حث تدقيق في حسابات مصرف لبنان (البنك المركزي) على اتخاذ خطوات لتخفيف المخاطر المالية الناتجة عن “سوء السلوك”، وأشار إلى أن حاكم المصرف السابق كان يتمتع بسلطة “بلا حدود” بينما انتهج سياسات هندسة مالية مكلفة. وخلص التدقيق الذي أجرته شركة ألفاريز آند مارسال إلى أنه تم دفع “عمولات غير قانونية” قيمتها 111 مليون دولار من حساب بالبنك المركزي بين 2015 و2020، موضحا أن هذا فيما يبدو استمرار لخطة كانت سببا في بدء التحقيقات مع الحاكم السابق للمصرف رياض سلامة في الداخل والخارج.
وطالبت الدول المانحة بإجراء التدقيق الجنائي بعد تعرض لبنان لانهيار مالي منع معظم المودعين من الحصول على مدخراتهم منذ 2019 وتسبب في فقد العملة 98 بالمئة من قيمتها وأدى إلى زيادة الفقر.
ويغطي التدقيق، الذي اطلعت رويترز على نسخة منه، الفترة بين 2015 و2020.
ودافع سلامة الذي ترك منصبه في الشهر الماضي عن السياسات في تصريحات مكتوبة إلى رويترز. وقال المكتب الإعلامي للبنك المركزي لرويترز إن “الأطراف المعنية لم تعد في البنك الآن”. وامتنع فارس الجميل، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عن الرد على طلب للتعقيب، قائلا إن التقرير “سري”.
وينفي سلامة، الذي غادر منصبه في نهاية ولايته الأخيرة في 31 يوليو تموز، الاتهامات الموجهة له باستغلال سلطاته لاختلاس المال العام في لبنان. وأصدرت فرنسا وألمانيا أوامر بضبط لسلامة.
وأمس الخميس أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا فرض عقوبات على سلامة، متهمة إياه بارتكاب أعمال فساد لإثراء نفسه هو وشركائه.
وأشارت ألفاريز آند مارسال إلى “غياب الحوكمة الجيدة بشكل عام وترتيبات إدارة المخاطر” في البنك المركزي، ودعت إلى تحسين الرقابة من أجل “تخفيف أي مخاطر مالية أخرى تنشأ عن سوء السلوك في مصرف لبنان”.
وفي تصريحات مكتوبة إلى رويترز قال سلامة إن وصف سوء السلوك “تعسفي”، مضيفا أن البنك المركزي تصرف وفقا للقانون.
وتسببت الهندسة المالية للبنك في استنزاف الأرصدة الدولارية من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة اعتبارا من عام 2015 للمساعدة في تمويل الدولة المثقلة بالديون. وقال التدقيق إن مصرف لبنان أخفي خسائر بقيمة 76 مليار دولار جراء تلك الهندسة.
ووصف المنتقدون السياسة بأنها ما يطلق عليه “مخطط بونزي” لأنها تعتمد على الاقتراض من جديد لتسديد الديون القائمة. وكان مصرف لبنان يقول دائما إن هذه العمليات قانونية.
وجاء في التدقيق أن البنك المركزي كان يعلن عن أرباح كل عام عن طريق تحويل التكاليف إلى ميزانيته العمومية، حتى في السنوات “التي بلغت فيها الخسائر الفعلية عدة مليارات من الدولارات”.
وقال سلامة إنه “لم يخف” الخسائر وإنها كانت تنشر ووفق الإجراءات المحاسبية، التي أقرها مجلس مصرف لبنان، وكان يخبر بها الحكومة.
ونقل التدقيق عن محاضر اجتماعات المجلس أن “حاكم (مصرف لبنان) احتكر المناقشات والقرارات”، وأن المجلس “لم يحقق الحد الأدنى من معايير الحكم الرشيد الموجودة في ممارسات البنوك المركزية على الصعيد الدولي”.
وقال سلامة إن المجلس وجد أن الهندسة المالية هي “أفضل معالجة لتدهور ميزان المدفوعات” وأنه لم “يتدخل” في اتخاذ القرار بشأنها.
ويتألف المجلس من حاكم مصرف لبنان وأربعة نواب، أحدهم وسيم المنصوري الحاكم المؤقت الآن، واثنين من كبار المسؤولين الحكوميين.
“مخطط العمولة”
تركز التحقيقات القانونية في قضية سلامة على العمولات التي فرضها البنك المركزي على البنوك التجارية عند شراء الأوراق المالية الحكومية، التي كان يذهب جزء من عائداتها إلى شركة (فوري أسوشييتس) التي يسيطر عليها رجا شقيق سلامة. وينفي الأخوان تحويل أي أموال عامة أو غسلها.
ويشتبه مسؤولون من القضاء الأوروبي في أن سلامة وشقيقه حصلا بشكل غير قانوني على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي بين عامي 2002 و2015.
وجاء في التدقيق أن مدفوعات، حُددت قيمتها الإجمالية بنحو 111.3 مليون دولار على مدى السنوات الخمس التالية لسبعة بنوك واحد منها سويسري وستة بنوك لبنانية من حساب تابع للبنك المركزي، كانت نقطة محورية في تلك التحقيقات.
وأضاف التدقيق “يبدو أن هذا استمرار لمخطط العمولات الذي تحقق فيه سلطات الادعاء اللبنانية والدولية”.
وقال إنه لم يعثر على أي سجل لخدمة قُدمت مقابل عمولات وإنه لا يمكن تحديد المستفيد النهائي بشكل مؤكد لأن مصرف لبنان حذف التفاصيل مستشهدا بقانون السرية المصرفية.
وذكر سلامة أن تلك العمولات تمت بطريقة “لا تكلف مصرف لبنان شيئا”. وقال إن كشوف حسابه الشخصي في مصرف لبنان قُدمت لشركة المراجعة وإنه “لا توجد أموال مملوكة لمصرف لبنان” انتهى بها المطاف في حسابه.