«يوسف» فيلم لبناني تدور أحداثه في بيئة المهمشين والبؤساء ويستقصي نشاط تجّار السلاح وما لا تدركه الكاميرات
القدس العربي
Thursday, April 21, 2022
يتميز فيلم «يوسف»، الذي انطلق في الصالات اللبنانية مؤخراً بقصته المنسوجة ببعض من حكايات فقراء الأحياء الشعبية في لبنان، وبغوصه في خاصية لبنانية، لا يراها سعاة البحث عن الحياة الوردية لتصويرها، ومنها تجارة السلاح.
سيناريو يشتغل في اتجاهات عدة، أبرزها الحبكة المتمثلة بالمرض النفسي، الذي يعيشه البطل. هذا المرض أدّى بصاحبه «يوسف» الذي أدى شخصيته الممثل مُحسن حيدر، لأن يعيش حياتين وشخصيتين منفصلتين تماماً.
ورغم عدم معرفتنا به سابقاً كوجه في عالم التمثيل اللبناني، إلا أنه بدا مقنعاً ومؤثراً في تقمصه للشخصيتين، وتنقله بينهما.
«يوسف» شريط يستدعي بعض التأهب لمتابعة مجريات السيناريو بين موت وحياة، فقر وعوز، وبين سلطة وتسلط، وواقع وخيال.
وكذلك تجارة سلاح تقتنص فرصها، وتنشط حيث سوق القتل والاجرام على جهوزيته. وفي هذا الفيلم يظهر يوسف شاباً مقداماً تدفعه العاطفة لإنقاذ حياة شقيقه الأصغر من الموت. يتحدّى الموت المستتبع بموت آخر، والجريمة التي تلحقها أخرى خاصة في عالم السلاح ذي الخصوصية اللبنانية القديمة، بحيث أضحى موضة حياة.
الفيلم يشتغل على مسار الإثارة النفسية انطلاقا من الشاب يوسف، يقابله مسار آخر يتمثّل بتجارة السلاح. والأفلام اللبنانية التي راحت باتجاه الأزمات النفسية، التي يعيشها بعض ناس هذا الوطن، تقلُّ عن عدد أصابع اليد الواحدة. والغالب بينها أفلام الحياة حلوة، وهذا ليس بخطأ طبعاً. أما ناس التحت فليسوا مادة دسمة للسينما.
فيلم يوسف خرج من عالم الفقر المعقد والبسيط معاً، فكيف الحال مع تصدر المرض النفسي للشخصية الأساس؟ مضافاً إليها عالم تجارة السلاح، وتسلط السلطة وظلمها. وكل هذا يدور في بيئة بالكاد تقتات بلقمة الخبز.
فكرة المرض النفسي تُحسب لكاظم فياض مخرج فيلم يوسف وكاتبه، رغم كونه يخوض تجربته الأولى في إطار الفيلم الروائي الطويل، بعد العديد من الأفلام القصيرة.
وبقدر ما وجدت تلك الفكرة إعجاباً، ظهر في المقابل ملاحظة تقول بضرورة منح فكرة الفيلم وهي المرض النفسي مساحة أكبر، وتشريحاً ليس بخاطف، والهدف أن لا يبقى الكثيرون عالقين عند رد يوسف على نصيحة أستاذه في الجامعة «مستحيل روح عند دكتور نفسي.. شو بدّك يقولو عني جنيت؟» هذا الرهاب الاجتماعي من العلاج النفسي يحتاج لأن يتبدد ويضمحل.
عن يوسف فهو شخصية قريبة من القلب، في باطنه الكثير من الحب لأصدقائه، ولأستاذه، ولوالدته تحديداً.
استوحى المخرج كاظم فياض قصته من الحياة اللبنانية، التي تنعم ببحر من السلاح المنتشر لدى الناس، وساهم خياله بتطوير فكرة مبتكرة.
عاون فياض في الكتابة مُحسن حيدر «يوسف». وصاغ السيناريو علي منصور ومُحسن حيدر. ويبدو أن معايشة البطل لولادة الفيلم خطوة بخطوة، بدءاً من الفكرة، إلى كتابة القصة، ومن ثمّ السيناريو، ساهم بتغلغل الشخصية سينمائية داخل مسامه، فكان شديد الإحساس بقوله وفعله، وكبير الواقعية. فقد بدا محسن حيدر جزءاً لا ينفصل عن المكان الذي يمثل فيه. وهو يصف تلك البيئة القريبة من مطار بيروت بـ»جورة الخرا»، مؤكداً مناعته منها وبها «اللي بيعيش هون ما بيموت».
«يوسف» فيلم يضيء على صورة نادراً ما ترغبها كاميرات الأفلام. وتحديداً تلك التي تعيش في عالم بعيد جداً فكرياً وإنسانياً عن منطقة الأوزاعي، حيث تدور الأحداث. هناك يتكدس بشر لبنانيون نازحون من الأرياف إلى المدينة، ومن مختلف المناطق. ويشاركهم هذا الواقع بشر مهمشون آخرون من مختلف الجنسيات العاملة والمقيمة في بيروت. وقبل سنوات أيضاً باتت المنطقة مقصداً لعدد كبير من النازحين من سوريا.
إلى جانب حسين حيدر يؤدي أدواراً في الفيلم الممثلون: فايز قزق، وختام اللحام، ووسام صبّاغ، وأياد نور الدين، وحسن فرحات. وظهر بدور خاطف الزميل رضوان مرتضى، صاحب الشركة المنتجة للفيلم «بلو هاوس فيلم».
يُذكر أنه تمّ اختيار فيلم يوسف بين أفضل عشرة أفلام رُشّحت لجائزة مهرجان جنيف للأفلام الشرقية في سويسرا من أصل 500 فيلم تقدموا للمنافسة. وحصل على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان لوس أنجليس للأفلام الآسيوية قبل أيام، وجائزة أفضل عمل سينمائي أول من مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط. وشارك في مهرجان دكا الدولي للأفلام في بنغلاديش.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها