برزت في الفترة الأخيرة في وسائل إعلام محلية داخل لبنان وثيقة إيرانية قيل إنها مُسرَّبة عن “مركز الدراسات الدفاعية في طهران”، المركز المقرب من “الحرس الثوري الإيراني”، تطرح نيابة عن “حزب الله” استعداده للتحول إلى “حرس وطني” يعمل تحت إمرة رئيس الجمهورية اللبنانية. ويدرج “الحرس الوطني اللبناني”، بحسب الوثيقة ضمن “مؤسسة الجندي المجهول” كمكون مقاوم واحتياط استراتيجي، وهو كما تصفه الوثيقة، ليس نهاية لـ”المقاومة”، بل بداية لعهد جديد يكون فيه السلاح في يد الدولة. وفيما ذكر مصدر مقرب من الحزب أنه لا علم له بهذه الوثيقة وأنه لا وجود حالياً لرؤية محددة حول هذا الموضوع، وأن الأمور مرتبطة بمصير الحوار حول السلاح، لم يصدر أي نفي رسمي من قيادة الحزب لهذه الوثيقة واعتبرها كثر جس نبض للحلول المقترحة التي تصب كلها في اتجاه الإبقاء على سلاح “حزب الله” وشرعنة وجوده عبر اعتماد النموذج الإيراني الذي يحصر الأمرة في يد “الحرس الثوري” مقابل دور صوري للجيش الحكومي
فيما كان رئيس حركة “الخيار الآخر” ألفرد ماضي أول من تحدث عن هذه الوثيقة، وكشف أن اللجان التي تعمل على استراتيجية الأمن الوطني في لبنان، والتي تضم ممثلين عن رئيس الجمهورية جوزاف عون، و”حزب الله”، وحركة “أمل”، إضافة إلى الكلام عن الضمانات التي يطلبها الحزب، توشي بجدية الاقتراح الإيراني.
النص المسرب
تصف الوثيقة الإيرانية التي يعتقد أنها مشروع بيان بانتظار التوقيع، المرحلة الحالية في لبنان باللحظة المفصلية من تاريخ ” المقاومة” والسيادة الوطنية، وتضع استعداد “حزب ” للتحول إلى “حرس وطني” في إطار الحرص على تثبيت معادلة الردع تحت راية الدولة اللبنانية، وإعادة تموضع القوى الوطنية بما يخدم مصلحة الشعب والدستور.
تتحدث الوثيقة عن قرار استراتيجي لا رجعة فيه، ينص على أن تبدأ “عملية التحول الكامل للبنية العسكرية والتنظيمية للحزب إلى الحرس الوطني اللبناني، وهو تشكيل مقاوم شعبي سيادي، يعمل تحت إمرة رئيس الجمهورية اللبنانية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبالتنسيق مع مجلس الوزراء، ضمن إطار السيادة الوطنية”.
وفي الخطوات العملية تشير الوثيقة إلى أن “جميع الأسلحة والقدرات القتالية من الشمال إلى الجنوب، ستسلم تدريجاً إلى الحرس الوطني اللبناني، قبل نهاية العام الحالي، بما في ذلك وحدات النخبة، ومخازن الأسلحة، ومراكز القيادة والسيطرة”، وبحسب الوثيقة أيضاً، فإن “وحدات التصنيع الحربي المتقدم، التي كانت تابعة للمقاومة، أصبحت رسمياً تحت إشراف الدولة اللبنانية، وتقدم تقاريرها التقنية والأمنية السرية عبر رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء، في إطار حماية سيادية عليا”. وتشمل هذه الوحدات إنتاج الذخائر الدقيقة، وتطوير الدفاعات، والطائرات المسيرة، والصواريخ والمقذوفات بعيدة المدى.
ويحدد الاقتراح الإيراني وزارة الدفاع اللبنانية لتكون الجهة المعنية بالبنية التحتية السرية والتكليفات التشغيلية المتعلقة بـ”الحرس الوطني”، ضمن اعتمادات محمية، ومن دون رواتب مباشرة للمتطوعين. ويدرج هذا الحرس ضمن “مؤسسة الجندي المجهول” كمكون مقاوم واحتياط استراتيجي، مع غرفة عمليات مستقلة لأسباب تكتيكية تتعلق بسرعة اتخاذ القرار في حالات الطوارئ.
الطرح الإيراني ينهي لبنان الـ10452 كيلومتراً مربعاً
حاولت “اندبندنت عربية” البحث باللغة الفارسية عن هذه الوثيقة، أو حتى عن الموقع الخاص بالمؤسسة التي نسبت لها، إلا أننا لم نجد شيئاً.
في الوقت نفسه، يؤكد رئيس حركة “الخيار الآخر” ألفرد ماضي أن الطرح وإن كان إعلامياً فهو ليس بريئاً. ويكشف عن سلسلة خطوات تصب كلها في هذا الاتجاه، وفي مقدمها اجتماعات بعيدة من الإعلام، بسرية تامة، للجان مشتركة بين “حزب الله”، وحركة “أمل” مع الرئيس عون للعمل على استراتيجية الأمن الوطني. ويترافق هذا العمل مع المطالبات التي خرجت، أخيراً، إلى العلن عن ضمانات يريدها الحزب لقاء تسليم سلاحه. ويسلط ماضي الضوء على ما تضمنته الوثيقة المسربة لجهة وضع هذا الاقتراح بتصرف رئيس الجمهورية. ويكشف عن أن كل الإشارات تؤكد أن “حزب الله” لن يسلم أي شيء للرئيس عون إلا إذا حصل على نيابة رئاسة الجمهورية ونيابة قيادة الجيش، مما يعني فرض تعديل الدستور لتحقيق ذلك، أو مؤتمر تأسيسي جديد، “هناك شيء يطبخ في الكواليس ومعالمه باتت واضحة”، يضيف ماضي متجنباً الكشف عن تفاصيل أخرى.
وعن مدى جدية التسريبات المتعلقة بالوثيقة يعتبر أن تسريبة من نوع الحفاظ على جناح “حزب الله” العسكري بما يسمى “حرس وطني” من قبل إيران، لا يعني تذاكياً أو التفافاً على المطالب اللبنانية والدولية التي تنص على تسليم السلاح وحصريته بيد الدولة، إنما هم يقولون “هذا هو الحل” ودخولنا إلى الجيش يجب أن يكون على شكل مجموعة واحدة.
هذا الطرح، يتابع ماضي، “لن يعالج موضوع سلاح ‘حزب الله’ إنما سيوصل البلاد إلى الخراب وإلى شرعنة احتلال الحزب لبنان، وهو هرطقة سياسية”، ويشدد على أنه “لا يمكن الذهاب إلى طرح يمكن أن يغير كل الصيغة اللبنانية فقط للهرب من تنفيذ الحل الصعب، تشكيل حرس وطني يضم ‘حزب الله’ لا يمكن أن يمر لا عند السنة ولا عند المسيحيين ولا عند الدروز وحتى نصف الشيعة لن يقبلوا به، وحدها السلطة السياسية الحالية قد تسير بحل كهذا. الطرح الإيراني هو نهاية للبنان الـ10452 كيلومتراً مربعاً”.
مصدر عسكري يعلق
بدورها تعتبر أوساط عسكرية أن هذا الطرح سيخرب لبنان وسيؤدي إلى فرض النظام الفدرالي، بحيث يمكن أن يستجلب مطالبات مقابلة بتشكيل “حرس وطني مسيحي” وآخر سني وكذلك درزي، وتقول “لا يمكن لمشروع كهذا أن يعيش، وهو أمر مستحيل إلا إذا كان الهدف منه تحويل لبنان إلى دولة فدرالية. هذا الاقتراح هو حلم من أحلام إيران ولن يتحقق”، مستعينة بمثل شعبي “حلم إبليس في الجنة”، رافضة بحدة مجرد التفكير بوجود تنظيم مسلح يملك كل هذه الأسلحة والعتاد إلى جانب الجيش الوطني، وترى أن تسريب اقتراح كهذا يخفي تذاكياً من قبلهم على الدولة اللبنانية وعلى الولايات المتحدة ولن يمر إلا إذا تحول لبنان من دولة ذات سلطة سياسية مركزية إلى اللامركزية.
ولا تستبعد الأوساط نفسها أن تكون إيران ومعها “حزب الله” قد تقصَّدا تسريب الوثيقة لجس النبض، معتبرة أن تنفيذ مضمونها في ظل دولة ذات نظام مركزي يعني تدمير هذه الدولة ويدفعون باقي الطوائف والمذاهب اللبنانية إلى التسلح، كما أن “مثل هذا القرار من شأنه أن يزيد من إحباط العسكريين المحبطين أصلاً، ويسأل “من سيتولى دفع رواتب العناصر في الحرس الوطني، أو ‘حزب الله’ المموه بالحرس الوطني، يكفي كم اقتطعت أموال من المؤسسة العسكرية لمصلحة المقاومة في عهد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود. قرار من هذا النوع سيكون كارثياً على الجيش اللبناني”.
مقربون من الحزب: لا صحة لهذا الطرح
يجزم المحلل السياسي فيصل عبدالساتر، المقرب من “حزب الله”، أنه لا وجود لمثل هذا الطرح، ويشدد على أن هذا الموضوع غير مطروح من قريب ولا من بعيد، ويرى عبدالساتر أنه “سبق للبنان أن قام بهذه التجربة في نهاية الستينيات، لكن لم تكن بهذا المعنى إنما تحت عنوان أنصار الجيش، وكان الأمر له علاقة بما كان يسود في كثير من المناطق الجنوبية بعد وجود المنظمات والقوى الفلسطينية”، ويستغرب أن يستعاد هذا الكلام اليوم مشككاً بأنه قد يكون هناك من يريد أن يحاكي هذه المرحلة أو أن يحاول إيجاد حل لموضوع السلاح لدى “المقاومة”، الطرح، بحسب عبدالساتر، “غير جدي وغير موجود والمعادلة الثابتة والمعروفة للجميع هي أن الكلام عن تسليم السلاح غير وارد، وأن هناك نقاشاً يمكن أن يحصل ضمن استراتيجية دفاع وطني، لكن هذا الأمر يحتاج إلى حوار معمق، وبات مسلماً به عند كل القيادات في لبنان، بمن فيها رأس السلطة، وهو رئيس الجمهورية”، لكن عبدالساتر يستبعد أن يحصل حوار في المدى القريب على اعتبار أن الموفد الرئاسي الأميركي توم باراك غادر لبنان، وإلى الآن لم يعرف ما طبيعة الرد الأميركي على الرد اللبناني، “بالتالي الأمور تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تتبلور الخطوات المقبلة”.