كل مرة نشهد حادثة على صغرها و تفاهتها تُظهِرُ الى العلن ما في قلوب كثر من اللبنانيين من مكنونات محرّم ظهورها بذريعة تلك الكلمة الجهنمية التي يتلطى أغلبنا وراءها و هي "الوحدة الوطنية" .
أولاً و بالتأكيد حادثة كفرقاهل مُدانة بالشكل و المضمون فالإعتداء على القوى الأمنية و هي تقوم بوجباتها بهذا الشكل الوقح غير مقبول أبداً و نثني بالمناسبة على سرعة تعامل تلك القوى ووزارة الداخلية مع هذه الحادثة و توقيف المعتدين و أحالتهم الى المراجع المختصة لأن الأمن هيبة و عندما يفقدها يُستباح كل شيء و نصبح في مكان آخر لا يشبه الدولة بشيء .
و لكن و كي لا نتلطى خلف أصابعنا علينا الاعتراف أن الكلام الذي ظهر الى العلن في الفيديو المسرّب عن تلك الحادثة هو ما يقوله كثر من اللبنانيين في مجالسهم الخاصة لا بل أكثرية اللبنانيين ربما .
نحن في بلد طائفي و كل طائفة تكره الأخرى و تضمر لها ما تضمر دون أن يتجرأ أحد على التصريح بما يضمره للآخر في العلن و بالتالي نحن نعيش صراعاً دائماً للسيطرة من طائفة على أخرى أو على الآخرين جميعاً لأسباب كثيرة منها الأيديولوجي-الديني و منها السياسي-السلطوي و من هنا أتت كل الصراعات و الأزمات التي تعرض لها لبنان منذ تأسيسه و التي كانت بغالبها وجودية مصيرية لكثر من مواطنيه و للكيان بذاته أحياناً .
من من لا يعرف ما يدور من أحاديث في الغرف المغلقة عند أغلب أهلنا السنة عن الظلم الذي يتعرض له أبناؤهم و الكيل بمكيالين في أمور معينة تتعلق بهم و بالآخرين خاصة في مواضيع التوقيفات التي يعتبرونها استنسابية و طائفية و ظالمة بحق ابنائهم ؟
من منا لم يسمع كثراً من مسيحيي لبنان يقولون في مجالسهم بأنهم لم يعودوا يجدون فائدة من التعايش مع الآخرين و أنهم أخطأوا بإنشاء لبنان الكبير و كان عليهم بالتالي البقاء في كيانهم التاريخي و إقامة دولة ذات طابع مسيحي فيه عندما سنحت لهم الفرصة و من منا لم يسمع كثراً من المسيحيين يطالبون ( سراً حتى الآن بالإنفصال و التقسيم) ؟
من منا لم يشعر بمنسوب القوة الذي يحسّ به الشيعة اليوم و الذي يظهرونه علناً أحياناً كثيرة لكنهم بنفس الوقت لا يتجرأون على القول مباشرة أنهم يطمحون للسيطرة على كل شيء و على الجميع في لبنان ؟؟ من منا لم يسمع أقله شيعيا واحداً يتكلم بهذا المنحى و يفاخر بقوة طائفته و تفوقها على الآخرين و بالتالي يطالب بمكاسب أكثر في الدولة و السلطة ؟؟؟
من منا لا يشعر بخوف الدروز الدائم من محيطهم مهما كان هذا المحيط و محاولتهم التأقلم مع الأوضاع بتقلباتهم الدائمة لاعتقادهم أن هذه السياسة تحمي خصوصيتهم و حضورهم في لبنان و الشرق ؟؟
الى متى سنستمر بالمرواغة و الكذب ؟؟؟ الى متى سنخفي علّتنا الحقيقية ؟؟ لقد استفحلت أمراضنا و أدخلت وطننا المتعب الى غرفة الإنعاش بعد أن عالجناه بأدوية خاطئة نتيجة تشخيصاتنا السطحية و التي نتجت عن مكابرتنا و عدم اعترافنا بحقيقة العلل التي يعاني منها؟؟
الى متى سننتظر ؟؟ هل سننتظر حتى يموت المريض لنعمل على علاجه ؟؟ وقتها لن يعود علاج ينفع و لا اعتراف بحقيقة مشكلة و مرض لأن صاحب العلّة يكون قد فارق الحياة و انتهى .
كفى تصنّعاً و ادعاءات زائفة … ما ورد في فيديو كفرقاهل هو حقيقة أغلبنا فتجرأوا و قولوا الحقيقة مهما كانت صعبة قبل فوات الأوان علّنا ننقذ القليل المتبقي من لبنان المشلّع على أمل النهوض من جديد و الا فالموت هو المصير الحتمي لنا و لوطننا .. فلنتعظ قبل فوات الأوان .