«توب شيف»... أول برنامج تلفزيوني عربي ينافس لكسب جائزة «إيمي»
فاطمة عبدالله - الشرق الأوسط
Thursday, April 21, 2022
ظن مخرج «توب شيف» وسيم سكر، أن المنتج ربيع رمال يختبر أعصابه على طريقة مقالب الكاميرا الخفية، حين أخبره بترشح البرنامج لجائزة «إيمي» العالمية. «كانت صدمة»، يقول لـ«الشرق الأوسط» وهو ينسب التقدير إلى «إم بي سي»، صاحبة الإنتاج والعرض. مجرد الترشيح، مكافأة لجهد جماعي، أوقَف الفوز حليفاً أم شكل تحالفات أخرى. الكلام له.
فخرُه في التفات المحطة لفرادة ما يُقدم، فيتخطى كونه «برنامج طبخ». وصول «توب شيف» إلى العالمية كأول برنامج عربي ضمن فئة «البرامج التلفزيونية الترفيهية»، وسط ترشيحات تؤكد ضراوة المنافسة، يعكس رفع الرأس حيال نموذج مبتكر من العمل الإبداعي عالي المستوى. العين على 21 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، موعد إعلان النتيجة في نيويورك، برجاء ألا تُحجب حرارة التصفيق عمن يستحقها بعد مواسم ستة.
ينطق وسيم سكر بكلمة حق: «البرنامج عربي، تنتجه السعودية وتعرضه على شاشتها. فريق عمله متعدد الجنسية، وإن طغى لبنانيون. الجهود أيضاً من مصر والأردن وسوريا... المخرج لبناني. اللحظة العالمية في زيارة جماعية؛ والفوز، إن حصل، فلكل العرب».
ينقل تخصصه في اللغة السينمائية إلى برامجه، مع فارق أن «توب شيف» يُحلق بالخيال. في بداياته، لم تُسعف أحوال لبنان بلوغ أحلام السينمائيين مرحلة التحقق. كان الهم: «بدنا نشتغل ونعيش»، فدخل مجال التلفزيون، محملاً بهَم استجد: «التعبير بلغتي السينمائية». يرى التعبير «جزءاً أساسياً من مهنتنا»، فلا يكون المعروض مجرد صورة، إنما بُعد واختزالات.
رافق الخطوة الأولى في مشوار مستمر إلى اليوم بموسمه السادس. آنذاك، أرست محطة «إل بي سي» اللبنانية الموسمين الأولين، قبل انتقال المركب إلى بحار «إم بي سي». كان وسيم سكر أنهى «عرب أيدول»، فتفرغ لبرنامج طبخ المقصود منه، قبل محاكاة المعدة، استفزاز الخيال. لملم ثغر الموسمين وراقب الأخطاء، فيما أتاحت الشبكة السعودية فرصة لنفضة ترفع مرتبته. يمر في باله كلام قاله توقاً للأفضل: «شعرتُ أن لا بد من تغييرات ضرورية. تحمل مسؤولية برنامج بهذا الحجم، يضعني أمام احتمالين: الذهاب بالإبداع إلى النهاية، أو الاعتذار».
ثقة المحطة جعلته مرتاحاً لخطة مشتركة: «سنحلم ونحلق بعيداً». يفضل المخرج اللبناني أن تنطق أعماله بما يُعرف عنه، فكل ما يقوله عن نفسه هو أنه «يُكسر رأسه» ليولد مشروع يُشعره باكتفاء. يرفض ربط التلفزيون بالاستسهال، «فنقدم محتوى ساذجاً وصورة عابرة بحجة أن الجمهور يشاهد كل شيء. العمل بلا أبعاده ومزاياه، أُخرجه من القائمة».
فكر بـ«توب شيف» كـ«مسلسل درامي» أكثر من كونه برنامجاً عن طهاة يتنافسون على لقب. بشغف سينمائي، يقف وراء كاميرات أحد أكثر البرامج تحفيزاً للإلهام على الشاشات العربية. كلما هل موسم، رافقته إلى المنازل خيالات خلاقة، جمالية الصورة والكادرات، تحديات الذكاء وسرعة البديهة. خلطة بقيادة مخرج لا يفوته رد الجميل للفريق تحت ظل التلفزيون الحاضن.
لا يعني إخراجه «عرب أيدول» و«إنت مين»؛ بينهما «توب شيف» وجديد «إم بي سي»، «غنيلي بالجو»، أن الداخل يكتفي. هو يرتوي فحسب، لكن التضور للمزيد قدر الفنان. «أنا مجموعة هذه التجارب»، يقول وسيم سكر، مضيفاً إليها فيلمه القصير «بيروت 6:07» عن مقتلة المرفأ. هو الآخر ترشح العام الفائت عن فئة الأفلام القصيرة ضمن جوائز «إيمي»، فيختبر مخرجه طعم النجاح العريض للمرة الثانية.
يطالب بأقصى طاقات مَن يشاركونه صناعة البصمة التلفزيونية؛ «حد طلوع الروح أحياناً»، يعترف. لكنه، ألا يفكر، أسوة بمخرجين، الهجرة إلى المسلسلات القصيرة؟ بالنسبة إليه، لا أهمية لذلك، ما دام يقوى المخرج على اختبار جميع «أسلحته» في ميدانه: «همي إيصال ما أشاء، أكان عبر البرامج أم الدراما والسينما. ملعبي حالياً هو الإخراج التلفزيوني، أغادره حين أشعر بأنه بدأ يضيق. لا تغريني الخطوة المتسرعة وأؤمن بالتوقيت. اللاحق بالترند معرض للخسائر».
بحثه مستمر عن تقنيات جديدة وصورة مختلفة ولون فريد، يقول مَن يوصف حياته بكونها مسعى إلى تحديث المعرفة. فهو إن ارتاد حفلاً، عكر على نفسه المتعة بالتركيز على الإفادة من المشهد ومراكمة الوحي: «هذا عصر التقنيات، فإن سبقت الإنسان، زجته في الماضي».
«أتدخل في التفاصيل»؛ يعلن بأنه ليس مخرجاً تنتهي مهمته عند تركيب الكاميرات وأخذ اللقطة، ثم شكراً وإلى اللقاء. نحو عام كامل يتطلبه منه، والفريق، إنجاز برنامج «توب شيف» لتُلاقي المكانة السحر. قرابة عام كامل؟! رد صاحب السطور بدهشة. يشرح أن التحضير يتطلب شهرين، والتصوير كذلك، ليفترس المونتاج نحو 6 أشهر من عمر فريق يعمل طوال السنة ليُعرض البرنامج على مدى 3 أشهر مكثفة بإبهار تعبق به الصورة والمحتوى.
يضع جمالية المشهد في المرتبة الأولى لأي عمل يتسلم قيادته. تأثره بالسينما يجعل البصريات طاغية، علما بأنه يدرك أهمية التوازن مع المحتوى. سواء أكان البرنامج «ثقيلاً» أم سلساً لترويض الأيام؛ سر وسيم سكر على لسانه: «لا أجيد سوى العمل بجدية فأقدم أفضل ما لدي».