للمستغربين و المصدومين من تعبهم و مطالبتهم بالفدرالية .. قصة المسيحيين مع لبنان من  التأسيس والصيغة الى الفدرلة
للمستغربين و المصدومين من تعبهم و مطالبتهم بالفدرالية .. قصة المسيحيين مع لبنان من التأسيس والصيغة الى الفدرلة Posted on Sunday, April 10, 2022

كتب المقال : شربل نوح ناشر موقع صدى الارز
charbelnouh@mail.sadalarz.com
Thursday, April 21, 2022
عند كل موقف يطلقه أحد قادة الرأي المسيحيين يتضمن تلميحاً حول البحث عن صيغة بديلة للصيغة المهترئة التي نعيش في ظلها ينبري كثر من زعماء و شخصيات الطوائف الأخرى لإعطاء دروس "الوطنية" لهؤلاء و وعظهم و تعليمهم أصول العيش المشترك !!!

فلنتكلم بصراحة مطلقة و دون تعصّب أو رفض أعمى للآخر و لنجري بعض المقارنات لنفهم بعمق لماذا وصل مسيحيو لبنان الى هذه الدرجة من القرف و اليأس ؟

أولاً كلنا يدرك حتى لو رفضنا الإعتراف بذلك أن الأغلبية الساحقة الماحقة من مسيحيي لبنان تتكلم في غرفها المغلقة عن الفدرالية و ربما أكثر من ذلك و هم يعتبرون أن لبنان الكبير كان غلطتهم الكبرى و أنهم بالتالي يدفعون ثمنها اليوم و يعتبرون أيضا أنه كان على آبائهم المؤسسين البقاء في كيانهم القديم (جبل لبنان التاريخي) بدل توسعته كما حصل عند إعلان لبنان الكبير فلماذا وصل المسيحيون الى هذه الحالة  الرافضة لأي إمكانية للتعايش مع الآخرين في لبنان ؟؟

لنفهم حالة هؤلاء علينا العودة قليلاً الى الوراء و تحديداً لمرحلة إنشائهم هذا الكيان و ضم بعض مناطق البقاع و مدن الساحل اليه … عندها حاول المسيحيون و الموارنة تحديداً من خلال هذا الضم تأمين بعض الموارد الإقتصادية لكيانهم المستجد من خلال سهلي البقاع و عكار و الاستفادة من امكانيات بعض المدن الكبرى و لم ينظروا الى أي بعدٍ آخر فهُم حسبوا أنهم سيبنون دولة مدنية حضارية تضمن حقوق كل المجموعات داخلها و هذا ما فعلوه لاحقاً لذا لا مبرر لأي مشاكل مستقبلية .

صدمتهم الأولى كانت بسلسلة مؤتمرات الساحل تلك المؤتمرات التي عبرّت بشكل واضح و صريح عن رفض الطوائف الإسلامية بشكل عام لهذا الكيان الوليد و بالتالي رفض أي شكل من أشكال التعايش مع الآخر و هي كانت الإشارة الأولى التي لم يتلقفها موارنة لبنان خاصة و مسيحيوه عامة لما ينتظر هذا الكيان الوليد من تعقيدات و أزمات ستدمره مستقبلاً و تهدم سقفه على رؤوس من فيه .

إذاً من مؤتمرات الساحل كانت الشرارة الأولى المعبِّرة عن حقيقة انتماء أغلب مسلمي لبنان للأمة الكبرى التي لا تعترف بحدود و أوطان و هذا حقّهم فهم بالعمق أبناء هذا الفكر و تلك العقيدة و لا مجال لمناقشتهم في إيمانهم أو تغيير قناعاتهم و نظرتهم التاريخية و الأهم التزاماتهم تجاه شريعتهم الدينية و انسجامهم معها .. ذلك العمق الفكري العقائدي الديني لمؤتمرات الساحل هو ما لم يفهمه المسيحيون وقتها أو تجاهلوه بغباء أقله .

كل ما حدث بعدها من ثورة ١٩٥٨ و المدّ الناصري الى منظمة التحرير و الحرب الأهلية و مشكلة الصلاحيات و الشراكة بالنظام و التحالف مع كل القوى الغريبة لمحاولة اقتلاع مسيحيي لبنان وُلد هناك في مؤتمرات الساحل … فلو فهم الموارنة وقتها عمق تلك المؤتمرات و حق المسلمين بعدم الانتماء لوطن يناقض قناعاتهم و مفاهيمهم و عقيدتهم الدينية و حقهم المشروع بتقرير مصيرهم لربما جنبوا أنفسهم و كيانهم كل الويلات و الأزمات التي حصلت لاحقاً لكنهم و بدل التعامل بمنطق و تواضع مع تلك المؤتمرات و نتائجها فرضوا لبناننهم على الآخرين بعدما شعروا بمنسوب معين من القوة و التفوق أعطتهم إياه علاقاتهم التاريخية مع فرنسا المنتصرة في الحرب العالمية وقتها و القادرة على فرض ارادتها عند إعادة رسم جغرافية المنطقة .

لقد تعامل المسيحيون مع الكيان اللبناني عند انشاءه بمنطق الضيعة و الزاروب و العقلية العواطفية المغالية في كل شيء التي نمتاز بها نحن أهل الجبال و التي تلغي العقل و لا تترك مكاناً للتخطيط العلمي و التفكير السليم .

هنا كان خطأ المسيحيين الأساسي و من هذه النقطة تحديداً بدأت معاناتهم المستمرة حتى اليوم و من هنا أيضا و أيضا تولّد قرفهم الناتج عن صدمتهم بما حصل .

المسيحيون اليوم يُجرون مقارنة بين لبنان الذي بنوه على صورتهم و الذي أمّن الحريات و الحقوق الأساسية لكل مجموعاته بعكس الدول المحيطة … ذلك الوطن  الذي حولوه و بسرعة قياسية بمساعدة انتشارهم الهائل في العالم و استثماراتهم في الخارج و علاقاتهم بالنظام الإقتصادي العالمي الناشئ وقتها و قوة كنيستهم و امتلاكها لمساحات واسعة من الأراضي الى واحد من أهم بلدان العالم رغم صغر مساحته و عدم توافر الإمكانيات الإقتصادية الفعلية لذلك فجذبوا الإستثمارات اليه من الشرق و الغرب و جعلوه مركزاً إقليمياً و مقراً تنطلق منه أهم المؤسسات العالمية نحو المنطقة العربية .. هم يجرون تلك المقارنة اذا بين أحوال لبنان في زمنهم و أزمنة من حكموه بعدهم و ما وصل اليه اليوم من انهيار و خراب .

يتساءلون و يقارنون :

يتساءلون عما أراده مسلموا لبنان أكثر من ذلك و يقارنون بين لبنان المزدهر الناجح و المتميز في عهدهم ( زمن المارونية السياسية ) و بين لبنان المنهار المدمر غير القادر على النهوض و التأثير في عهود غيرهم و يستغربون لماذا لا يعترف الآخرون بإنجازاتهم رغم تجارب هؤلاء الفاشلة جداً في إدارة الكيان اللبناني .

لن يعترف أحد بإنجازاتكم و لن يعطيكم أحد هذا الشرف و بالطبع لن يعترفوا بفشلهم الظاهر للقاصي و الداني و المتمثل بأحوال لبنان هذا الأيام … لن يعترفوا بذلك لسبب بسيط و هو أنهم رفضوا بالأساس هذا الكيان و أنتم فرضتموه عليهم و لم تراعوا واقعهم و عقيدتهم المناقضة لمشروعكم .

اليوم يتحدث المسيحيون عن كل هذا بخفر و تعلو الأصوات رويداً رويداً بينهم لأنهم أدركوا خطأهم التاريخي و فهموا بأنه لم يكن يحق لهم فرض كيانهم على الآخرين و بالتالي هم يريدون العودة الى جبل لبنان التاريخي فلما تنبري قيادات الطوائف الأخرى الى تخوينهم في كل مرة يطرحون بالصوت العالي ما يقولونه بالسر في مجالسهم؟؟

الحقيقة أنه و منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية و هزيمة المسيحيين فيها تحوَّل هؤلاء الى محفظة تستفيد منها فئات أخرى كثيرة و هي استفادت فعلا من هذا الواقع و لو بطريقة غير مباشرة لسنوات طويلة منذ ما بعد الطائف و حتى اليوم فكيف حصل ما حصل ؟؟

و كأنها جزية مقنعة يدفعها أهل الذمة لحكام دولة يعيشون فيها !!! من منا مثلاً لا يعرف أن كل الدراسات و الإحصاءات منذ التسعينات و حتى اليوم تشير الىى تحمُّل المناطق المسيحية وحدها عبئ حوالي السبعين بالمئة من الفاتورة الضريبية في لبنان أي بمعنى آخر المسيحيون يدفعون الكهرباء مثلاً و مناطق أخرى تستفيد منها مجاناً و هكذا دواليك !!! مَن من الللبنانيين لا يدرك حقيقة أن المناطق المسيحية هي أكثر مناطق لبنان التزاماً بالقانون و النظام من ضبط السير الى ضريبة الدخل و ما بينهما ؟

الحقيقة أن بعض الآخرين يرفضون الفدرالية من هذا المنطلق فمسيحيي لبنان هم الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة اليهم و هي تدفع الجزية للآخرين بطريقة غير مباشرة نتيجة خسارتها للحرب و الا كيف يفسر لنا من رفضوا الكيان اللبناني تاريخياً تشددهم اليوم و عدم قبلوهم بالعودة الى الوضع السابق الذي طالبوا فيه هم أصلاً و أقاموا الحروب و الثورات من أجله .

على الجميع في لبنان الإدراك أن المسيحيين ينتابهم شعور متضارب بين القرف و الخيبة من كل شيء فهم رأوا الآخرين يدمرون كل ما هو جميل في لبنانهم و هم رأوا الآخرين أيضاً يحرقون بخفّة الكيان المتقدم و الناجح الذي بنوه أمام أعينهم دون أي سبب منطقي فكيف تريدون لهم أن يفكروا ؟؟

لا تلوموا المسيحيبن بل راجعوا أنفسكم و لوموا أنفسكم لأنكم دفعتموهم بالقوة الى الندم على انشائهم كيان أرادوا التشارك به مع الآخرين بطيبة و حسن نية فحولهم هؤلاء الى أهل ذمة داخله بقصد أو دون قصد لا فرق .

من يريد أن يبقي على لبنان الواحد عليه أولاً الكف عن محاربة دولة المسيحيبن العميقة من المصارف و المدارس و الإرساليات و غيرها و عليه ثانياً أن يتوقف عن محاولة تغيير وجه لبنان و هويته و دوره و عليه ثالثاً أن يوقف سياسة الكيل بمكيالين و الصيف و الشتاء تحت سقف واحد و عليه أخيراً أن يسلّم القوى المسيحية الليبرالية و حلفائها في الطوائف الأخرى زمام المبادرة ليعيدوه الى مصافي الدول المتقدمة لأن تجربتهم كانت الأنجح أمام فشل كل التجارب الأخرى و الا سيقولون لكم فليذهب كل واحد منا بطريقه و لتبنوا دولتكم و نبني دولنا و لنرى من يتفوق على الآخر بنهاية المطاف .

(الكلام الوارد في هذا المقال ليس موجهاً ضد فئة معينة و هو لا يهاجم أحداً بالمعنى السلبي للكلمة لا سمح الله انما يطرح إشكالية موجودة في لبنان للنقاش و التحليل )

Copyright © 2023 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top