نظرة واقعية على الاتفاق السعودي-الإيراني و هل يكون لبنان إحدى جوائز الترضية فيه ؟؟
نظرة واقعية على الاتفاق السعودي-الإيراني و هل يكون لبنان إحدى جوائز الترضية فيه ؟؟ Posted on Sunday, April 10, 2022

كتب المقال : شربل نوح ناشر موقع صدى الارز
charbelnouh@mail.sadalarz.com
Thursday, April 21, 2022
لم يكد يعلن عن الاتفاق السعودي الايراني حتى انبرى البعض و بعد ساعات قليلة للكلام و التحليل و استشراف المستقبل و كأن هذا البعض كان جالساً مع المتفاوضين في بكين و استمع الى كل ما قيل بدقة و لم يعد امامه سوى نشر مضمونه و مشاركته مع الناس …

من الطبيعي ان يتناول الجميع اتفاق استراتيجي كهذا الذي ربما يؤسس لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط و لكن و من غير الطبيعي هذا الكم الهائل من الكلام الذي وصل لحد الثرثرة حول اتفاق بقيت تفاصيله حتى هذه اللحظة طي الكتمان و ملك اصحابها فقط فكيف تحصل الاتفاقات و على ماذا تقوم ؟؟

بداية و لنفهم جيداً , الاتفاقات تحصل بين دول او مجموعات متناحرة عندما يصل الصراع بينها الى طريق مسدود و عندما تعجز قوة معينة عن تحقيق الانتصار و فرض ارادتها على الأخرى و هذا بالضبط ما حصل بين السعودية و ايران .

لنشرّح الموضوع اكثر علّنا نفهم اسباب هذا الاتفاق قبل الدخول في تفاصيله التي ما زالت مجهولة حتى الآن و لا يمكن لأي طرف التكهن بها مهما ادعى من معرفة …

أولا بالنسبة للسعودية :

تعيش المملكة أقله منذ ظهور الأمير محمد بن سلمان على الساحة السياسية حالاً من التخبط في العلاقة مع الغرب أو بمعنى ادق مع اليسار المستجد في الولايات المتحدة و جزء كبير من العالم الحر ، هذا التخبط و الخلاف الذي تظهّر الى العلن بشكل كبير بعد انتهاء ثورات الربيع العربي نتيجة رهان هذا اليسار على فوز القوى المتطرفة في البلدان العربية و إبرامه للاتفاقات السرية و العلنية معها لادارة المرحلة المستقبلية  وقتها لا بل مساعدته لها على الفوز احيانا , كل ذلك املا بإبقاء الخلاف الشيعي السني قائماً و تغذيته بأنظمة متطرفة من الجهتين ليستفيد منها لاحقا ضمن استراتيجيته المعروفة بتغذية الصراعات الاتنية و الدينية في المنطقة فكانت النتيجة سقوط الثورات المعتدلة و المحقة ضد الأنظمة القمعية لصالح المتطرفين المدعومين من الغرب الباحث عن تأمين استراتجياته الطويلة الأمد من خلالهم و بالتالي عودة الانظمة القديمة للتحكم بالشعوب و بشكل أقوى مما كان سابقا .

مع هدوء عاصفة الربيع العربي و عودة الانظمة السابقة للتحكم بدولها و اضطرار الغرب للتعاطي معها من جديد رأينا إصرار غريب و غير مسبوق على احياء الحوار النووي مع الجمهورية الاسلامية في ايران بمعزل عن الدول المعنية و التي تعتبر دول حليفة لهذا الغرب تاريخيا في المنطقة العربية لا بل رغما عن ارادتها احيانا و هذا ما دفع تلك الدول و على رأسها المملكة العربية السعودية الى البحث عن خيارات أخرى في هذا العالم تؤمن لها مصالحها بعيداً عن اميركا و الغرب ..

ترافق كل ما يجري مع الصعود السريع للتنين الصيني على الساحة الدولية و تقديم نفسه كقطب مواز للولايات المتحدة يزاحمها على النفوذ و السيطرة في العالم و هنا كانت الفرصة الذهبية للمملكة و حلفاءها لتوجيه ضربة قاسية للغرب المتآمر عليها و محاولة الخروج من عباءته و استظلال العباءة الصينية .

من هذا الواقع بالتحديد يمكن لنا فهم الاتفاق من الناحية السعودية ، فالمملكة و من خلال الاتفاق مع خصمها الرئيسي في المنطقة برعاية صينية ارادت القول للغرب ان هنالك بديل عنه جاهز للتعامل معها و تأمين مصالحها و انه بإمكانها استبدال هذا الغرب بالصين و ارادت ايضا ان تقول للغرب ان بإمكانها التفاوض مباشرة مع ايران و تأمين مصالحها دون المرور بوساطته و بالتالي بامكانها الغاء مفاعيل اي اتفاق مستقبلي بين ايران و الغرب لأن مصالح ايران تبقى اكبر بكثير مع جوارها من مصالحها مع دول جمعتها عداوات تاريخية بها و مسلسل طويل من العقوبات و الصراعات ..

السبب الأهم للإتفاق هو ان المملكة لديها رؤية اقتصادية شاملة للسنوات القادمة و هذه الرؤية تحتاج الى استقرار خاصة امني طويل الأمد لتحقيقها و هو ما لا يمكن أن يحصل دون التوصل الى تهدئة مستدامة مع ايران المتجذرة بمليشياتها في دول المنطقة و أي استقرار لا يمكن ان يحصل الا من خلال تأمين بعض المصالح الاستراتيجية لايران و هذا ما تدركه المملكة جيدا ..

ثانيا بالنسبة لإيران :

تعاني ايران كمّا" كبيرا من المشاكل الداخلية و الخارجية الظاهرة للعيان ابرزها الثورة المندلعة منذ اشهر ضد نظامها و التي لم تخمد حتى الآن و التي يهدد استمرارها بزعزعة الاستقرار الداخلي الهش و المفروض بالقوة منذ قيام الثورة الاسلامية و حتى اليوم ..

ما زاد الطين بلّة هو تعثر اتفاقها مع الغرب حول مشروعها النووي و الأصوات التي انطلقت في الآونة الأخيرة و التي قالت ان ايران اقتربت كثيرا من امتلاك السلاح النووي مع ما يترتب على ذلك من اعمال عسكرية محتملة تطال الجمهورية الإسلامية ربما تكون تداعياتها مدمرة لنظامها ان حصلت في ظل هكذا اوضاع داخلية ..

اضف الى كل ذلك الأحوال الاقتصادية المتدهورة و السيئة التي تعاني منها ايران من انهيار عملتها الى انهيار ادنى مقومات العيش لدى الشعب الايراني نتيجة السنوات الطويلة من العقوبات و اخراج الجمهورية الاسلامية من النظام المالي العالمي .

اذا و باستعراض سريع للأسباب الرئيسية التي دفعت الدولتين لانجاز الاتفاق بينهما و مع الإدراك أن الطرفين عجزا عن حسم أي صراع في المنطقة لمصلحة اي قوة منهما و ادركا ربما و لو متأخراً حجم التلاعب الذي مارسته القوى الغربية بهما من خلال تغذية الصراع السني-الشعي ، ربما هذا ما دفعهما منطقياً للمسارعة الى اللجوء للقوة الدولية الناشئة(الصين) في لحظة انشغال الغرب بمشاكله في اوكرانيا للمساعدة في تطبيع العلاقات بينهما ..

اخيرا في مضمون الاتفاق الغامض بعض الاستشراف الواقعي :

اهم ما في هذا الاتفاق هو سريته و مفاجأة العالم كله به و عدم نشر مضمونه الفعلي أو تناوله بأي شكل من الأشكال حتى اليوم …

كل ما نشر عن هذا الاتفاق هو بيان مقتضب لا يعدو كونه بيانا عاماً تناول امورا سطحية بكلمات جميلة و منمقة لتطرية الأجواء بين الجمهورين المتصارعين منذ سنوات عدا ذلك لم يعرف أحد على ماذا اتفق الطرفان فعلياً …

بالإجمال تقوم الاتفاقات أولا على موازين القوى بين المتصارعين و التي تنتج بالتالي توزيعاً للسيطرة و النفوذ بين تلك القوى على هذا الأساس ..

و بموازين القوى فإن القاصي و الداني يرى تفوقا واضحا للملكة و من خلفها الدول العربية على إيران ، فبالاقتصاد لا مجال للمقارنة بين الطرفين كذلك بالاستقرار الداخلي و النمو الخ … و بالموازين العسكرية هناك تفاوت لا بأس به هذا ان استثنينا الملف النووي الذي بات واضحا ان ايران تستعمله لابتزاز الغرب و استدارجه لتلبية شروطها و الاعتراف بها كقوة اقليمية وازنة و ربما ادركت ايران اليوم ان هذا الدور يمكن لها تأمينه من خلال اتفاقها مع جيرانها و الذين لا يمانعون بدور اقليمي معين لها بدل اللجوء الى الغرب لتحصيله  ..

اذا و بواقعية المكاسب التي حققتها ايران في بعض البلدان العربية يفترض ان يضمن هذا الاتفاق استمراريتها و لو بالحد الادنى و بمشاركة دول أخرى لها على رأسها المملكة قائدة العالم العربي اليوم بدأ" من اليمن مرورا بالعراق وصولا سوريا و ربما الى لبنان لاحقا و الذي لا تأثير يذكر له في المعادلات الكبرى و لا اهتمام عربي به و ربما يكون جائزة ترضية لإيران تعويضا لها عن خسارة بعض النفوذ في اماكن أخرى ….

لن نغوص اكثر في التفاصيل الغير واضحة و هي حتما ستكشف تباعا مع بدء التطبيق الفعلي لكن هذا الاتفاق و ان كتب له النجاح و هو الأمر المشكوك جدا به نتيجة تاريخ ايران الطويل بعدم الالتزام باتفاقاتها اولاً و نتيجة رعايته الصينية التي اخرجت عمليا الولايات المتحدة من المنطقة التي بدورها و حتما لن تقف متفرجة ازاء ذلك و لكن و ان طبق فهو سيصب بالتأكيد في المديين المتوسط و البعيد اولا لمصلحة المملكة و حلفائها بتأمين الحد الأدنى من الاستقرار للانطلاق نحو تنفيذ الرؤى الاقتصادية المستقبلية بهدوء و ثانيا لمصلحة ايران طبعا بالاعتراف بنفوذها في بعض الدول التي سيطرت عليها كسوريا و لبنان الذين ربما يكونان جوائز ترضية يهديهم العرب لإيران و يرفعون عبئ مساعدتهم على النهوض عن كاهلهم ,  الأهم في نتائج الاتفاق بأنه سيكون لمصلحة استقرار الخليج اولا و حلفائه في المنطقة ثانيا و انتقالهم من مرحلة الصراع و الحروب الى مرحلة الاستقرار و التنمية و الانطلاق نحو  المستقبل .

أخيرا هنالك سيناريو سوداوي حول لبنان تناقضه مواقف المملكة السعودية المعلنة حول رفضها انتخاب رئيس ممانع و لكن ربما يصبح واقعيا في مرحلة من المراحل بسبب تأرجح بعض الاطراف السيادية و التغييرية في لبنان .

هذا السيناريو الاسود يفترض ان هنالك خاسر كبير واحد من هذا الاتفاق هو لبنان الذي انسحب منه العرب و لا يريدون العودة اليه , و هذا ما يفسر مصالحتهم مع بشار الأسد رغم كل ما فعله بشعبه و اتفاقهم مع ايران رغم التاريخ الطويل من الصراع معها و امتناعهم عن العودة الى لبنان بنفس الوقت , هم لا يريدون ببساطة العودة الى لبنان لأن لا مصالح استراتيجية لهم فيه و ربما على الأرجح و للأسف ان لبنان سيكون جائزة الترضية الكبرى لإيران مقابل تراجعها في أماكن أخرى أكثر أهمية للنظام العربي الجديد من الوطن الصغير  … عسى ان لا يتحقق ذلك !!

Copyright © 2023 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top