من كان ليتخيّل، مع بداية العام ٢٠٢٤، أن يحصل ما حصل؟ ومن كان يتخيّل، قبل خروج جعجع من مكان اعتقاله في العام ٢٠٠٥، أنّه سيبلغ ما بلغه، شعبيّةً وتأثيراً وحضوراً، حتى ما عاد أنصاره وقياديّو حزبه ونوّابه يتردّدون بالإعلان عن حلمهم الكبير: رئاسة الجمهوريّة؟
حين فاز نوّاب جعجع بعدد الأصوات الأكبر لدى المسيحيّين في انتخابات العام ٢٠٢٢، تلهّى كثيرون بعدّ النوّاب، بين كتلتَي “الجمهوريّة القويّة” و”لبنان القوي”. في العام ٢٠٢٤، بات العدّ غير مجدٍ، مع خروج أربعة نوّاب من التيّار الوطني الحر. وإذا كان موعد الانتخابات النيابيّة غير قريبٍ بعد، فإنّ الثابت هو صعود شعبيّة جعجع أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
هل هي الرهانات كسبت هذه المرّة؟ أم هي الصلابة في المواقف، تنتصر لصاحبها، ولو بعد حين؟ المتلّونون يكسبون جولات، أمّا الثابتون فيربحون الحروب.
الرجل الذي يحلو له تكرار مقولة “ما بيصحّ إلا الصحيح”، صحّ ما قاله وما انتظره، طويلاً طويلاً. لم يضبط علاقته بحزب الله بميزان المصالح، كما فعل ميشال عون، مثلاً، الذي قال في الأمس إنّ “ما من بلدٍ يعيش بشرعيّتَين”. “بَكّير”!
ولم يتخلّ جعجع يوماً عن مطلب انتخاب الرئيس. كان الوحيد، تقريباً، الذي ظلّ يرفع الصوت، وفي سجلّه هذا العام عشرات البيانات، والكثير من المناكفات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، “شيخ المهضومين”. في ختام العام، يتنقّل أكثر من وسيط بين بري وجعجع في محاولة لبلوغ تسويةٍ رئاسيّة ستكون، إن نضجت، حاسمةً في تحديد هويّة من سيقيم في قصر بعبدا.
لقد اتّخذ جعجع لنفسه موقعاً سياسيّاً وحزبيّاً لا يزحزحه أحد. مثل “ختياريّة” الجرد، في بشرّي، الذين لا يأمنون الدهر ولا غدرات زمانه، يواظب على العمل ليل نهار، بلا عطلة، صانعاً لنفسه، أمام مناصريه الذين يزدادون عدداً، صورةً ناصعة يصعب تحطيمها أو تهشيمها، ولو أراد البعض، من “العونيّين” تحديداً، أن يعيدوا التذكير بزمن الحرب، وكأنّ أيدي حلفائهم جميعاً نظيفة، من الدم والمال العام.
هي سنة سمير جعجع. أعاد بناء حزبٍ متماسكٍ ومنظّم يتابع أدقّ التفاصيل فيه، من القرارات الكبيرة الى مكافأة لموظّف في إذاعة “لبنان الحرّ”. ويبدو اليوم كأنّه اقترب من القمّة، بينما يسير كثيرون من حوله نزولاً، إذ خسروا بعضاً من الشعبيّة وكثيراً من المصداقيّة. وهنا يكمن التحدّي الكبير أمامه، فالحفاظ على الموقع أصعب من بلوغه.
وهي سنته، إذ وقف متأهّباً بينما سقط كثيرون، أنظمةً وزعامات وأحزاباً، وغيّرت دولٌ جلدها، ومحاور تنازعت، على أرضنا وعلى أراضي الآخرين، وهو ينتظر، على حافّة معراب، مرور الشعارات المَيتة، كالجثث. ينتظر ويحتفل. وكم من مرّةٍ احتفل هذا العام.
“لبنان مع جعجع” أنشد شبّانٌ وشابّات في معراب قبل أيّام. ضحك صاحب المكان، وصفّق، ثمّ وقف وأنشد معهم، مع خطواتٍ راقصة. هؤلاء، وغيرهم كثيرون، يحلمون بخطوةٍ توصل سمير فريد جعجع الى قصر بعبدا. حينها تكون ٢٠٢٥ سنته أيضاً.