علم “عربي بوست”، من مصادر سياسية وأمنية عراقية، أن عدداً من قادة الفصائل العراقية زاروا جنوب لبنان لمقابلة الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله، بصحبة 500 مقاتل من الفصائل العراقية الشيعية الموالية لإيران.
وأضافت المصادر نفسها أن هذه الزيارات تزامنت مع زيارة سرية وسريعة لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني للعاصمة العراقية بغداد.
في هذا التقرير يرصد “عربي بوست”، استناداً إلى مصادر مطلعة، تحركات محور المقاومة في العراق ولبنان استعداداً لأي غزو بري محتمل داخل غزة.
إخلاء السفارة الأمريكية
وفي وقت متأخر من يوم الأحد 22 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال مصدر أمني عراقي لـ”عربي بوست” إن واشنطن أمرت موظفيها بإخلاء سفاراتها داخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين بالعاصمة العراقية بغداد.
وأضاف المصدر أن “مروحيات بلاك هوك وصلت إلى السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء لإجلاء موظفي السفارة المتوجهين إلى الأردن، بالرغم من أن واشنطن أبلغت الحكومة العراقية بأنها سوف تقوم بإجلاء عدد من الموظفين غير الأساسيين.
وأشار المتحدث إلى أن واشنطن لم تجلِ الموظفين غير الأساسيين، ولكنها أجلت عدداً كبيراً من موظفي السفارة في بغداد وفي القنصلية الأمريكية بأربيل، وأبقت عدداً قليلاً للغاية من الموظفين قد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة.
وقال المصدر نفسه: “بعد أن حاولت واشنطن مع السوداني تهدئة الفصائل الشيعية العراقية، إلا أنها وصلتها تقارير أمنية تُفيد باتساع رقعة استهداف هذه الفصائل للمصالح الأمريكية في العراق”.
وأخبرت أمريكا دبلوماسي إقليمي دخل على خط الوساطة بين الحكومة العراقية وواشنطن كان على تواصل مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أنها تتوقع استهداف بعثتها الدبلوماسية في الأيام القليلة القادمة”.
وتأتي عمليات إجلاء واشنطن لموظفي سفارتها في العاصمة العراقية بغداد، وقنصليتها في أربيل في إقليم كردستان العراق، بعد عدد من الهجمات الصاروخية والهجمات بطائرات من دون طيار على القواعد العسكرية التي تضم جنود أمريكيين.
وقد أعلنت مجموعة المقاومة الاسلامية في العراق في بيان لها الإثنين 22 أكتوبر/تشرين الأول مسؤوليتها عن استهداف قاعدة عين الأسد، ما أدى إلى وفاة مقاول أمريكي بعد إصابته بنوبة قلبية أثناء الهجوم الصاروخي على القاعدة.
في هذا السياق، قال سياسي شيعي عراقي مقرب من إيران لـ”عربي بوست” إن “جماعة الوارثين هي معروفة وجديدة نسبياً، لكنها في النهاية تنتمي إلى حركة حزب الله النجباء، وقادة النجباء وإيران على علم بجميع هجمات هذه الجماعة الجديدة، بل إن هذه الهجمات تمت بالتنسيق مع ضباط من فيلق القدس”.
يُذكر أن جماعة الوارثين بدأت في الظهور في بداية العام الحالي، ومنذ عام 2020 بعد اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، ورفيقه العراقي أبو مهدي المهندس نائب رئيس وحدات الحشد الشعبي العراقي في يناير 2020.
وقد لجأت طهران إلى استراتيجية جديدة يطلق عليها اسم “الواجهة”، أي تأسيس مجموعات مسلحة صغيرة تعلن مسؤوليتها عن استهداف القوات الأمريكية في المنطقة دون ربط صلتها بأي من الفصائل العراقية أو السورية أو اللبنانية المعروفة والقديمة، ودون ربطها بطهران أيضاً لتجنب اللوم الدولي والإقليمي
قادة فصائل العراق في زيارة للبنان
أكد أكثر من مصدر عسكري من فصيل حزب الله النجباء ومن فصيل كتائب سيد الشهداء، أن كلاً من أكرم الكعبي زعيم الأول، وأبو آلاء الولائي زعيم الثاني، موجودان في جنوب لبنان منذ 3 أيام.
ويعد كل من حزب الله النجباء، وكتائب سيد الشهداء من ضمن وحدات الحشد الشعبي العراقية التي تأسست صيف 2014 لمقاتلة تنظيم الدولة الاسلامية الذي اجتاح الأراضي العراقية في ذلك الوقت، كما يعتبر الفصيلان من ضمن الفصائل الشيعية المقربة من طهران.
في هذا الصدد، قال قائد عسكري في فصيل حزب الله النجباء لـ”عربي بوست” إن “أكرم الكعبي وأبو آلاء الولائي قرروا زيارة جنوب لبنان لمقابلة حسن نصرالله والعمل على الخطط المستقبلية لمواجهة إسرائيل وأمريكا، كما سافروا بصحبة 500 مقاتل من الفصيلين”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن سفر الزعيمين إلى جنوب لبنان، يهدف في المقام الأول لتقديم الدعم إلى حزب الله في ضرباته تجاه الحدود الإسرائيلية، وأشار القائد العسكري إلى أن ذهاب كل من أكرم الكعبي وأبو آلاء الولائي إلى جنوب لبنان كان قراراً منفرداً بعيداً عن طهران.
ويقول المتحدث لـ”عربي بوست”، “في زيارته السابقة لبغداد طلب إسماعيل قاآني من الفصائل العراقية التأني في استهداف المصالح الأمريكية في العراق، وعدم القيام بأي ضربات إلا بعد التباحث مع باقي الفصائل ومع ضباط فيلق القدس، لكن لم يتم إعلامه بنية كل من الكعبي والولائي بالسفر لجنوب لبنان”.
قائد عسكري ثانٍ من فصيل كتائب سيد الشهداء، أكد لـ”عربي بوست” أن “كل الضربات السابقة التي استهدفت القوات الأمريكية تمت بعلم من 3 فصائل، وهي: كتائب حزب الله العراقية، كتائب سيد الشهداء، حزب الله النجباء”.
وقال المتحدث إن “وجود الكعبي والولائي بجنوب لبنان مؤقت لبعض الوقت، وبالطبع سيعودون إلى العراق لاستكمال المقاومة ضد الأمريكان الذين يساعدون إسرائيل في حربها ضد أهلنا في غزة”.
من جهته، قال سياسي شيعي بارز ومقرب من الفصائل المسلحة الشيعية في العراق لـ”عربي بوست” إن “وجود الكعبي والولائي في لبنان تم بالتنسيق مع حزب الله اللبناني، من أجل دراسة الخطط المستقبلية في حالة الغزو البري الإسرائيلي على غزة، واعتقد أيضاً أن لديهم خطط بعيدة عن الإيرانيين ويريدون إطلاع نصرالله عليها بشكل شخصي”.
وبحسب المصدر ذاته، فإنه بعد اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس السابق، الجنرال قاسم سليماني، والذي أسس أغلب الفصائل المسلحة الشيعية في العراق تحولت مسؤولية هذه الفصائل إلى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله.
كما أشار السياسي الشيعي العراقي إلى مسألة نقل 500 مقاتل من الفصائل العراقية إلى جنوب لبنان قائلاً لـ”عربي بوست”، “أغلب الظن أنهم سينضمون إلى القوة البرية لحزب الله تحسباً لأي هجوم بري إسرائيلي على غزة، وبالتالي استهداف إسرائيل لجنوب لبنان”.
وأكدت 4 مصادر عسكرية وسياسية عراقية لـ”عربي بوست”، أن الهجمات الأخيرة للفصائل جاءت بقرار منفرد منها، دون الرجوع لطهران، وهذا ما أشار إليه أيضاً وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في تصريحاته الأخيرة.
إلا أن مصدر إيراني مقرب من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قال في حديثه لـ”عربي بوست”: “نعم فصائل المقاومة في العراق وسوريا لديها استقلالية، لكن هذا لا يعني اتخاذ قرارات كبيرة دون الرجوع إلى إيران، الضربات الأخيرة على القوات الأمريكية في العراق كان إسماعيل قاآني وضباط الحرس الثوري على علم بها، لكن لا أعلم إذا وافقوا عليها أم لا”.
في المقابل، قال مصدر إيراني مقرب من فيلق القدس لـ”عربي بوست” إن “الأمريكيين متورطون في حرب إسرائيل ضد غزة، بالدعم المالي والعسكري، ولا يمكن أن يعترض أحد طريق المقاومة في التعبير عن رفضها لهذا التحالف الذي يقتل الفلسطينيين، خاصة أن الأمريكيين ما زالوا موجودين على الأراضي العراقية لا يمكن السماح للقتلة بالتواجد داخل العراق”.
بالإضافة إلى سفر كل من أكرم الكعبي وأبو آلاء الولائي إلى جنوب لبنان، أشار قائد عسكري في فصيل كتائب حزب الله العراقية، أن كلاً من حزب الله النجباء، وكتائب حزب الله العراقية وكتائب الشهداء، قد تواصلت خلال الأيام القليلة الماضية، مع قادة من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
وقال المتحدث لـ”عربي بوست”: “تمت هذه الاتصالات في لبنان، بالإضافة إلى التواصل مع أعضاء من المكتب السياسي لحركة حماس، من أجل مناقشة الخطط المستقبلية في حالة الاحتياج البري الإسرائيلي لغزة”.
قاآني في العراق مجدداً
وعلم “عربي بوست”، من مصادر مطلعة عراقية وإيرانية أن قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني زار العراق سراً يوم الأحد 22 أكتوبر الجاري، وعقد اجتماعاً مع عدد من قادة الفصائل المسلحة الشيعية العراقية.
وفي هذا الصدد، قال مصدر إيراني مطلع على هذا اللقاء، لـ”عربي بوست” إن “الاجتماع كان طارئاً وسريعاً للغاية، قاآني عاد إلى طهران بعد 3 ساعات قضاها في بغداد فقط، وأخبر القادة السياسيين والعسكريين العراقيين بعدد من النقاط المهمة التي يجب مراعاتها في الأيام المقبلة”.
وأضاف المتحدث أن “الايرانيين يتوقعون حدوث غزو بري إسرائيلي على قطاع غزة خلال الأيام المقبلة، وكانوا يتناقشون مع القادة العراقيون مدى استعدادهم لمواجهة هذا الأمر والخطط اللازمة ووضع الأسلحة والمقاتلين لعرضها في تقرير سيتم تسليمه المرشد الأعلى الإيراني”.
وأشار المصدر الإيراني السابق إلى أن “جميع فصائل المقاومة في العراق وسوريا جاهزة الآن، وتم التأكد من جاهزية الفصائل لجميع المفاجآت التي من الممكن أن تحدث من قبل الأمريكان والإسرائيليين”.
واشنطن تُحاول التهدئة
من جهتها، كشفت مصادر حكومية عراقية لـ”عربي بوست” أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، من أجل بحث مسألة الهجمات الأخيرة على القوات الأمريكية في العراق.
وقال مسؤول حكومي عراقي رفيع المستوى لـ”عربي بوست” إن “بايدن أخبر السوداني بأنه يريد التهدئة، ويريد التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تشارك في أي غزو بري إسرائيلي على غزة، كما أن السوداني أخبر الرئيس الأمريكي بأن الأمر سيخرج عن السيطرة إذا استمرت واشنطن في دعمها اللامحدود لإسرائيل”.
وبحسب المتحدث، قال رئيس الوزراء العراقي للرئيس الأمريكي إن فصائل المقاومة العراقية التي استهدفت القوات الأمريكية لا تتخذ قراراتها بالتشاور مع الحكومة.
بجانب المكالمة الهاتفية السابق ذكرها، قال سياسي شيعي مقرب من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لـ”عربي بوست” إن واشنطن خلال اليومين الماضيين بعثت برسائل للعراق عبر وسطاء إقليميين تطلب تهدئة الموقف وعدم استهداف القوات الأمريكية.
وقال المصدر ذاته لـ”عربي بوست” إن “الوسطاء الإقليميين أكدوا للسوداني أن واشنطن تعلم جيداً أن الأمر قد يخرج عن السيطرة في العراق، وأنها تؤكد لهم أنها لن تقدم أي دعم بري لإسرائيل في حالة احتياجها غزة، ولا صحة للأخبار مشاركة جنود أمريكيين في هذا الغزو المحتمل”.
وأضاف السياسي الشيعي قائلاً لـ”عربي بوست”: “يبدو أن الأمريكيين قلقون بالفعل من استمرار استهداف قواتهم في العراق وسوريا، الأمر مقلق بالفعل، وسيجر المنطقة والعراق إلى حرب صعبة”.
مسؤول حكومي عراقي ثانٍ أعرب عن قلقه من تدهور الأمور في العراق، قائلاً لـ”عربي بوست”، “الحكومة في موقف حرج، لا تستطيع فعل أي شيء الآن، فصائل المقاومة لا تخضع لسيطرة الحكومة، وحتى الفصائل التي لديها مصالح سياسية مشتركة مع الحكومة غير قادرة على إيقاف الهجمات، الظرف حساس للغاية”.
ماذا عن فصيل أهل الحق؟
وعلى ذكر مسألة الفصائل العراقية ،التي لديها مصالح سياسية مع الحكومة العراقية الحالية، فإن فصيل عصائب أهل الحق، والذي كانت له تحركات سياسية بارزة في الأشهر الأخيرة، ومحاولات للتهدئة مع واشنطن من أجل كسب مزيد من استقرار الوضع في العراق، لم يعلن أي شيء فيما يخص مشاركة باقي فصائل المقاومة العراقية في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة في حالة حدوث غزو بري إسرائيلي على غزة.
في هذا الصدد، يقول قيادي في الإطار التنسيقي الشيعي إن “الإطار وعصائب أهل الحق والحكومة في موقف حرج وحساس للغاية، لأن من الصعب الفصل بين هجوم الفصائل الأخرى والعمل السياسي، خاصة أن الفصائل المشتركة في الهجمات ضد الأمريكان مشاركين في الحكومة الحالية أيضاً”.
وأضاف المتحدث قائلاً “عصائب أهل الحق مترددة إلى الآن في المشاركة، لأن الخزعلي يعلم أن فتح الجبهة مرة أخرى مع الأمريكان سيجلب الخراب على العراق وعلى هذه الحكومة التي استطاعت بشتي الطرق تثبيت مصالحها السياسية مؤخراً”.
وأضاف المتحدث إن “توقيت هذا الصراع قاتل بالنسبة للحكومة العراقية وشركائها، الذين كانوا لتوهم يبدو أن خطواتهم حول التهدئة مع الأمريكان والعمل على استقرار البلاد، خاصة أن الانتخابات المحلية على الأبواب”.
المزيد من التصعيد؟
أكدت جميع المصادر التي تحدثت لـ”عربي بوست”، في هذا التقرير أن خطوة التصعيد آتية لا محالة، والجميع داخل العراق وفي إيران وسوريا واليمن، في انتظار قلق لخطوة الغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة.
مصدر أمني عراقي ومقرب من الفصائل المسلحة العراقية، قال لـ”عربي بوست”، “في حالة التصعيد الإسرائيلي تجاه غزة، ستبدأ الحرائق من هنا، من العراق وسوريا واليمن، سيحاول الإيرانيون تأخير تدخلهم وتأخير وضع حزب الله اللبناني في المواجهة، وحتى قبل أن يحدث ذلك، ما تتم ممارسته الآن من بعض الفصائل العراقية ضد القوات الأمريكية الموجودة في العراق مقامرة خطيرة، وواشنطن تريد التهدئة في الوقت الحالي”.
ويضيف المتحدث قائلاً “لكن ماذا إذا وصلنا إلى نقطة نفاد صبر الأمريكيين، هذا معناه دخول العراق في موجة تصعيدية قد تخرج عن السيطرة بسرعة كبيرة، والجميع يعلم ذلك: قادة الفصائل، حزب الله في لبنان، الإيرانيون في طهران”.