فيلم «إيمان» بطولة ريتا حايك وستيفاني عطا الله يتناول قمع المرأة ودوافع الإرهاب في الشرق الأوسط
سمير ناصيف - القدس العربي
Sunday, October 23, 2022
عنوان «إيمان»، من إخراج وإنتاج قبرصيين، واضطلعت ببطولته الممثلتان اللبنانيتان ريتا حايك وستيفاني عطا الله، إلى جانب ممثلين قبارصة، وذلك في نطاق «مهرجان بيروت السينمائي للمرأة»، الذي جرى في مجمع (ABC) في الضبيّة شمالي بيروت.

قد يبدوب لأول وهلة فيلماً عادياً كغيره من الأفلام الاجتماعية السياسية، التي يتم انتاجها بكثافة في الفترة الأخيرة، على مختلف المستويات في لبنان وخارجه.

إلا أن هذا الفيلم الذي أخرجته القبرصية كورينا آفراميدو وزوجها كرياكوس توفاريديس، ودعمته «وزارة الثقافة القبرصية» كان مختلفاً عن غيره، في وزنه الثقافي والإنساني الهام.

يطرح فيلم «إيمان» قضيتين أساسيتين، تمر بهما المنطقة العربية والشرق الأوسط حالياً، وهما أولاً، وحشية المنظمات الإرهابية، التي تدّعي الانتماء للإسلام، المنتشرة في سوريا والعراق، وبعض بلدان افريقيا، وثانياً قضية تحرير المرأة العربية والمسلمة، وغير المسلمة، في منطقة الشرق الأوسط والعالم الأسلامي، من تفاقم هيمنة الرجال على حياتها ودفعها للتضحية بكرامتها ومبادئها، وحتى حياتها في سبيل إرضاء الرجال المهيمنين عليها وتنفيذ مشيئتهم.

الأمر اللافت في هذا الفيلم كون أبطاله وبطلاته ينتمون إلى تشكيلة قبرصية ـ لبنانية، اختيرت بعد خضوع أعضائها للاختبار الفني لأهليتهم القيام بأدوار سينمائية صعبة نسبياً.

فقد لعبت الممثلتان اللبنانيتان ريتا حايك وستيفاني عطا الله دوري امرأتين اضطرتا لأسباب عائلية واجتماعية الانتماء إلى إحدى المنظمات الإسلاموية المتطرفة، ومركزها سوريا، وطلب قائد هذه المنظمة منهما تنفيذ عملية تفجير انتحاري في قبرص، بعد سفرهما إلى ذلك البلد، وتغيير مظهرهما الخارجي والظهور وكأنهما صبيتين أوروبيتين أو من فتيات قبرص اللواتي يمارسن الحياة العادية في مقاهي ومسابح قبرص، بحيث تبرزان كمندمجتين في المجتمع القبرصي.

إلا أن ذلك الاندماج، الذي كان يُفترض أن يكون خادعاً تحول إلى حد ما إلى إندماج إنساني اجتماعي طبيعي، بحيث طرحتا عبر اللا شعورية أسئلة على نفسيهما ووضعيهما، وتطورت بينهما علاقة إنسانية حميمة أدت إلى تحولهما إلى صديقتين تودعان الحياة سوياً على مضض ومن دون الاقتناع الكامل بما ستفعلانه.

أما في منحى آخر، فكان الممثل القبرصي أندرياس تسيليبوس، الذي لعب دور رجل أعمال ومنفذ لمشاريع عمرانية فاشلة في قبرص يتعرض لأزمة عائلية مع زوجته (الممثلة مارغريتا زاخاريو) وهي ابنة عائلة ثرية، على رأسها والدها القاسي، الذي قمع اندرياس (واسمه في الفيلم عبدالله لأنه من أصل عربي) ودفعه إلى ترك عائلته والالتحاق بالمنظمة الإرهابية في سوريا، ومن ثمة قيادتها. ربما رغما عنه وبسبب أوضاعه، مع أنه كان يحب عائلته المؤلفة من زوجته وابنتيه، وخصوصا ابنته الصغرى آلين (إيمان لاحقا) التي لعبت دورها ستيفاني عطا الله.

وكانت آلين غادرت قبرص خلال سعيها للتفتيش عن والدها، مما أوصلها إلى المنظمات الارهابية في سوريا وقادها إلى أن تصبح إحدى منفذات عملياتهم.

ليس من المستحسن الزيادة في التفاصيل عما حدث لاحقاً في الفيلم لأن ذلك قد يشوه عنصر التشويق فيه للمشاهدة، بيد أن السياق السردي يتحول كلياً في الفيلم في مرحلة لاحقة عندما اكتشف عبدالله (الذي غير اسمه إلى اسم حركي) أن لديه ارتباطا وثيقا بالفتاة إيمان، التي أمرها هي وزميلتها ليلى بارتكاب عملية تفجير انتحاري في قبرص خلال تظاهرة تقام هناك.

وهنا يظهر للمشاهد في هذا الفيلم الجيد النوعية والحبكة والسيناريو اضطرار عبدالله، الذي أصبح قائدا ميدانيا إرهابيا الاختيار بين مسؤوليته في هذا الموقع وبين ارتباطه الحميم جداً بالإنسانة التي أمرها بارتكاب التفجير الإنتحاري.
إذن، فهذا الفيلم يطرح سؤالاً هاماً جداً وهو: «هل يفقد أي قائد إرهابي إنسانيته إلى درجة تدفعه للتضحية بحياة أقرب الناس إليه؟

أما من ناحية قمع النساء في هذا الفيلم، فجميع الشخصيات النسائية فيه يتعرضن للقمع من رجال قساة، فزوجة عبدالله قمعَها والدها الثري ذو النفوذ، وهو الذي دفعها إلى إذلال زوجها لأنه ارتكب خطأ في عمله التجاري والهندسي، مما حثه على هجر عائلته. وابنتهما الأخرى (لعبت الدور الممثلة القبرصية بامبينا جورجيو) أصبحت رهينة لأهواء صديقها القبرصي الشاب العاطل عن العمل، والذي يعاملها كجارية، ويعتدي عليها نفسياً وجسدياً باستمرار عن طريق الضرب الوحشي.

وبالتالي، فان هذا الفيلم يتناول قضايا إنسانية واجتماعية وسياسية بجرأة كبيرة.

وقد ردت إحدى بطلات الفيلم على أسئلة طرحناها عليها حول مجمل هذه المواضيع في مقابلة خاصة.

ففي لقاء أجرته «القدس العربي» مع الممثلة ريتا حايك، التي لعبت أحد الأدوار الرئيسية في الفيلم (دور ليلى) كان أول الأسئلة: لماذا تتجنب مؤسسات الانتاج السينمائي في منطقتنا تناول مواضيع سياسية ـ اجتماعية حساسة (كما في هذا الفيلم) في كثير من الأحيان؟

قالت حايك: «أسهل على الأوروبيين أن يتناولوا مثل هذه المواضيع الحساسة، لأن هناك مسافة بينهم وبين الإرهاب في منطقتنا. بالنسبة إليهم المواضيع الأكثر أهمية هي مواضيع كالهجرة إلى أوروبا وإلى الدول الغنية والعنصرية والقضايا الاقتصادية».

وعن أهمية هذا الفيلم (إيمان) بالنسبة لموضوع تحرير المرأة العربية والشرق أوسطية من هيمنة المجتمع الذكوري في حياتها اليومية وخياراتها السياسية، قالت حايك: «كل الإناث في هذا الفيلم خاضعات لقرارات رجالهن وأزواجهن والذكور في حياتهن.

ليلى (التي لعبت دورها ريتا حايك) عاشت حياة «زوجية» صعبة جداً، واضطرت إلى الإجهاض في مناسبات عدة واختارت العمل السياسي الجهادي العنيف للتحرر مما اعتبره مجتمعها ذنوباً كانت ارتكبتها، أما إيمان (التي لعبت دورها ستيفاني عطا الله، علما أن اسمها السابق كان آلين في أول الفيلم) فهي كانت تفتش عن والدها عبدالله، الذي أحبته محبة عارمة، ولم تدرك أنها انتهت بالفعل في أحضان منظمة كان هو يقودها، وأنه (دون ادراكه) أمرها بتنفيذ التفجير الانتحاري.

ومن التحفظات، التي وجهها بعض النقاد لفيلم «إيمان» عدم صرامته في نبذ الإرهاب عموماً، وتعاطفه مع والد إيمان، الذي تبين أن خياره الإنساني بالنسبة إلى ابنته كان أقوى من خياراته السياسية المتطرفة، وبالتالي فإنه ظهر غير فاقد كلياُ لإنسانيته.

قالت حايك في هذا الصدد: «ذهاب عبدالله إلى الإرهاب كان ردة فعل على تعامل المجتمع القبرصي الرأسمالي القاسي والمتوحش معه، وخصوصا والد زوجته ،الذي دفعها إلى ترك زوجها لأنه ارتكب خطأ في عمله الهندسي وبالتالي، خسر عبدالله عائلته وأولاده، بسبب جشع عمه وقساوته. وعندما أدرك أن ابنته كانت طوال الوقت تسعى للحاق به لفرط حبها له تأثر إنسانيا وقام بخياره.

اذن، فالإنسانية لا تُفقد كليا لدى الإنسان، كما يعتقد البعض. ففي الأساس ذهابه واختياره العمل الإرهابي كان ردة فعل على معاملة قاسية غير إنسانية مورست ضده. لدى الإنسان في هذه الحياة خيارات بين الخير والشر، وقد يختار أياً منهما، ولعل حب عبدالله لابنته أرجعه إلى خيار الخير قبل فوات الأوان أو بعده (الفيلم لا يحسم هذا الأمر).

أما بالنسبة إلى المشاهد الحميمة في الفيلم، وبينها مشهد قبلة بين ليلى (ريتا حايك) وإيمان (ستيفاني عطا الله) في الليلة السابقة لموعد تفجير نفسيهما بين جماهير تظاهرة لدعم حقوق الإنسان في قبرص، تقول حايك: «إن القبلة في ذلك المشهد عبرت عن التضامن بين ليلى وإيمان في اليوم السابق لاستشهادهما، فقد كانتا تعبران عن الرابط الإنثوي القوي الذي دفعهما إلى القيام بهذا الخيار الصعب سوياً، ولم يكن الدافع للقبلة في المشهد جنسياً. ولذلك يُنتظر من جهات المراقبة في المنطقة عدم حذف ذلك المشهد. القبلة كانت تعبيراً عن التعلق بالحياة، برغم قرار الاستشهاد في اليوم التالي، وربما أكثر من ذلك، ربما كانت وداعهما للحياة».

وأضافت حايك: «إن كل واحد يرى تلك القبلة بين ليلى وإيمان كما يريد. والأمر يعود للمشاهد».

وبالنسبة للمهرجانات السينمائية، التي شارك فيها هذا الفيلم، والتي سيشارك فيها. قالت حايك: «افتتح الفيلم عالميا في مهرجان سالونيكي اليوناني السينمائي مؤخراً. كما أنه في 21 الشهر الجاري سيشارك في مهرجان صوفيا السينمائي في بلغاريا. وفي الأسبوع الأخير من الشهر المقبل ستقام مناسبة فنية في ليماسول (قبرص) لتقديم الفيلم قبرصياً تحضيراً لعرضه شعبيا في قبرص والعالم.

أما في لبنان فمن المنتظر أن يُعرض في الربيع المقبل (أيار/مايو وأوائل حزيران/يونيو) أي قبل انتهاء الموسم السينمائي، وقبل ابتداء فصل الصيف».

وعن سبب اختيارها هي وستيفاني عطا الله للقيام بالدورين الرئيسيين في الفيلم، قالت حايك إن لجنة فنية أخضعت عدداً من الممثلات لامتحانات أداء، وقررت في النهاية اختيارهما للدورين الأنثويين الرئيسيين.

كما أكدت حايك أنها ارتاحت جداً للعمل مع الفريق القبرصي، الذي حقق هذا الفيلم من مخرجي ومنتجيه الى المساعدين لهما، وإنها تحبذ المزيد من التعامل القبرصي ـ اللبناني ـ العربي السينمائي لتحقيق مثل هذه الأعمال الفنية المتميزة.

Friday, March 17, 2023 - إقرأ الخبر من مصدره

تابعوا أخبارنا عبر خدمة : google-news

ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها

Copyright © 2023 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top