرار في لبنان، فقدمت مساعدات مالية وعينية للمؤسسة العسكرية اللبنانية، وحاولت كذلك لعب دور الوساطة بين الفرقاء اللبنانيين".
وتابع: "منذ أسابيع وهناك ترقب لعقد اجتماع متعدد الأطراف في فرنسا بمشاركة قطر والولايات المتحدة ومشاركة محتملة لمصر والسعودية وذلك للاتفاق على صيغة لاختيار رئيس جديد للبنان وكذلك إقرار مساعدات اقتصادية ومالية عاجلة".
واستطرد: "دخول قطر على مسار استكشاف الغاز في لبنان يمكن أن يعطيها تأثيرا أكبر على الساسة اللبنانيين، خصوصاً أن أغلب الفرقاء اللبنانيين ينظرون لملف الغاز بطريقة المحاصصة الطائفية والمناطقية وبالتالي من يمتلك مفتاح استكشاف واستخراج الغاز من منطقة معينة في لبنان يمكن أن يكون له نفوذ على المعنيين بتلك المنطقة".
ومن المعروف أن حركة أمل وحزب الله ينظران لحقل قانا المحتمل - والبلوك رقم 9 إجمالاً - على أنه ضمن منطقة نفوذهما في جنوب لبنان، بينما ينظر جبران باسيل زعيم التيار الوطني الحر، إلى البلوك 4 قبالة بيروت على أنه ضمن منطقة نفوذ المسيحيين الموارنة.
خطوة "تاريخية"
واصفا وجود شركة قطرية في التحالف بأنها خطوة "تاريخية وإيجابية"، يقول المحلل السياسي اللبناني أحمد عز الدين لـ"العين الإخبارية" إنه "لا شك أن توقيع قطر الاتفاق خطوة تاريخية، وهو ما عبر عنه الجميع، وهي كذلك لأن لبنان في ظل الأزمة التي تعصف بها بأمس الحاجة لتلمس طريقاً نحو الخروج مما يعانيه".
وأضاف: "من المعروف أن انضمام قطر إلى عملية التنقيب مع شركتي "إيني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية جاء بعد خروج الشركة الروسية نتيجة الحرب في أوكرانيا".
ويستكمل حديثه: "الكل في لبنان ينتظر أن تكون هناك إشارات إيجابية تساهم في إخراج النفط والغاز لأنه قد يساهم في الخروج من الأزمة الاقتصادية في لبنان والكل يأمل في بدء عمليات التنقيب بسرعة".
المحلل اللبناني قال أيضا إنه "من الطبيعي أن إنتاج النفط والغاز لن يكون في المدى القريب ولكن مجرد البدء والعمل والتأكيد على وجود كميات واعدة في الحقل 9 قرب الحدود الجنوبية له مكاسب عدة".
ومعددا تلك المكاسب، أضاف "هذا ربما يعيد الثقة الدولية بلبنان كدليل على أنه لن تكون عاجزة على السداد، ما يؤدي لتدفق المساعدات والاستثمارات".
فيما يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، فادي عاكوم، أن دخول قطر ائتلاف التنقيب، يأتي تتويجاً لجهودها خلال الفترة الماضية للتوصل لحلول سياسية ولو بالحد الأدنى لتخفيف التوتر السياسي الموجود وانتخاب رئيس لبنان.
ولفت في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن قطر قد تلعب دور الوسيط الفعلي والمهدئ لأي توتر مع إسرائيل التي تمتلك 17 % من مخرجات "بلوك 9"، والذي سيتم التنقيب فيه أولاً، مشيرا إلى أن الدوحة لديها تواصل جيد مع إسرائيل وتستطيع التواصل أيضا مع الحكومة اللبنانية.
بدوره، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال حفل توقيع الاتفاق، الأحد، إن "ائتلاف هذه الشركات المرموقة عالمياً يعزز ثقة الاستثمار في لبنان، بالرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها، ويضع لبنان في المستقبل على الخارطة النفطية في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط".
وأبرم لبنان وإسرائيل، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتفاقية تاريخية بوساطة أمريكية لترسيم حدودهما الحرية المتنازع عليها منذ فترة طويلة.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها