وطن تغادره أجيال الغد  ... لا مستقبل له
وطن تغادره أجيال الغد ... لا مستقبل له Posted on Sunday, April 10, 2022

كتب المقال : شربل نوح
charbelnouh@mail.sadalarz.com
Thursday, April 21, 2022
لو بحثنا في تاريخ الشعوب لوجدنا أن اللبنانيبن كانوا و مازلوا من أكثر الشعوب التي صدّرت طاقات و أدمغة الى الخارج و لأدركنا بسرعة حجم الكارثة التي خلّفها ذلك خاصة في أزمنة الشدائد و الأزمات .

ربما هو أمر طبيعي أن تشهد كل البلدان هجرة الى الخارج خاصة دول العالم الثالث كلبنان فالطبيعة البشرية تكره الجمود و تدفع الناس و بشكل خاص الأجيال الجديدة للبحث عن فرص في أي مكان لتحقيق ذاتها لكن ما شهده لبنان أقله منذ بداية الحرب الأهلية حتى اليوم كان مختلفا .

ما شهده لبنان كان نزيفا كبيراً أوصله الى شبه إفلاس من الطاقات البشرية التي كان من المفترض أن تشكل مستقبلاً الرافعة الأساسية للنهوض .

ما شهده لبنان لم يكن هجرة عادية لطامحين يبحثون عن فرص أكبر لتحقيق أحلامهم في أماكن أفضل … ما شهدناه كان زحفاً جماعيا لكل الطاقات نحو أي خارج و مهما كان هذا الخارج و بأي شروط و فرص هرباً من الجحيم الذي يعيشونه داخل بلدهم .

لو نظر كل واحد منا حوله للحظة لوجد أن قرانا و مدننا فرغت تقريباً من الجيل الجديد و من بقي يبحث عن أي فرصة للخروج و يسعى ورائها بكل ما أوتي من قوة حتى أصبح السفر الطموح الوحيد للشباب اللبناني و هم يحاولون تحقيقه بأي ثمن .

لم يسبق أن تحول وطن الى جامعة كبيرة تخرج طلاباً جاهزين للعمل في أسواق أخرى خارج حدوده و لم يسبق أن تحول مجتمع الى معمل يصنّع الأدمغة و يرسلها مباشرة الى أسواق العالم ليستفيدوا منها بدل أن تخدم بلدها و تستثمر طاقاتها داخله .

لا يظن أحد أن اللبنانيبن المهاجرين و خاصة الجيل الجديد مرتاحون جداً حيث هم و لا يعتقد أحد أن هؤلاء يعيشون بأمان و راحة و اطمئنان … ربما مشاكلنا الكثيرة أغمضت أعيننا عن معاناة جزء من هؤلاء حيث هم و عن المخاطر التي يتعرضون لها و عدم الأمان الذي يشعرون به بعيداً عن أهلهم و بيئتهم و مجتمعهم المباشر .

ماذا نعرف نحن عن الخطر الذي يتعرض له كل يوم ابنائنا في بعض البلدان الإفريقية التي يذهبون اليها بعد تخرجهم بحثا عن لقمة العيش ؟ ماذا نعرف عن التمييز الذي يتعرضون له في دول أخرى نتيجة سياسات بعض الميليشيات عندنا المعادية لتلك الدول ؟ هل تشعرون فعلا بما يتحمله ابنائكم هناك ؟ هل تدركون ما يتحمله هؤلاء الشبان نتيجة الاوضاع السيئة في بلدهم و التي أجبرتهم على القبول بأي فرصة و أي عمل للخروج من لبنان .

هل تدركون أن جزءا كبيرا من أبنائنا لا يعملون باختصاصاتهم في البلدان التي ذهبوا اليها ؟ هل حقا لا تدركون أن ابنائنا يتحملون الكثير بصمت لأن انهيار وطنهم فرض عليهم الرحيل فجأة و دون حسابات أو تفكير ؟

لا تفرحوا كثيراً بتصدير الأدمغة و تفوّق اللبنانيين في الخارج فالأوطان لا تبنيها الا الأجيال الجديدة من  خريجي الجامعات و المعاهد و أصحاب العقول و المبدعين و هؤلاء خسرنا أغلبيتهم الساحقة نتيجة الحروب و الأزمات التي لا تنتهي عندنا و بالتالي علينا الا نتأمل كثيراً بنهوض قريب أو مستقبل زاهر لأن مجتمعنا يتحول تدريجيا الى مجتمع هرِم لا شباب فيه و لا طاقات ما سيؤدي حتماً الى تخلفه رويداً رويداً عن اللحاق بمسيرة التطور و التقدم العالمي و ربما نصل الى الزوال النهائي عن خارطة العالم بنهاية المطاف .

هل تعلمون أنه و في السنوات الخمس الاخيرة هاجر من لبنان أكثر من 450 الف مواطن ؟ هل نعي حقا حجم الكارثة و قوة النزيف الذي نتعرض له ؟ الى متى سيستطيع لبنان الصمود ؟ و من سيبقى هنا بعد أن يفرغ من الأجيال الشابة و كيف له أن يستمر ؟

أسئلة كثيرة ستظل بلا أجوبة طالما من يتحكمون بمصير هذا الوطن الصغير مرتهنون لأجندات سياسية و أيديولوجية لا علاقة لها بمصلحة لبنان و اللبنانيين و حتى تحين ساعة الحلول إن كان من حلول في الأفق ربما لن يتبقى أحد هنا .

نحن مجتمع لم يعرف كيف يحافظ على طاقاته و أجياله الشابة لا بل ربما استغنى عنها بقصد أو بغير قصد و هنا الكارثة الكبرى و سندفع غالياً جداً ثمن ذلك مع الأيام ، فالانهيارات كبيرة و المستقبل أسود مع حكام نرجسيين لا تهمهم سوى مصالحهم الخاصة و تأمين استمراريتهم في السلطة حتى لو تسبب ذلك بضياع كل شيء و زوال لبنان كوطن عن الخارطة .

مجتمع دون أجيال شابة لا مستقبل له و لبنان صدّر مستقبله الى أرض الله الواسعة و غرق في مآسي الماضي و أساطيره و أوهامه فتعثر ووقع و ربما لن تكون له قيامة بعد اليوم .

Copyright © 2023 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top