الرئيس السابق ميشال عون … الى استراحة العمر و حكم الله و التاريخ .
الرئيس السابق ميشال عون … الى استراحة العمر و حكم الله و التاريخ . Posted on Sunday, April 10, 2022

كتب المقال : شربل نوح
charbelnouh@mail.sadalarz.com
Thursday, April 21, 2022
بداية نحن من الأشخاص الذين لم يهاجموا العماد عون أي مرة طيلة ست سنوات من فترة ترؤسه للجمهورية ضنّاً بهذا الموقع و خوفا على القليل المتبقي لمجتمعنا في هذه الدولة المتهالكة … أما الآن و قد خرج من الرئاسة و عاد سياسياً كباقي السياسيين فسنقول ما سكتنا عنه في الفترة السابقة طبعاً ضمن احترام الأصول و اللياقات و دون إسفاف و ابتذال.

لم يستطع أحد في تاريخ الموارنة و المسيحيين اللبنانيين التحكّم بمشاعر فئة كبيرة من البسطاء و الطيبين من بينهم و تجييرها لأهدافه الخاصة كما فعل العماد ميشال عون … و لم يسيطر أحد على هؤلاء كهذا الرجل و لم يتمكن أحد من توجيههم و نقلهم من جبهة الى أخرى مناقضة و هم صاغرون كما فعل هو .

بدأ ميشال عون مشواره عندما كان ضابطاً برتبة صغيرة في الجيش وقتها تعاون مع بشير الجميل و القوات اللبنانية بدور صغير و محدود كما يُروى في المشروع الذي أوصل بشير الى الرئاسة الأولى في لبنان .

لم يكن أحد مدركاً لنوايا الرجل و خلفياته و ارتباطاته التي ربما ما زالت مخفية عن السواد الأعظم من الجمهور حتى اليوم و ربما ستكشفها الأيام أو ستظل من الألغاز التي لا تكشف أبداً .

تسلل هذا الرجل بهدوء الى قلب المقاومة اللبنانية ليصبح واحداً من الذين علموا الكثير من الخبايا و الأسرار داخل تلك المقاومة بسبب قربه من قياداتها و تقديمه بعض الخدمات لهم كانوا بحاجة اليها وقتها .

شكوك كثيرة أحاطت بمسيرته أكّدتها حروبه العبثية التي لم يستفد منها سوى طرف واحد هو الخصم التاريخي لمسيحيي لبنان (نظام الأسد) ثم لاحقاً عند عودته الى لبنان و تسلقه درج السلطة حتى وصوله الى سدة الحكم الأولى و منحهم ما لم يعطه أحد لهم .

ربما ظاهرة ميشال عون بحاجة الى الكثير  من الوقت لفهم حقيقتها و فهم كيفية تحكُّمه بعقول كثر من مسيحيي لبنان و ربما لن يُكشف النقاب عن خلفياتها و المتحكمين الفعليين بها و محركيها في أي يوم من الأيام لكن الثابت الوحيد أن عون إما خدم هؤلاء دون قصد و بتهور و قلّة إدراك أو خدمهم عمداً لأهداف لا نعلمها نحن أو ربما كان بالأساس متعاونا معهم و أُدخِل الى حياة الموارنة السياسية بسلاسة و حنكة فحققوا من خلاله ما عجزوا عن تحقيقه بطريقة أخرى … نحن لا ندّعي علمنا بالحقيقة بالتأكيد و لا نتهمه بشيء لا سمح الله ... هي مجرد شكوك مشروعة نتيجة مسيرة هذا الرجل السياسية و النتائج الكارثية التي أوصل مجتمعه ووطنه إليها بنهاية المطاف .

فلنعدد معاً مآثره منذ توليه مناصب فاعلة و أساسية مكّنته من اتخاذ قرارات أثرت على حياتنا جميعاً ليفهم القراء أسباب شكوكنا و مبرراتها .

سنبدأ من الظروف التي دفعت لإيصاله الى الحكم تجنبا للفراغ نتيجة العجز عن انتخاب خلف للرئيس أمين الجميل و نتيجة تبدّل المشهد في لبنان و تحول الأسد الى اللاعب الأقوى في السياسة اللبنانية هو الذي خيّر المسيحيين وقتها بين رئيس تابع له كلياً أو الفوضى فاختاروا ميشال عون على مضض لتأمين انتقال سلس للسلطة و تجنب الفراغ القاتل .

بالأساس تم تعيبن عون و المجلس العسكري لمهمة محددة في الوقت و المضمون و هي تأمين انتخاب رئيس للجمهورية و تسليمه السلطة مباشرة بعد ذلك لكن ما حصل كان العكس و كانت نتائجه مدمرة .

تشبث عون بالسلطة و عملت ماكينته الإعلامية في تلك الأيام على ضخ الشعارات الكبرى داخل المجتمع و  التي تفوق بكثير قدرات المناطق الحرة و أمكاناتها فشهدنا موجة شعبوية عاطفية غوغائية لم يعرف المسيحيون مثيلاً لها في تاريخهم .

قال لهم أنه سيحرر لبنان و هو مدرك للواقع و موازين القوى و يعرف أنه لا بستطيع ذلك و عندما فشل استغل تململ البعض من المقاومة بسبب كلفة الحرب الطويلة و الباهظة و الأحقاد و المصالح الشخصية للبعض الآخر ليطلق حملته الشرسة على القوات اللبنانية التي انتهت بمذبحة حرب الإلغاء و بكسر ظهر المسيحيين و تدمير منطقتهم الحرة و انتهت الى إجبارهم على الرضوخ لشروط الآخرين و القبول بها للحفاظ على ما تبقى لهم من حضور في هذا البلد فكان الطائف .

ذلك الإتفاق الذي صنعه بالأساس ميشال عون عندما أعطى موافقته المبدئية للجنة العربية للحل ( السداسية في تونس) للبدء بإجراء حوار حول الصيغة و النظام تلك اللجنة التي أسست أصلاً لاتفاق الطائف و من هنا كثر يعتبرون أن هذا الرجل يتحمل مسؤولية ما وصل المسيحيون اليه أولاً بتدمير المتاطق الحرة من خلال حروبه و إضعافها و تالياً من خلال فرض اتفاقات الأمر الواقع عليهم التي كان هو أول من وافق عليها ثم عاد و انقلب عندما أدرك أنها لن توصله الى حلمه المزمن برئاسة الجمهورية أو لأسباب أخرى غير معروفة .

بعد الطائف كانت مرحلة جديدة سوداء قاتمة سقطت فيها كل المحرمات و الخطوط الحمراء التي نشأت أقله منذ العام ٧٥ فاجتاح جيش الأسد المناطق الحرة و اقتحمها بالقوة و تكرّست الهزيمة العسكرية الفعلية للمسيحيبن في لبنان و بدأت سياسة الغالب و المغلوب تلك السياسة التي استمرت حتى ثورة الارز و ما زالت تبعاتها حية في عقول البعض حتى يومنا هذا .

في الزمن الأسود ( مرحلة السيطرة السورية المطلقة على لبنان ١٩٩٠ - ٢٠٠٥ ) انتقم الأسد من مسيحيي لبنان فقمعهم و أخرجهم من السلطة و حاول الغاء قياداتهم و أي أمل بقيامتهم من جديد و لأنه يدرك أن القلب المقاوم و العصب الحقيقي لذلك المجتمع هي القوات اللبنانية ضربها كما لم يضرب أحد فاعتقل قائدها و فكك بنيتها و هجر و اعتقل محازبيها الذين قُتل بعضهم تحت التعذيب في المعتقلات أو بظروف غامضة أخرى .

نكلوا أيضاً بالعونيبن تنكيلا محدوداً لحفظ ماء الوجه فهم يدركون بالعمق أن تلك الحركة غير مؤثرة فعلياً و يمكن ترويضها في الوقت المناسب كما عادوا و فعلوا لاحقاً فزعيمهم وقتها كان يتنعم بمنفاه الباريسي المريح و يستقبل مسؤولين كثر على علاقة بالنظام السوري كما ذكر أكثر من حليف للأسد و أكثر من مقرب من عون نفسه و يفاوضهم و يناقشهم طيلة تلك السنوات حتى تمت الصفقة عام ٢٠٠٥ .

كانت ال ٢٠٠٥ سنة التحولات الكبرى في لبنان و انقلاب الصورة بشكل جذري و دراماتيكي لصالح القوى السيادية اللبنانية خاصة قوى اليمين اللبنانية ( قوى الجبهة اللبنانية) و حلفائها الجدد بعد استشهاد الزعيم السني التاريخي رفيق الحريري و تحميل سنة لبنان الأسد مسؤولية اغتياله .

المفارقة أن التيار العوني حيّد نفسه و بقي خارج ذلك الإجماع السيادي العام بحجج واهية كان يمكن تخطيها بحوارات جانبية و تغييرها لاحقاً بموازين القوى الفعلية على الأرض فماذا حصل و ما الذي تكشَّف لاحقا ؟

بحجة الاتفاق الرباعي خرج ميشال عون من ١٤ آذار و بحجة تكتل الطوائف الأخرى ضد المسيحيين أخذ هؤلاء الى خيارات مناقضة لكل تاريخهم و قناعاتهم و مسيرتهم …ربما أخطأ من أقاموا التحالف الرباعي و ربما خافوا من عودة المارونية السياسية القديمة فقاموا بذلك الاتفاق لكن ما تكشّف بعدها جعلنا ندرك أن عون بالرباعي و من دونه كان سيخرج من الخيار السيادي و يلتحق بالمحور السوري .

ما عرفناه و قرأناه عن صفقة عودته المريبة الى لبنان على ألسنة كثر ممن ساهموا بها أوضح لنا الصورة بشكل لا لبس فيه و إلا ما الذي يدفع ميشال عون الى إجراء صفقة كهذه مع من يفترض أن يكونوا أخصاما له و هو المنتصر وقتها بالقرارات الدولية و بقوة الأمر الواقع ؟ كان باستطاعته ببساطة العودة الى لبنان دون أي اتفاق مع أحد خاصة أنهم كانوا في أواخر أيامهم و يحزمون حقائب المغادرة !!! اتفاقه معهم هو ما أثار الريبة و أيقظ في عقول الناس كل الشكوك .

لو اعتبر عون نفسه بالفعل أساس الخيار السيادي كان باستطاعته البقاء في ١٤ آذار و ربما إخراج الآخرين منها لكنه فعل العكس فأخرج نفسه و ذهب أبعد من ذلك بكثير بانقلابه على كل خياراته التاريخية و الارتماء كليا في أحضان أخصام الخيار السيادي في لبنان .

من يستطيع أن يفسر لنا ما فعله هذا الرجل ؟ من يستطيع أن يقول لنا كيف انتقل من ضفة الى أخرى معاكسة و كيف استطاع نقل جزء لا يستهان به من مسيحيي لبنان معه الى تلك الضفة التي صُنِّفت طويلا على انها خصمهم التاريخي ؟

ظنّ البعض أن حلم عون بالوصول الى الرئاسة هو من دفعه الى كل تلك السياسات المتناقضة و المتقلبة و استسلموا للأمر الواقع و سلموا بحتمية وصوله الى ذلك الموقع الذي وصل اليه فعلاً عام ٢٠١٦ فدخل الى قصر بعبدا دخول القاتحين لكن ما جرى في فترة ولايته زاد شكوك الجميع و خيّب آمال من انتظروه و صدم حتى الدّ أخصامه .

لقد اعتبر الناس أن تحقيق حلمه بالرئاسة سيعيده الى خياراته الأصلية و كانوا مخطئين و يعتبر كثر أن ما حصل خلال ولايته كشف أن ارتباطات هذا الرجل أبعد بكثير من الرئاسة و ما وصوله اليها سوى الوسيلة لتسليم الشرعية المطلقة الى المحور المناهض للسيادة اللبنانية و هذا ما جرى فعلاً في السنوات الست المنصرمة .

قبل ميشال كانت بعبدا خاصة بعد ثورة الارز إما محيّدة و إما مميِّزة لنفسها عن سياسات حزب الله كما حصل زمن الرئيس سليمان و لم تندمج كليا بهم ما ترك خطوط التواصل مفتوحة مع البلدان الصديقة تاريخيا للبنان كالخليج العربي و دول الغرب فلم نسقط في المحظور .

وحده الرئيس عون دمج الرئاسة و الدولة و الشرعية و كل شيء بالدويلة و وحده أعاد لهم ما أخذه اللبنانيون منهم عنوة زمن ثورة الأرز فصارت الدولة تابعة كلياً  للدويلة يتخذون القرارات عنها و باسمها الأمر الذي أدخلنا في قلب الصراع الإقليمي المستعر و جعلنا طرفاً ما دمّر علاقاتنا بالدول التي ساهمت أصلاً بإبقاء لبنان على الخارطة رغم الويلات التي عصفت به .

لا لبنان لم يحاصر … لبنان كان طرفاً و بشكل فاقع في الصراع الفارسي-العربي الأمر الذي نتجت عنه كل التداعيات المدمرة الحاصلة لاحقاً في وطن الارز .

كيف لدولة أن تغطي بشكل كلي تصرفات ميليشيا  داخلها تتعاطى بشؤون المنطقة و تدخل في كل الصراعات العسكرية و السياسية فيها؟ كيف لنا أن ندعم حرب اليمن و ندخل الى قلب الصراع السوري و نتدخل في العراق و غيرهم ضد المملكة العربية السعودية و نعود لاحقاً لنطلب دعمها و مساعدتها ؟؟

قبل ميشال عون بقي خيط رفيع بين الشرعية و المحور .. معه أصبحت الدولة هي المحور فلم نترك خياراً لأصدقائنا في العالم للتمييز بين الصالح و الطالح عندنا لذا أداروا ظهورهم و سحبوا دعمهم فحلت الكارثة و كان الإنهيار الكبير .

لا لم يكن الانهيار في لبنان بسبب بعض فساد أو نتج عن أزمة نظام !!! الانهيار و بالأساس نتج عن خياراتنا السياسة و تموضعنا في المحاور المعادية لعمقنا العربي و امتدادنا الطبيعي و كل من يقول غير ذلك هو مرواغ .

لماذا لم يحصل هذا الانهيار في الازمنة التي تماهينا فيها مع محيطنا ؟ حتى زمن الاحتلال السوري أبقى الاسد على علاقاتنا مع الخليج و أعطاهم بعض نفوذ لأنه فهم تداعيات خلافنا معهم على الوضع اللبناني … حصل الانهيار فقط عندما اصطفّت الدولة خلف ايران زمن الرئيس عون في مواجهتها مع العرب و من هنا تولدت كل أزماتنا و لن تكون لنا قيامة طالما نتموضع هناك .

نحن لا نحاكم ميشال عون و لا نسمح لأنفسنا بذلك أصلاً جلّ ما فعلناه هو توصيف مرحلة و تصرفات شخص أثبتت الوقائع أنها كانت مدمرة لمجتمعنا ووطننا بانتظار حكم الله و التاريخ بنهاية المطاف

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top