الأوضاع السياسية في لبنان على حالها من إرباك داخلي يتمثل في انعدام التوافق بين «المعارضة» و«الممانعة» على المسار الذي يجب أن يسلكه الاستحقاق الرئاسي، عبر الحوار الذي ينادي به رئيس مجلس النواب نبيه بري، أو بالانتخاب مباشرة، كما تصر «المعارضة»، وخارجي هائم بين من يعتقد بأن المبادرة الفرنسية «انتهت صلاحيتها»، وعليها أن تفسح الطريق للمبادرة القطرية الأنشط حركة، والأكثر موضوعية، وبين من يرى أنه من الأجدر عدم كسر المبادرة الفرنسية على النحو المطروح.
عمليا، هناك موفد قطري هو جاسم بن فهد آل ثاني، باشر في بيروت حراكه على الفعاليات السياسية اللبنانية ممهدا لزيارة الموفد القطري الرسمي محمد الخليفي، كما وبالاهتمام عينه لطرح اسم قائد الجيش جوزاف عون، والكلام السياسي الرائج يصب في خانة انتهاء المبادرة الفرنسية مع الجولة الرابعة لجان ايف لودريان أواخر هذا الشهر، في حين تبقى فرنسا، ضمن مجموعة الخمس مع تمثيل أوروبي وربما بابوي على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من خلال لبنان.
أما على الصعيد الداخلي فالحاضر لا يسمح بالتفاؤل، حيث التباعد مازال على أشده بين فريق «الممانعة» الذي يصر على الحوار قبل انتخاب الرئيس، وفريق «المعارضة» الذي يرى ان انتخاب رئيس الجمهورية أولا وقبل كل شيء.
نائب رئيس «القوات اللبنانية» غسان حاصباني دعا، في حديث إلى إذاعة «صوت لبنان» أمس، الى «النزول عن شجرة (فرنجية زائد حوار). وقال: وما الدور الموازي بين فرنسا وقطر إلا لإزالة العقبات تجاه هذه «النزلة».
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبحسب زواره، فأكد انه ليس في وارد التخلي عن بنود مبادرته.
وردا على اقتراح رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل إقامة حوارات ثنائية أو ثلاثية أو على طاولة مستديرة ليس فيها رئيس أو مرؤوس، أوضح بري أن الحوار إما ان يكون موسعا ويضم الجميع او لا يسمى حوارا، مشددا على انه ليس في وارد فتح حوارات ثنائية او ثلاثية، وقال: في الأساس لم أجرها قبلا ولن افعلها اليوم.
ورد باسيل على رئيس المجلس عبر منصة «X»، سائلا: وإذا طالبنا بإدارة محايدة للحوار وليس ترؤس من هو طرف أساسي في النزاع كي يكون هناك توازن ونتيجة توافقية، هل نكون رافضين للحوار؟
وأضاف باسيل: ان من لا يريد الحوار هو من يرفض تأمين ظروف النجاح له.
مثل هذا السجال ظهر كذلك بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية»، الأول يدعو للحوار كمقدمة لانتخاب الرئيس، كحل وسط بين «الممانعة» و«المعارضة»، والآخر يتمسك بحرفية الدستور، الذي يضع انتخاب رئيس الجمهورية في رأس سلم الأولويات الدستورية، او بين باسيل وقائد الجيش الذي صوب على رئيس التيار الحر، في إطار رده على اتهامات الاخير، حيث قال، خلال تفقده طرقات شغلها الجيش في جرود منطقة الهرمل: «نسمع بعض الأصوات المشككة بدور الجيش في حماية الحدود انطلاقا من مواقف سياسية معروفة، لم نر هؤلاء يبادرون الى دعم الجيش بل يحاولون عرقلة عمله وإثارة الشبهات حوله، ولم نر لهم مشاركة فاعلة في معالجة أزمة النزوح السوري. إن هدفنا هو الوطن فيما هدفكم مصلحتكم الشخصية، نحن نموت ليحيا الوطن وأنتم تميتون الوطن من اجل مصالحكم».
وعلى صعيد الخلافات المستشرية في كل ركن من اركان الدولة اللبنانية، استدعت وزارة الخارجية مندوبة لبنان في الأمم المتحدة جان مراد إلى الإدارة المركزية في بيروت ليحل محلها المستشار في وزارة الخارجية هادي هاشم الذي رافق الوزير عبدالله بو حبيب إلى نيويورك.
وفسر هذا الاستدعاء، في بيروت، على أنه قرار اتخذه بو حبيب، بتاريخ 14 سبتمبر الحالي، أي قبل سفر الوفد اللبناني إلى نيويورك للمشاركة بانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتنسيق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتم إبلاغها قرار الاستدعاء فورا.
ويعود سبب استدعاء مراد إلى قولها، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي عقدت، في يوليو الماضي، حول الأوضاع في الشرق الاوسط: «أن لبنان مستعد لاستكمال عملية ترسيم حدوده الجنوبية البرية والبحث في كيفية معالجة النقاط الخلافية المتبقية المتحفظ عليها ضمن إطار الاجتماعات الثلاثية، بحضور الأمم المتحدة بما يعزز الهدوء والاستقرار في المنطقة».
وعلى أثر تصريح جان مراد، ردت وزارة الخارجية موضحة في حينه، أن حدود لبنان مرسمة ومعترف بها دوليا «والخرائط الرسمية العائدة لها مودعة لدى الأمم المتحدة»، لافتة إلى أن عبارة «استكمال ترسيم الحدود الجنوبية البرية» التي وردت في كلمة مراد «هي سوء تعبير غير مقصود»، وليس وثيقة رسمية.
وبالنسبة للمستشار هادي هاشم فقد انتسب للسلك الديبلوماسي سنة 2003 وخدم كقنصل في كل من قطر وأبوظبي، ثم كمدير مكتب الوزير جبران باسيل، ثم كمدير للمغتربين بالتكليف لغاية اليوم.
في غضون ذلك، أصدرت قيادة الجيش اللبناني بيانا جاء فيه: «أقدمت عناصر من العدو الإسرائيلي على خرق خط الانسحاب وإطلاق قنابل دخانية باتجاه دورية للجيش اللبناني أثناء مواكبة جرافة تقوم بإزالة ساتر ترابي أقامه العدو الإسرائيلي شمال خط الانسحاب (الخط الأزرق المتحفظ عليه) في منطقة بسطرة – الجنوب، وقد ردت عناصر الدورية على الاعتداء بإطلاق قنابل مسيلة للدموع باتجاه عناصر العدو، ما أجبرهم على الانسحاب».