ندى بو فرحات لـ «الشرق الأوسط» : كمية الشر في عالمنا تفوق الخيال
فيفيان حداد - الشرق الاوسط
Thursday, April 21, 2022
لفتت الممثلة اللبنانية ندى بو فرحات متابعها في مسلسل «ستيلتو» الذي تعرضه «إم بي سي» ومنصة «شاهد». واليوم مع انتهاء الموسم الأول له عبر شاشة «إم بي سي» واستمراره عبر «شاهد»، لا يزال هذا العمل الدرامي يحقق نجاحات واسعة في لبنان والعالم العربي. وفي شخصية «نايلة» التي تجسدها بو فرحات برزت الخلفية المسرحية التي تتمتع بها. وكذلك أداؤها العالي المستوى الذي أسهم في طبع ذاكرة المشاهد. صحيح أن «نايلة» هي الحلقة الأضعف بين النساء الأربع، بطلات العمل ديمة قندلفت وريتا حرب وكاريس بشار، إلا أن إصرارها على إكمال حياتها وبثقة بعيد تعرضها إلى الانفصال عن زوجها، جعلها نموذجاً يحتذى بين النساء العربيات .
ندى معروفة بحملها راية حقوق المرأة، وهي ناشطة في الدفاع عن المعنفات، وكذلك عن الأطفال الذين يعانون من الأمر نفسه. كما أنها تمثل شريحة من النساء اللبنانيات اللاتي يرفضن الخضوع. واكبت موجة «ثورة 17 تشرين» بجدية، وانخرطت في صفوفها مطالبة بضرورة وضع حدٍ لمنظومة فاسدة تحكم البلاد.
وتقول إنها عندما قرأت طبيعة شخصيتها في «ستيلتو» عرفت مسبقاً بأنها ستشكل رابطاً بينها وبين النساء اللاتي يعانين مشكلتها نفسها. وتكمل لـ«الشرق الأوسط»: «تركيبة القصة تقوم على هذا الخط بالنسبة لشخصية نايلة. وهو أمر لمسني عن قرب، سيما وأني أعرف عدداً من النساء اللاتي يحتجن للدعم. أحببت التحول الذي يشهده الدور على مر حلقات العمل. فهو يحدث تغييراً جذرياً في شخصيتها ويأخذها نحو الإنتاجية والاستقلالية».
ماذا أحبت بشخصية نايلة والعكس؟ ترد بو فرحات: «الخطوط التي أحببتها في شخصية (نايلة) هي أقل بكثير من الأخرى التي لم تعجبني فيها. فهي امرأة ضعيفة واتكالية لا تعرف اتخاذ القرارات لوحدها. ولكنني أعجبت كثيراً بحنانها المتدفق على أولادها ورفضها تمثيل دور الضحية كي لا يشفق عليها الآخرون. كانت متماسكة وبقيت مصرة على تحدي نفسها وإبعاد أولادها عن مشاكلها الشخصية مع زوجها».
يبرز «ستيلتو» كمية الشر التي يمكنها أن تسكن أصحابها إلى حد المبالغة أحياناً. فتدفع بالمشاهد إلى السؤال عما إذا من الممكن وجود أشخاص من هذا النوع؟
وترد ندى: «برأي أن عند كل واحد منا نوع شرٍ معين يسكنه وليس بالضروري أن يكون على شاكلة (ستيلتو). أشبه ما يدور في المسلسل كفيديو كليب نرى فيه الفنان يقوم بأعمال منزلية أو غيرها بعيدة عن وجهه الفني المعروف به. فتبدو المغنية بكامل أناقتها وهي تطبخ وتحمل السكين وهي تتحدث إلى زوجها أثناء إعدادها الطعام. يمكن أن نعتبر (ستيلتو) فيديو كليب من نوع آخر يظهر وجوهاً مغايرة للناس على مدى 90 حلقة. وهنا لا بد على المشاهد أن يقتنع بأن هذا العمل جرى تطريزه وحياكته ليحمل أسلوباً خاصاً ويبرز ما يدور في أفكارنا ويسكن أعماقنا إلى حد الرغبة في ارتكاب جريمة ضد أشخاص يخالفون القانون مثلاً أو ظالمين وفاسدين. فأنا أعتبره بمثابة لوحة مرسومة بريشة فنان يخرج عن المألوف في أسلوبه وفي نظرته للأمور».
تصف ندى بو فرحات تجربتها في «ستيلتو» بالخطوة المهمة في مسيرتها التمثيلية. فهو أسهم في نشر اسمها في العالم العربي، ليس من باب الأداء وحسب بل من ناحية التعرف بها كممثلة. فالناس كما تقول تعبر عن فرحها عندما تلتقي بها، وهي سعيدة بردود فعلهم الإيجابية. وقد لمست بو فرحات عن قرب هذا الانتشار من خلال مشاركتها في مهرجان قرطاج السينمائي في تونس.
«الناس في تونس تعرفني من خلال أعمالي المسرحية التي شاركت بها أكثر من مرة في هذا المهرجان. ولكن عالم التلفزيون شكّل لي ولادة عربية جديدة وهو ما أحبذه في هذه التجربة.
كما أني شخصياً تعلقت بالمسلسل مع أنني على علم مسبق بأحداثه. فأستمتع وأنا أشاهده كأي مشاهد عادي لأنني أحببت حبكته كثيراً».
وعن الاختلاف في هذه التجربة عن باقي تجاربها السابقة تقول: «استصعبت بداية أسلوب الأداء الذي طلب مني. فهذا نوع من الأعمال الدرامية يطالبك بالتفكير بالمشاهد أكثر من العمل. فوجدت صعوبة في تقديم ردود فعلي لتطوير اللقطة المصورة.
إيقاع العمل البطيء لا يتحمل ردات فعل سريعة يمكن التقاطها بلحظة. كان عندي رفض لهذا الموضوع بداية بحيث يلزمني بدقائق طويلة كي أبرز ردود فعلي. ومن ثم اندمجت بالعمل، سيما وأن هذا هو أسلوبه الخاص به. وبمساعدة مدرب التمثيل بوب مكرزل وبالتعاون مع المخرج، استطعنا التوفيق بين دمج التقنية للمشاعر الداخلية مع الأخرى المرتكزة على الخارجية منها والمبالغ فيها. وهو ما سمح لي بالحفاظ على صدق مشاعري، كما رغبت تماماً».
أمضى فريق عمل مسلسل «ستيلتو» نحو 9 أشهر مع بعضه البعض بفعل طول مدة التصوير. وقد تم اختصاره وتعديل بعض أحداثه لتصبح ذات إيقاع أسرع فتحمل مفاجآت مغايرة عن التي عرفها المشاهد في نسخته الأجنبية «جرائم صغيرة». وتصف بو فرحات هذه الفترة بأنها كانت رائعة لما كان يغلفها من مشاعر انسجام بين أفراد الفريق. كما أن فترة التصوير الطويلة وفرت للممثلين تقمص شخصياتهم على أكمل وجه. فحفظوها حتى صاروا يضيفون من عندياتهم عليها. «لقد استمتعنا بأداء أدوارنا وأنا شخصياً ذكرني بالعمل المسرحي، لأنه يتطلب تمرينات طويلة ولعدة أشهر. فانعكس هذا الأمر إيجاباً علي سيما وأن الشخصية التي ألعبها ليست مركبة فلا تتعب صاحبها. فكانت مغايرة تماماً لشخصية ديمة قندلفت (فلك) التي أعجبت بأدائها كثيراً. فالدور المركب جميل ويتطلب تحديات عدة».
وعن الأجواء التي سادت علاقتها مع باقي الممثلين تقول: «كانت رائعة وجميلة. تخيلي أننا طيلة هذه الفترة لم نتشاجر ولا لمرة واحدة. فالمجموعة بأكملها كانت منسجمة مع بعضها بحيث كل واحد يحترم مساحة غيره. فقد أمضينا معاً لحظات رائعة خصوصاً عندما نترافق في مشاوير ونزهات. فالجميع محبون ومحترفون في الوقت نفسه. وبالتالي لا أحد لديه نية افتعال مشكلة، وعندي من هذه الفترة ذكريات جميلة احتفظت بها».
تملك ندى رأيها الخاص عن حال الدنيا اليوم واستشراس الشر فيها. وتعتبر نفسها نصف مستسلمة. صحيح أن الشر لطالما كان موجوداً، ولكن حجم انتشاره أصبح كبيراً جداً، والناس ما عادت تخجل من إبرازه. وتتابع: «ما أراه اليوم، صار يفوق الخيال، وخاصة لجهة الأطفال. فهم يتعرضون إلى كل مظاهر العنف والظلم إضافة إلى التشرد، وهي أمور تؤذيهم بشكل مباشر. وما يحصل في لبنان وما نلاقيه من حكامنا يصب أيضاً في هذا الإطار. والأسوأ أنه لا يمكننا مواجهة كل هذا الشر، وهو ما دفعني إلى التفكير بطريقة مغايرة.
قررت أن أثور على طريقتي ومن خلال الفن الذي أمارسه. أكتب أو الناس تكتب لي أعمالاً مسرحية وسينمائية أعبر فيها عن مبادئي. مهنتي هي خير علاج لما نمر به ولمشاركة الناس مآسيها والتخفيف من حدتها».
وعن النهضة المسرحية التي تشهدها البلاد تقول: «الناس بحاجة لهذه الفسحة بعد سنتين قاسيتين على جميع الأصعدة. والناس المبدعة عادت لتنظر إلى الصحن من بعيد خروجها منه. من قبل كان هذا الأمر صعباً، ولم أكن أملك القدرة على التحدث عن انفجار بيروت ولا عن الأزمات المتلاحقة التي أصابتنا. كنت، في كل مرة أمسك بقلمي وأبدأ الكتابة، تنهمر دموعي تأثراً. المسرح اليوم هو نوع من المقاومة التي نحتاجها لاستعادة حريتنا التي سرقوها منا».
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها