الاستثمارات السعودية حول العالم.. كيف تبرز المملكة تدريجيا في الساحة العالمية؟
الحرة
Thursday, April 21, 2022
تستخدم السعودية الإيرادات الضخمة نتيجة ارتفاع أسعار النفط في استثمارات موزعة عبر العديد من دول العالم، ويرى خبراء أنها تستطيع استغلال الظروف الدولية الحالية من أجل زيادة استثماراتها بعيدا عن النفط، وهو هدف وضعته في إطار خطة "رؤية 2030" .

الخبير الاقتصادي، هاشم عقل، قال لموقع الحرة إن السعودية تسير في اتجاه تنويع مصادر الدخل "بشكل جيد"، مشيرا إلى نجاح تجربة الإمارات في التحول إلى ما بعد عصر النفط، وقال إنه، على سبيل المثال، أصبحت دبي لا تعتمد على النفط ويعتمد اقتصادها بشكل أساسي على قطاع الخدمات والسياحة.

والسعودية تسير في هذا الاتجاه، وتعمل بشكل نشط على الاستثمارات بعيدة المدى، للاستعداد لمرحلة ما بعد عصر النفط مستغلة النمو الذي تحقق جراء ارتفاع أسعار الطاقة.

ويشير إلى صندوق الاستثمارات، الذراع الاستثمارية للحكومة الذي "يتمدد في الاتجاهات كافة، ولديه استثمارات نشطة للغاية في أي دولة من دول العالم يكون لديها جدوى على المدى البعيد".

وعلى سيبل المثال، لدى الصندوق استثمارات في أكبر مصفاة في الهند، وأكبر مصفاة في ولاية تكساس، وفي شركات أميركية عدة، بالإضافة إلى سندات الخزانة الأميركية.

ويقول المحلل السعودي، مبارك العاتي، إن رؤية 2030 قائمة على "تبادل الرخاء والاستثمار بين الاقتصاد السعودي والاقتصادات الصديقة من خلال الذراع الاستثمارية الكبيرة، صندوق الاستثمارات، الذي بدأت استثماراته تكون ملحوظة بشكل كبير في أعرق الشركات العالمية".

وأضاف: "السعودية باتت متواجدة بحكم ما تتميز من حكمة وقبول وثقة سياسية، وبحكم ما يتمتع به الاقتصاد من موثوقية وملاءة مالية ملحوظة ما أهّل السعودية لتكون قطبا اقتصاديا من أقطاب مجموعة العشرين".

ويستهدف الصندوق زيادة أصوله إلى 4 تريليونات ريال سعودي، بنهاية عام 2025، وفق الموقع الرسمي لخطة "رؤية 2030".

وكانت بيانات سابقة قد كشف عنها الصندوق قد أوضحت أنه أصبح أحد أبرز المستثمرين الحكوميين في العالم، حيث ضخ 45 مليار دولار في استثمارات في شركات مثل "سوفت بنك" و"أوبر" و"لوسيد"، وحقق متوسط عائد سنوي 8 في المئة بنهاية العام الماضي.

ووفق نشرة للصندوق شاركها مع المستثمرين، في سبتمبر الماضي، فإنه سيستعين ببنوك، مثل "سيتي" و" جيه بي مورغان"، لترتيب أول إصدار لسندات ستُستثمر في مصادر الطاقة المتجددة ومشاريع خضراء أخرى

وقال الصندوق السعودي إنه حقق عائدا بنسبة 3 في المئة سنويا.

توظيف عوائد النفط للابتعاد عنه
وتنم هذه التطورات عن مفارقة وهي أن المملكة تستخدم عائدات النفط من أجل تحقيق أهدافها لتنويع مصادرها، ويبدو أن العالم سوف يستمر في استخدام النفط لسنوات قادمة، وفق عقل.

ويرى عقل أن هناك من يقول إن العالم "سوف يستغني عن النفط بحلول عام 2030، لكن أوبك تتوقع زيادة 3 في المئة على الطلب العالمي حتى 20٤5".

وتوقع رئيس أرامكو، أمين الناصر، أن "يستمر نمو الطلب على النفط لبقية العقد الجاري، رغم الضغوط الاقتصادية السلبية على التوقعات العالمية في المدى القصير".

ومع ذلك، قال الناصر إن "الأهداف المناخية تبقى ذات أهمية بالغة" ما جعل أرامكو تعمل على "زيادة الإنتاج من مختلف مصادر الطاقة، بما في ذلك النفط الخام والغاز، ومصادر الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأزرق".

واستفادت السعودية ودول الخليج الأخرى المصدرة للنفط من المكاسب الضخمة من الدولارات النفطية مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء منذ غزو روسيا لأوكرانيا.

وأعلنت وزارة المالية السعودية، الإثنين، أن المملكة حققت فائضا في ميزانيتها، حتى الربع الثالث من عام 2022، بأكثر من 149 مليار ريال (حوالي 40 مليار دولار) مع تسجيل إيرادات نفطية بقيمة أكثر من 229 مليار ريال (حوالي 61 مليار دولار) في الربع الثالث.

و كشفت شركة النفط الوطنية "أرامكو"، في أغسطس، عن زيادة بنسبة 90 في المئة في صافي الدخل، مقارنة بالفترة ذاتها، العام الماضي، بفضل ارتفاع أسعار النفط على خلفية الحرب في أوكرانيا.

وهذا الانتعاش في الاقتصاد السعودي يضع المملكة على مقربة من الاقتصادات التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، بحسب تقرير سابق لـ"فوربس".

ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، سينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 7.6 في المئة على مدار العام ككل، ليرتفع الناتج المحلي الإجمالي السعودي إلى 1040 مليار دولار.

الاقتصاد "الأعلى نموا"
وأفاد تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بأن الاقتصاد السعودي "الأعلى نموا" في مجموعة العشرين، لعامي 2022، و2023. وتوقع تبلغ نسبة نمو الناتج المحلي لاقتصاد المملكة إلى 9.9 في المئة هذا العام.

ويقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، جهاد الحكيم، إن صناديق الاستثمار الكبرى عادة تستخدم عائدات النفط والغاز لشراء أصول مالية وعقارية ومعادن وضخ أموال في صناديق استثمار أخرى من أجل تنويع المخاطر، وهو ما تفعله السعودية.

ووجهت المملكة الفائض الكبير منذ التعافي بعد جائحة كورونا إلى تخفيف المخاطر من جهة وتحقيق إيرادات بشكل مستدام لأنه يوما ما ستنضب الإيرادات من النفط والغاز، وفق الحكيم.

ووضع الصندوق، بحسب موقعه الرسمي، استراتيجية جديدة للفترة بين 2021 و2025 تهدف إلى التوسع إقليميا وعالميا.

ومن أجل ذلك، "أقام صندوق الاستثمارات العامة علاقات عميقة مع كبار المستثمرين والشركاء الدوليين، ومديري الأصول، والبنوك الاستثمارية، وشركات الوساطة الدولية لتصبح واحدة من أكبر المؤسسات الاستثمارية في العالم".

وقام صندوق الاستثمارات العامة بتوسيع استثماراته في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا.

ويقول عقل إن الإيرادات المرتفعة، التي تحققها السعودية، تستخدم في الاتجاهات كافة.

ويشير إلى نشاط سعودي في مصر والأردن والمغرب والجزائر وجنوب أفريقيا والهند وسنغافورة وحتى الصين.

وقبل أيام، أعلن الصندوق خطة لاستثمار 24 مليار دولار في ست دول عربية حيث تتمتع المملكة بطفرة نفطية وتسعى لتعزيز قوتها الناعمة في المنطقة، وفق تعبير فاينانشال تايمز.

وقال صندوق الاستثمارات العامة في بيان إنه سيؤسس شركات في العراق والأردن والبحرين وسلطنة عمان والسودان تسعى لاستثمارات في قطاعات تتراوح من البنية التحتية والرعاية الصحية إلى التمويل والغذاء.

وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) إن هذه الخطة ستسهم في "تحقيق عوائد جذابة على المدى الطويل، وتطوير أوجه تعاون الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية مع القطاع الخاص" في هذه الدول.

وفي أغسطس، بدأ صندوق الاستثمارات العامة هذا الاتجاه، وفق فاينانشال تايمز، من خلال إنشاء شركة استثمارية في مصر، حيث أنفق الصندوق بالفعل 1.3 مليار دولار لشراء حصص أقلية في أربع شركات.

وأعلن الصندوق حينها عن إطلاق "الشركة السعودية المصرية للاستثمارات" بهدف التركيز على "المجالات الواعدة في مصر".

وعادة ما تساعد دول الخليج الأكثر ثراء حلفاءها بالقروض والودائع من البنوك المركزية، لكنها في السنوات الأخيرة جعلت مساعداتها مشروطة بدرجة أكبر.

وتحول دعم المملكة إلى استثمارات يمكن أن تعود بالفائدة على صندوق الاستثمارات العامة، وفق الصحيفة.

ويقول الحكيم إن الاستثمار في دول الشرق الأوسط يهدف لمساعدة تلك الدول وتحقيق الربح للأطراف كافة وكذلك زيادة نفوذ المملكة في المنطقة.

وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري للصحيفة، إن تركيز المملكة على توفير الدعم الإقليمي من خلال البرامج الاقتصادية والاستثمار "يوفر قدرة أكبر على توجيه التغييرات، إلى جانب إمكانية الاستفادة من عوائد الاستثمار".

وقال طارق فضل الله، الرئيس التنفيذي لشركة نومورا لإدارة الأصول في الشرق الأوسط للصحيفة: "هذا استمرار للتحول في الطريقة التي تدعم بها السعودية شركاءها الإقليميين من المنح والقروض الميسّرة إلى الاستثمار الاستراتيجي طويل الأجل".

تبعات الحرب على أوكرانيا
ويوضح عقل أن السعودية وأعضاء "أوبك بلاس" يسعون إلى تحقيق هدف وصول سعر برميل النفط إلى ما بين 90 و100 دولار للبرميل، من أجل زيادة عوائد النفط.وقال إن "أوبك بلاس" أعلنت أكثر من مرة أن العالم يستطيع أن يتعامل مع سعر 100 دولار للبرميل.

ونظرا لأن 42 في المئة من الإنتاج العالمي يأتي من دول التحالف، فإنها تستطيع التحكم في العرض والطلب، كما حدث عندما انخفضت الأسعار إلى ما دون 82 دولارا، وتحركت هذه الدول لخفض الإنتاج بنحو 2 برميلي يوميا، فارتفعت الأسعار إلى حوالي 95 دولارا، وفقا لعقل.

وتوقع الخبير أيضا قفزات كبيرة في الاسعار في ديسمبر مع قرار الاتحاد الأوروبي حظر النفط الروسي، ما يعني خروج 5 ملايين برميل نفط ومشتقاته من السوق.

ويقول المحلل السعودي، مبارك العاتي، إن السعودية من بين دول العالم التي "تسعى لاستثمار الأوضاع الاقتصادية المتقلبة للعالم لخلق فرص لاقتصاداتها الوطنية".

وأضاف في تصريحاته لموقع الحرة أن "السعودية ودولا في تحالف أوبك تسعى لخلق استقرار في أسعار الطاقة، وهي تتعامل بموضوعية مع الأزمات العالمية وتخلق مكاسب اقتصادية دون أن تحدث تأثيرات سلبية على اقتصادات الغربية بشكل عام".

وقال العاتي إن الأوضاع الناجمة الغزو الروسي لأوكرانيا وضم روسيا لأراض أوكرانية "أثرت على الاقتصادات الأوروبية، والسعودية وبقية دول أوبك تحاول استثمار ارتفاع أسعار الطاقة رغم أنها بدأت تستقر بعد قرار تقليص الإنتاج".

وأشار إلى أن الميزانية السعودية "حققت فوائض لأول مرة في تاريخها منذ 5 إلى 10 أعوام، جراء ارتفاع أسعار النفط الذي لا يزال المدخول الوطني الأول التي تنفق من خلاله على العميلة التنموية وتدفع رواتب موظفيها".

وأَضاف أن هناك فرصا "لإقامة صناعات مشتركة بين السعودية وهذه الدول، وخصوصا الصناعات الغذائية، التي ستحتاجها الأسواق العالمية والسعودية، وكذلك في الصناعات في مجالات التقنية التي يحتاجها السوق السعودي بشكل كبير".

ويقول الحكيم إنه في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، تستطيع المملكة الاستحواذ على شركات وأسهم بتكلفة أقل، مشيرا إلى انخفاض اليورو الإسترليني.

ويشير كذلك إلى بلدان شهدت انهيارا في عملاتها الوطنية ودول مهددة بالتخلف عن دفع مستحقاتها في الديون الخارجية.

وفي المقابل، بقيت العملة السعودية ثابتة أمام الدولار، ولدى المملكة نمو اقتصادي مرتفع، لذلك من خلال  الإيرادات المرتفعة، يمكنها الاستثمار في الأصول منخفضة السعر في الدول التي تضطر لبيع بعض الأصول بأثمان قليلة بهدف، على سبيل المثال، ديمومة عمل المرافق العامة التي لديها.

وقد اتجهت السعودية للاستثمار في شركات وبنوك عالمية شهدت انخفاضا في أسعار أسهمها هذا العام.

أول استحواذ دولي للبنك الأهلي السعودي
واستثمر "البنك الأهلي السعودي" 1.5 مليار دولار، ليستحوذ على حوالي 10 في المئة من "Credit Suisse" بعد أن تراجعت أسهمه بنسبة 55 في المئة هذا العام. وتمثل الصفقة أول عملية استحواذ دولية كبرى للمصرف السعودي، المملوك بنسبة 37 في المئة لصندوق الثروة السيادية للمملكة.

ويقول الحكيم إن أسهم البنك انخفضت بسبب المشاكل التي حدثت له مع المستثمرين الروس، بعد أن قدم المصرف لهم قروضا وتسهيلات عرضته لمخاطر كبير، وانخفضت أسهمه فاضطرت لزيادة رأس ماله وهو ما استغلته السعودية.

ويؤدي الاستثمار في المصرف إلى تفعيل خطة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لتشجيع أكبر الشركات السعودية على التوسع عالميا ورفع مكانة المملكة كمستثمر جاد وتنويع اقتصادها، وفق بلومبيرغ.

ويضيف الحكيم "إذا نظرنا إليها (عملية الاستحواذ الأخيرة) على أساس مستقل وكاستثمار يبقى لمدة 3 إلى 5 سنوات، فإننا نعتقد أن هناك إمكانات لتحقيق عائد ممتاز منه".

وفي أكتوبر 2021، كانت مجموعة استثمارية يدعمها صندوق الاستثمارات العامة قالت إنها استحوذت بنسبة 100 في المئة على نادي "نيوكاسل يونايتد" المنافس في الدوري الإنكليزي لكرة القدم.

وقالت "واس" حينها إن عملية الاستحواذ "ستساهم في تمكين المجموعة الاستثمارية من صياغة استراتيجية واضحة وطويلة المدى لنادي "نيوكاسل يونايتد" ما يسهم في نجاح النادي في المستقبل".

ويقول عقل إن المملكة حققت نجاحات كبيرة في الاستثمارات حتى الآن، لكن هذه السياسة تحتاج إلى استمرارية ونفس طويل وخطط طويلة ومتابعة ومثابرة، لأنها ليست قصيرة المدى، وتحتاج كذلك إلى إنفاق مالي كبير".

ويقول العاتي إن "رؤية 2030" قد "تجاوزت مسألة الاستغناء عن النفط لتحويله لأحد الروافد الاقتصادية، بمعنى لن يكون النفط هو المصدر الوحيد، لكنه سيكون مصدرا أساسيا لتغذية الاقتصاد السعودي".

ويشير إلى "مشاريع سياحية وترفيهية يتم تنفيذها في إطار "الاقتصاد الأبيض" التي "أدخلت السعودية مرحلة جديدة من مراحل الاستقطاب الاستثماري من عدد من الشركات والدول العالمية".

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top