ربما لم يشهد وطن في تاريخ الأمم هذا العدد الضخم من عمليات الإغتيال الممنهج لقادة رأي و سياسيين و مفكرين و ابرياء كلبنان و ربما لن نرى يوماً إجراماً مماثلاً في أي مكان آخر من هذه الدنيا .
منذ البدء عند انشاء الكيان و الإستقلال كانت عمليات الإرهاب الدموي فقتل المفكرون و القادة بدم بارد لا لذنب سوى اختلافهم بالرأي مع المجرمين .. من اغتيال الرئيس الصلح مرورا بسليم اللوزي و رياض طه و نسيب المتني و المفتي حسن خالد و كمال جنبلاط و بشير الجميل وصولاً الى سمير قصير و جبران تويني و كل شهداء ثورة الارز الأبرياء الأنقياء القاتل واحد و لو بتسميات مختلفة حسب الظروف و الأيام .
القاتل واحد لأن فكراً واحداً جمع هؤلاء هو فكر الغاء الآخر المختلف و شطبه من المعادلات بأبشع الطرق و هي القتل الجسدي ، فمن قتل الرئيس رياض الصلح لا يختلف كثيراً عمن اغتال كل الباقين .. هو شمولي الغائي مجرم يلجأ الى العنف و الاغتيال لأنه جبان لا يملك القدرة على مجابهة الآخرين بالحجة و المنطق .
لن نغوص كثيراً في الماضي و سنتركه لمحكمة الله و التاريخ انما سنعود قليلاً الى مرحلة ثورة الارز و ما أعقبها من إجرام و همجية بحق الأبرياء و أهل الفكر و الرأي لنضع عملية اغتيال العنصر الأممي البريء في سياقها الطبيعي و المنطقي .
في ثورة الارز انتفض لبنانيون من مختلف الطوائف و المذاهب ضد نظام شمولي احتل لبنان لسنوات طويلة و عاث فيه خراباً و تدميراً و ارهاباً و قتلاً .
انتفضوا عندما اتت اللحظة التي مكنتهم من تثمير تلك الانتفاضة و تحقيق المكاسب فربحوا و أخرجوا المحتل الذي رحل مهزوماً ذليلاً من أرضهم لكنه و بالرغم هزيمته و مغادرته لبنان ترك شياطينه خلفه .
على من يريد أن يفهم لماذا قتل اليوم ذلك الشاب الأيرلندي البريء أن يدرك أن سكوت العالم عن كل الإجرام و التصفيات التي حصلت في لبنان و ترك المجرم حراً طليقاً بلا عقاب أوصل الى هذه الجريمة و ربما سيوصل لجرائم أفظع مع الأيام .
إن عملية اغتيال الجندي الأيرلندي لم تبدأ لحظة تنفيذها هي بدأت مع تفجير مروان حمادة و قتل رفيق الحريري و بيار الجميل و قافلة الشهداء الكبيرة التي راحت ضحية نفس الشموليين الإرهابيين و القتلة .
إن اغتيال الجندي الأيرلندي البريء بدأ عند اغتيال الطيار اللبناني الشاب سامر حنا و ترك الغموض يلف الجريمة و بالتالي القتلة بلا عقاب .
إن اغتيال الجندي الأيرلندي البريء بدأ عند تفجير اللواء وسام الحسن و تفتيت جسده بدم بارد دون أن نعرف حتى اليوم حقيقة مقتله و المتورطين في تلك الجريمة الشنيعة .
إن اغتيال الجندي البريء بدأ بانفجار المرفأ و صمت العالم المدوي بعد الكارثة حماية لمجرمين تورطوا بإحراق بيروت و ذبح أهلها دون أن يرفّ لهم جفن .
إن قتل الجندي الأيرلندي البريء بدأ عندما أُفرغت المحكمة الدولية عمداً من مضمونها فخذلت الضحايا و أهلهم و خيبت آمال أغلب اللبنانيين الذين راهنوا كثيراً عليها .
إن قتل هذا الشاب البريء هو النتيجة المباشرة لعدم محاسبة المجرمين المعلومين-المجهولين و تركهم يسرحون و يمرحون و يعيثون في لبنان خراباً و تدميراً على مرأى من العالم كله و وبما بغطاء ضمني من هذا العالم نفسه .
هناك بدأ التخطيط لقتل الجميع و هناك بدأت هذه الجريمة و كل جريمة أخرى و لن يتوقف هذا المسلسل إن لم يحاول ما يسمى بالعالم الحر مساعدة اللبنانيبن على كشف القتلة و تسميتهم علنا و تقديمهم للمحاكم لوضع حدٍّ لفجورهم و تماديهم و إرهابهم .
المجرم الحر و الذي يدرك أنه لن يحاسب يتمادى أكثر يوماً بعد يوم و يتصاعد البخار في رأسه رويداً رويداً حتى يبلغ منسوباً عالياً جداً من الهوس و جنون العظمة و ها هي واحدة من نتائج هذا التمادي تتجلى بجريمة قتل جندي اليونيفيل البريء قبل عيد الميلاد بأيام و إرساله جثة هامدة الى ذويه في بلاده و ربما الآتي أعظم ، فهل ستساعدون اللبنانيبن الأحرار هذه المرة للتخلص من منظومة القتل التي أغرقهم الإرهابيون فيها أم ستقفون كعادتكم متفرجين تصدرون بيانات الإدانة الفارغة و تعودون الى الاعيبكم و صفقاتكم الصغيرة مع القتلة بعد أن يبرد الجرح ؟