منذ توقف الوجه العسكري للحرب الأهلية في لبنان مطلع التسعينات و الذي انتهى بانتحار المسيحيين ما تسبب في هزيمتهم النكراء امام حافظ الأسد و توابعه تغيرت طبيعة الدولة في لبنان .
تلك الطبيعة التي أعطاها إياها الموارنة عند إنشائهم الكيان فكانت دولة تحترم حقوق مواطنيها و هم بدورهم يلتزمون بالنظام و القوانين و كان وطن يتطور و ينمو و يصعد لينافس دول كبرى لم يملك من إمكاناتها شيئاً .
كيف تغير كل شيء مع نهاية الحرب و ما هي ابرز علامات ذلك التغيير ؟
أولى علامات التغيير كانت بإخراج المسيحيين من إدارات الدولة ووضع أشخاص آخرين مكانهم ينتمون الى الطائفة بالإسم أما ولائهم فهو لأولياء نعمتهم و لمن وضعوهم في تلك المراكز ينفذون تعليماتهم و هم صاغرون و يضربون مجتمعهم و ناسهم عن سابق تصور و تصميم دون أن يرفّ لهم حفن .
ثاني علامات التغيير كانت بمرسوم التجنيس الذي أخلّ بالديمغرافيا اللبنانية حيث زُرِع مجنسون من طوائف معينة في مناطق مسيحية كزحلة و غيرها و ها هو تأثيرهم صار جليّاً اليوم و أصبحوا يشكلون بيصة القبان و ربما أكثر في العديد من المناطق و يستطيعون تغيير نتائج أي انتخابات و فرض نواب على المسيحيين لا يمثلون نبض شارعهم بالفعل .
كل ذلك لم يحصل بالصدفة ، هو حصل عن سابق تصور و تصميم و ضمن مشروع ممنهج لإضعاف المسيحيين بشكل عام و الموارنة بشكل خاص و ربما التخلص منهم نهائياً في مراحل لاحقة و هذا ما نراه اليوم من تصفية لدولة الموارنة العميقة ( المصارف و النظام المالي و المؤسسات الصحية و التربوية و غيرها… )
ما هو الهدف الفعلي لتغيير طبيعة الدولة ووجهها في لبنان و من سيدفع الثمن الأغلى؟؟
بدأ مشروع ضرب الوجود المسيحي الحر في لبنان بشكل عنيف و معلن تقريبا عند انطلاق الحرب و أفشلته المقاومة اللبنانية بصمودها أولا و محافظتها على كيان الدولة و سلامة مؤسساتها في مناطقها ثانيا ، لكن و بعد الهزيمة و انهيار المناطق الحرة انقضّ المتربصون على كل شيء و بدأوا بتنفيذ مشروعهم الذي ربما نشهد آخر فصوله اليوم .
الهدف من استبدال المسيحيين أصحاب التمثيل في مجتمعهم بآخرين يدينون بالولاء لزعماء طوائف أخرى في الجهاز الإداري للدولة بكل مؤسساتها و الذي يعاني هؤلاء المسيحيون من تداعيته حتى اليوم كان بيساطة ما رأيناه منذ التسعين من الكيل بمكيالين و سياسة الصيف و الشتاء تحت سقف واحد الى التعامل مع مسيحيي لبنان بفوقية و الجميع لمسوا ذلك إن كان في الضرائب أو في أي شيء آخر داخل الدولة و قد شكل هؤلاء المسيحيون الصوريون تحديداً الأداة التنفيذية لتنفيذ هذا المشروع للأسف …
أما الهدف من تغيير الديمغرافيا بشكل ممنهج و مدروس خاصة في المدن المسيحية الكبرى كان في أن تتمكن الطوائف الأخرى من فرض التمثيل الذي تريده على المسيحيين بأصواتها أي بمعنى آخر إعطاء هؤلاء مناصفة صورية على الورق و منعها عنهم على أرض الواقع كما يحصل أيضاً منذ ١٩٩٠ و حتى اليوم و هذا أيضاً و أيضاً كان الهدف الأساسي من وراء مرسوم التجنيس المشؤوم فحتى القانون الانتخابي الحالي و الذي يعتبره المسيحيون منصفا لا يسمح لهم بالإتيان بأكثر من ٥٥ نائباً بأصواتهم الفعلية من أصل ٦٤.
أما الهدف الأخير راهناً من وراء انهيار ما تبقى من الدولة القديمة في لبنان هو التصفية النهائية لما تبقى لهم من حضور فعلي غير معلن في الدولة و القطاع الخاص (ما يعرف بدولة الموارنة العميقة) ، ذلك الانهيار المقصود كما أورد البنك الدولي في أحد بياناته ، و المبرمج و الذي ضرب عصب الدولة اللبنانية القديمة ، من تصفية المصارف و التلاعب بالعملة بشكل مخيف و مراكمة الديون الهائلة على البلد و الموازنات الوهمية و المعتورة و السرقة و النهب و الفساد و كأنها ليست دولتهم انما دولة غريبة يريدون تدميرها ، الى ضرب القطاع الصحي و الذي يشكل المسيحيون النسبة الأكبر منه وصولاً الى ضرب القطاع التعليمي الذي بدأ منذ زمن بتعليق المناهج و عدم تجديدها وصولاً الى تأثره الكبير بانهيار اليوم و صراع الإرساليات المسيحية الكبرى من أجل البقاء و الاستمرار فقط …
الثمن الأغلى دفعه و سيدفعه الموارنة بشكل خاص و المسيحيون بشكل عام بالدرجة الأولى فدولتهم الناجحة في لبنان قامت بالأساس على هذه الركائز الثلاث و هي تضرب بعنف هذه الأيام و من يضربها يعرف حتماً ماذا يريد ، هو يستكمل مسلسل تهجير مسيحيي لبنان و الغاء وجودهم الحر و الفاعل و شطبهم من المعادلة الذي بدأ عام ١٩٧٥ ، أو بأحسن الأحوال يسعى لتحويلهم الى ذميين في وطنهم يدفعون الجزية المقنعة و هم صاغرون …
المشكلة الكبرى أن بعض مسيحيي لبنان يتلهىون بالقشور و المناكفات التافهة و الصراعات الغبية على سلطة فارغة و نفوذ وهمي و يتناسون الخطر الحقيقي و المخطط المدروس للقضاء على وجودهم كلياً هذه المرة في لبنان و قد وصلنا الى التصفية النهائية فهل سيستفيق أحد من بينهم و ينضم الى إخوته لمواجهة هذا الإنهيار و ذلك الإلغاء بالصمود و تأمين الحد الأدنى من مقومات بقاء المسيحيبن في أرضهم ؟
ربما الأيام وحدها كفيلة بإيضاح كل شيء و ربما فات الأوان و كان ما كان و صار الموارنة مجرد أسطورة من الأساطير تتناقلها الأجيال لتخبر عن نجاحاتهم و إنجازاتهم في الماضي و عن صراعهم المدمر على سلطة فارغة هذا الصراع الذي قضى على وجودهم الحر في هذه البقعة من العالم بنهاية المطاف بعد مئات السنين من المقاومة و الصمود و التضحية !!!
يا مسيحيي لبنان عندما تتلاقون في الحياة الأبدية بالآباء المؤسسين سيسألونكم عن الوزنات و ماذا فعلتم بها ؟ هل زادت أم فرطتم بكل شيء ؟؟ عندها فقط ستعجزون عن الإجابة ووقتها سيلعنكم الآباء و الأجداد و ستلاحقكم لعنتهم حتى قيام الساعة !!!