لطالما تميز لبنان عن سائر الدول المحيطة بتلك المساحة الكبرى من الحرية و التي انعكست بشكل مباشر على مختلف نواحي الحياة فيه خاصة على وسائل إعلامه فتصدرت المشهد في العالم العربي و كانت العلامة الفارقة في إعلام المنطقة و أعطت لبنان هويته المعروفة كوطن للكلمة الحرة غير المقيدةً الا بحرية الضمير .
و لأن الإعلام اللبناني تاريخيا كان حرا و مستقلاً واجه دائما الكثير من القوى المتحجرة أو الديكتاتورية التي حاربته و حاولت إسكاته خوفاً من جماهيرها أولاً لا منه هو بالذات .
كان يمكن لنا أن نفهم أن تحاول قوة خارجية إسكات واحد من أهم الأصوات الحرة في لبنان و هو صوت ال MTV و لربما كان باستطاعتنا في مكانٍ ما تقبّل محاربة هذا الصوت من بعض الأنظمة القمعية حولنا مع امتداداتها الداخلية خوفا منه لكن ما حصل مع ال MTV كان مختلفا و موجعا في آن لعدة أسباب .
ما حصل مع ال MTV أنها ضُرِبَت من بيت أبيها فمن حاولوا إسكاتها اليوم هم أنفسهم من لجأوا اليها و استفادوا من المساحة الحرة التي منحتم إياها في الزمن الأسود ليُشكلوا حيثيتهم السياسبة المعروفة تلك المساحة التي دفعت ال MTV ثمنها غالياً جداً زمن الإحتلال السوري عندما أقفلت تعسفياً و هُجِّر موظفوها و إعلاميوها بغفلة من الزمن .
الموجع في القصة أن من حاولوا ضرب تلك المحطة هم من يرفعون شعار الحريات صبحاً و مساءً و هم من نصّبوا أنفسهم مدافعين عن تلك المبادئ و القيم و كرّسوها في شرعتهم السياسية لكن الحقيقة أن كل ذلك كان حبراً على ورق فالممارسة على أرض الواقع أثبتت العكس .
سمعنا كثيراً في الأيام التي تلت الإعتداء أنه ربما أراد مَن وراء هؤلاء توجيه رسائل معينة الى الداخل المسيحي و الإعلان بشكل ما عن تتظيم معين يحاولون من خلاله ترهيب أخصامهم السياسيين بتخريب الأمن المضبوط داخل المناطق المسيحية لكننا نقول و إن صحّ ما سمعناه أن المدخل الذي اختاروه كان خاطئاً … لقد اختاروا ال MTV .. الحصن الأخير المتبقي للبنانيين الأحرار في هذا الوطن المتعب .
أما بالنسبة للأستاذ مرسال غانم و هو الإعلامي المحترف صاحب الخبرة الطويلة في هذا المجال منذ برنامج كلام مسؤول في لبنان الحر مروراً بكلام الناس و صولاً الى صار الوقت فليدلّنا أحد على مرّة واحدة كان فيها طرفاً أو متحيزاً أو لم يستقبل ضيوفاً من مختلف الآراء و التوجات ؟؟ لا بل بالعكس لقد أُُخِذ عليه أحياناً كثيرة إعطائكم المساحات الكبرى في برامجه فكافأتموه اليوم بهذه الطريقة … بكل الأحوال هو ليس بحاجة لدفاع أحد عنه فتاريخه بالمهنة و برامجه التي احتلّت الصدارة في لبنان و ما زالت هي بحد ذاتها أكبر مُدافع عنه .
لنفهم ما جرى علينا أن نعود الى ماضي هؤلاء قليلاً و نعدد مآثرهم بحق بعض الإعلام المخالف لرأيهم في أزمنة غابرة .
هل تذكرون ما أصاب إذاعة صوت لينان و كيف حاول البعض إسكاتها بالقوة ؟؟ هل تذكرون ما حصل مع المؤسسة اللبنانية للإرسال أيضاً عندما كانت تلك المؤسسة صوت و صورة المقاومة اللبنانية ؟ حتى صحيفة الديار لم تسلم من غضبهم وقتها لمجرد توجيه بعض الإنتقادات اليهم رغم وقوف تلك الوسائل الى جانبهم طويلاً في محطات كثيرة أخرى .
هؤلاء الأشخاص يعانون من مشكلة مزمنة بالأساس مع أي إعلام مخالف لتوجهاتهم فهم بالعمق ديكتاتوريين لا يتقبلون الرأي الآخر حتى لو أظهروا أنفسهم بصورة مختلفة و ما اعتداء الأمس على ال MTV سوى استكمال لهذا المسار و دليل إضافي على ما نقول .
طبعاً نحن لا ندين أحد و لا نحمِّل المسؤولية لطرف بذاته فالقضية أصبحت في عهدة القضاء و هو الذي سيصدر حكمه بنهاية المطاف … ما كتبناه في هذا المقال هو مجرّد توضيح لما رآه جميع اللبنانيبن على الشاشات ليس إلا .
هل بإمكان الأشخاص الذي فعلوا ما فعلوه في ال MTV أن يفسروا لنا كيف أن أي جمهور آخر لم يتصرف مثلهم ؟ لقد أتى الى استوديو صار الوقت الجميع من أمل الى القوات و الكتائب الى الإشتراكي و المستقبل و المستقلون الى المردة و حركة الإستقلال و كل فئات المجتمع و لم يتصرف أحد هكذا !!! لماذا فقط عندما حضر هذا الجمهور حصل ما حصل ؟؟
للبعض نقول لن تكونوا بقوة الإحتلال السوري و لا بقمعه و ال MTV و معها كل الإعلام اللبناني الحر انتصروا على هذا الإحتلال بنهاية المطاف فعادوا هم و رحل هو .
و كما هُزِم ذلك الإحتلال أمام حرية لبنان و إعلامه ستهزم أي قوة أخرى داخلية كانت أم خارجية تحاول تدجين أ ترويض ما لا يمكن ترويضه … فلبنان و الحرية صنوان لا حياة لأحدهما دون الآخر … اتعظوا من تجارب الماضي و لا تكرروا نفس الأخطاء لأن نهايتكم السياسية ربما تكون في ذلك التكرار لا في أي مكان آخر .