النقد يتربع على عرش الاقتصاد في لبنان وسط انهيار القطاع المصرفي
رويترز
Thursday, April 21, 2022
داخل محل للصرافة عند منخفض سهل البقاع اللبناني يصيح الموظفون بأسعار العملات المختلفة أمام الليرة وترن الهواتف المحمولة بلا توقف ويتوافد زبائن حاملين أكياسا بلاستيكية تحوي مليارات الليرات التي لم تعد تشكل سوى وزن زائد.
هي صورة من محل صرافة واحد في لبنان الذي أصبح بورصة متجولة.
يقول صاحب المحل وهو يبتسم ابتسامة عريضة فيما يضع خلفه على أحد الأرفف سلاحاً رشاشاً خشية التعرض للسرقة “مرحبا بكم في وول ستريت في لبنان”.
ومنذ فترة طويلة أصبح النقد هو الملك في لبنان حيث أدى الانهيار المستمر منذ ثلاث سنوات إلى ضمور القطاع المصرفي، وتفاقم الوضع بسبب السياسيين الذين كانوا يشيدون بالوضع المالي في السابق.
وجمدت المصارف عشرات مليارات الدولارات من أموال المودعين، وأوقفت الخدمات الأساسية مما دفع بعض العملاء إلى الذهاب للحصول على أموالهم وهم يحملون السلاح.
ويتعامل الأفراد والشركات الآن حصرياً تقريباً بالنقد. وتضخم حجم العملة المحلية المتداولة 12 ضعفا منذ سبتمبر/أيلول 2019 حتى نوفمبر تشرين الثاني 2022 وفقا لوثائق مصرفية اطلعت عليها رويترز.
وعلقت معظم المطاعم والمقاهي لافتات تعتذر فيها عن قبول بطاقات الإئتمان لكنها تتقاضى الدولار وفق أسعار السوق الموازية المتقلبة هي الأخرى.
ويستخدم اللبنانيون تطبيقات الهاتف المحمول لمتابعة سعر الليرة التي فقدت حوالي 97 في المئة من قيمتها منذ عام 2019.
وتنتقل سيارات شركات الصرافة إلى المكاتب أو المنازل لإجراء المعاملات فيما تنتشر على الطرق السريعة لوحات إعلانية عن ماكينات عد النقود. ومع عدم استعمال بطاقات الإئتمان، يوثق الأشخاص المعاملات الكبيرة عن طريق التقاط صور لفواتير الدولار المستخدمة مع إظهار الأرقام التسلسلية.
وحتى الدولة التي أصاب الشلل مفاصلها إلى حد كبير تتجه نحو الاقتصاد النقدي، إذ تدرس وزارة المالية مطالبة التجار بدفع بعض الرسوم الجمركية التي زادت مؤخراً نقداً.
ونتيجة تزايد الأوراق النقدية المتداولة ارتفعت معدلات الجريمة. وقال إيلي أناتيان، الرئيس التنفيذي لشركة “سلفادو” للأمن، إأن المبيعات السنوية للخزائن الحديدية نمت باطراد مع زيادة بنسبة 15 في المئة في عام 2022.
وتتعثر أعمال تجارية أخرى. فعمر شحيمي مثلاً يستورد شحنات أصغر لمحل الأجهزة المنزلية الذي يملكه بالنقود التي بحوزته في ظل توقف البنوك عن منح خطابات الاعتماد للصفقات الكبيرة.
وقال وهو يفحص فاتورة بعشرين دولاراً قيمة سخان كهربائي اشتراه أحد الزبائن “حتى الشركات التي نستورد منها مثل سامسونغ وإل.جي تتعامل معنا بالنقد”.
يقول الخبراء الاقتصاديون أن أي انتعاش منتظر يتوقف على الإجراءات الحكومية لمعالجة حوالي 72 مليار دولار من الخسائر في النظام المالي وإنعاش القطاع المصرفي.
لكن السياسيين والمصرفيين ذوي المصالح الخاصة قاوموا الإصلاحات التي يسعى إليها “صندوق النقد الدولي” لإصلاح الوضع والضرورية لفتح الباب أمام الحصول على المساعدات الدولية.
قال بول أبي نصر، وهو رئيس تنفيذي لشركة نسيج، أن الاقتصاد النقدي جعل من “المستحيل عملياً” فرض الضرائب “لأن كل شيء يمكن ببساطة أن يبقى خارج البنوك”.
وتابع “قدرة الحكومة على تحقيق الانضباط المالي تتوقف على هذا”، مضيفاً أن الاقتصاد النقدي يهدد أيضاً بإدراج لبنان على قائمة الدول التي تتقاعس في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتساور هذه المخاوف أيضاً الحكومات الغربية التي تعارض حزب الله. وقال دبلوماسي غربي أن الحكومات الأجنبية تخشى من تزايد التعاملات غير المشروعة حيث يصعب تعقب النقد. وقامت وزارة الخزانة الأمريكية الأسبوع الماضي بفرض عقوبات على صاحب شركة “سيتكس” للصيرفة في لبنان حسن مقلد وأعماله لعلاقاتها المالية المزعومة مع حزب الله، قائلة إنه ساعد في “تحويل الأموال” نيابة عن الجماعة. ونفى مقلد التهم الموجهة إليه.
وقال نسيب غبريل، كبير الاقتصاديين في “بنك بيبلوس” اللبناني أن استمرار انخفاض الليرة يعني أن الاقتصاد النقدي أصبح الآن “مُدَولَاراً أيضاً حيث يمثل الدولار حوالي 70 أو 80 في المئة من العمليات بلبنان”.
وقال محمد شمس الدين الخبير الاقتصادي في “الشركة الدولية للمعلومات” وهي شركة دراسات وأبحاث لبنانية “إن تحول الاقتصاد إلى اقتصاد نقدي يعني انهيار الاقتصاد”.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها