تتجه الأنظار في لبنان إلى القاضي الجديد الذي سيتسلم قضية الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة بعد تقاعد القاضي الحالي شربل أبو سمرا في 9 نوفمبر تشرين الثاني الحالي. مع الحديث عن تدخل المنظومة السياسية لمحاباة سلامة وعدم الذهاب بعيداً في اتهامه وطلب توقيفه.
ويواجه سلامة مع شقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك وآخرين جملة جرائم مالية أبرزها الاختلاس والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، فيما تحدثت مصادر أنّ النخبة السياسية على أعلى مستوى مهتمة بمعرفة اسم من سيستقر عليه الرأي ليكون قاضي التحقيق الأول. كما أنّ الأوساط القضائية ولا سيما رئيس المجلس الأعلى للقضاء سهيل عبود والنائب العام التمييزي غسان عويدات يتابعان القضية أيضاً للاتفاق على اسم بداية الأسبوع المقبل.
وتنص المادتان 35 و36 من قانون تنظيم القضاء العدلي على اعتبار رئيس الدائرة القضائية هو رئيس الغرفة الأعلى درجة، وعند تساوي الدرجات يكون الرئيس أو القاضي الأقدم عهداً في القضاء، وعند تساوي الأقدمية الأكبر سنًا.
وهذا قد يدفع عدداً محدوداً جداً من الأسماء إلى الواجهة مثل القاضي فؤاد مراد الذي لا تعرف المنظومة السياسية –القضائية الحريصة على حماية سلامة، هل سيكون “متعاونا” مثل القاضي شربل أبو سمرا الذي اتهمه البعض بمحاباة سلامة وعدم الذهاب بعيداً في اتهامه وطلب توقيفه، بل ترك له أبواباً يخرج منها مثل دعوى مخاصمة الدولة.
وكان أبو سمرا قد رفض طلبا للوفود الأوروبية للحصول على إذنٍ للدخول إلى مصرف لبنان المركزي والتدقيق في بعض الحسابات، قائلة أن سلامة يملك العديد من الحسابات المصرفية بأسماء وهمية، لكن القاضي اعتبر هذا الطلب “تعديًا واضحًا على سيادة لبنان”.
وتقول مصادر لبنانية أن ملف سلامة قد دخل في دوامة تعطيل طويل الأمد، على أثر دعوى تقدمت بها رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، طعناً بتصرفات قاضي التحقيق الأول أبو سمرا، على أثر جلسة التحقيق التي عقدها الأخير في 2 أغسطس آب الماضي، وقرر فيها ترك الحاكم السابق رهن التحقيق بانتظار استكمال استجوابه.
لكن الدعوى أثارت الكثير من الجدل لأن رئيسة هيئة القضايا التي تمثل الدولة اللبنانية وسبق لها أن ادعت باسم الدولة على سلامة ورفاقه بجرائم “الاختلاس والتزوير وتبييض الأموال”، هي نفسها ادعت على الدولة اللبنانية أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز المعطلة منذ سنة ونصف سنة، جراء إحالة أكثر من نصف أعضائها على التقاعد، وحالت الخلافات السياسية دون صدور مرسوم تعيين بدلاء عنهم، ما يعني أن الملف القضائي اللبناني العائد لسلامة سيتم تجميده إلى أشهر طويلة وربما سنوات، بانتظار إجراء تشكيلات قضائية جديدة، وهذه التشكيلات لن تبصر النور قبل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وانتظام عمل المؤسسات الدستورية.
وفاجأت خطوة رئيسة هيئة القضايا، الأوساط القضائية ورسمت علامات استفهام حول أبعادها، خصوصاً أنها تناقض توجّهات القاضية إسكندر وإصرارها الدائم على الإسراع في إنجاز هذا الملفّ، وأكد مصدر قضائي أن هذا الادعاء “قدّم خدمة مجانية لرياض سلامة، لكونه أدخل الملف في سبات عميق، أو ربما في موت سريري”.
وأضاف المصدر الذي رفض ذكر اسمه هذه الخطوة غير مفهومة، خصوصاً أن رئيسة هيئة القضايا تدرك أن هذه الدعوى قدّمت خدمة مجانية للحاكم السابق، وقطعت الطريق على إمكان إنهاء التحقيقات معه ومع شقيقه ومساعدته وإصدار القرار الظنّي في وقت قريب، لا سيما وأن أبو سمرا كان مستعجلاً إنجاز هذه المهمّة قبل إحالته على التقاعد في شهر نوفمبر تشرين الثاني الجاري، وتحديد مصير سلامة والاتهامات التي سيوجهها له.
ورفض القاضي أبو سمرا الذي خرجت القضية من يده، التعليق على ما حصل لكون الدعوى جمدّت الملف إلى أجل غير مسمّى، غير أن مصادر مقرّبة من أبو سمرا لفتت إلى أن “تجميد الملفّ القضائي اللبناني لرياض سلامة بانتظار قرار الهيئة العامة الذي لن يأتي قريباً، لا يحول دون متابعة أبو سمرا للاستنابات القضائية الأوروبية، وتبادل المعلومات مع الوفود الأوروبية التي تأتي في سياق التعاون بين الجانبين”.
لكن الكثير من اللبنانيين لا يبدو أنهم متفائلين بإمكانية الوصول إلى جديد في هذا الملف، ويقولون أن ما يجري في أروقة القضاء يشير إلى أن ملف سلامة لا يختلف عما حصل بانفجار المرفأ، جريمة منظّمة حدثت والحقيقة ضائعة، والمجرم يسرح ويمرح على هواه