أشارت وثيقة سرية مسربة حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هدد الولايات المتحدة بعواقب اقتصادية هائلة إذا ما قامت بأي عمل انتقامي عقب قرار المملكة بتقليص إنتاجها من النفط خريف العام الماضي. الوثيقة زعمت، بحسب الصحيفة، أن ولي العهد ذكر بأنه لن يتعامل بعد الآن مع الإدارة الأميركية ووعد بأنه ستكون هناك عواقب اقتصادية كبيرة على واشنطن.
وفي التفاصيل، كان الرئيس الأميركي جو بايدن تعهد في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي بفرض “عواقب” على السعودية بسبب قرارها في إطار تحالف “أوبك+” بتقليص إنتاج النفط مع ارتفاع أسعار الطاقة، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، واقتراب الانتخابات في الولايات المتحدة.
وفي إشارة إلى مدى جدية تهديد الأمير الذي عرضت له الوثيقة المسربة، أشارت الصحيفة إلى أن بايدن لم يقم بتنفيذ تهديده وبأنه ما من عواقب فرضت على السعودية وعلى العكس، استمر التواصل الرسمي الفاعل بين مسؤولي البلدين الذي كان آخره زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى مدينة جدة هذا الأسبوع.
الصحيفة قالت إنه من غير الواضح ما إذا كان التهديد الذي أطلقه ولي العهد وجه مباشرة للمسؤولين الأميركيين أم أنه التقط عن طريق التنصت الإلكتروني.
الجدير بالذكر أن المعلومات الأميركية السرية التي سربت، وشملت قضايا كبرى من بينها الحرب في أوكرانيا، كانت نشرت على شبكة التواصل الاجتماعي “ديسكورد” Discord والمشتبه الرئيس في هذا الأمر هو عامل شاب يبلغ من العمر 21 سنة ويعمل في الحرس الوطني الجوي الأميركي.
متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، قال لـ”واشنطن بوست” شرط عدم ذكر اسمه: “ليس لدينا معلومات حول مثل هذه التهديدات من السعودية”. وأضاف: “عموماً، تمثل مثل هذه الوثائق لحظة معينة في وقت ما ولا يمكنها أن تقدم الصورة الكاملة. تواصل الولايات المتحدة تعاونها مع السعودية، وهي شريك مهم لنا في المنطقة بهدف تعزيز المصالح المشتركة ورؤية مشتركة لمنطقة أكثر أماناً واستقراراً”.
وتتابع “واشنطن بوست” بأن بايدن، الذي قال إنه سيجعل من السعودية بلداً منبوذاً أثناء حملته الانتخابية للرئاسة في عام 2019، نادراً ما يتواصل مع ولي العهد، لكن أعلى مساعديه قاموا تدريجاً بإعادة بناء العلاقات معه على أمل أن يتعاون البلدان في قضايا ملحة، بما في ذلك اتفاق السلام في اليمن والهدنة في السودان وغيرها من تحديات مكافحة الإرهاب والخلافات المستمرة حول إمدادات النفط.
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وفي مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في الرياض أمس الخميس قال: “معاً، يمكننا تحقيق تقدم حقيقي لجميع شعوبنا، ليس فقط لمعالجة التحديات أو الأزمات الحالية، ولكن لوضع رؤية إيجابية لمستقبلنا المشترك “.
لكن، وبحسب الصحيفة مجدداً، بدا أن الخلافات لا تزال قائمة عقب هذا الاجتماع بين البلدين في ما يتعلق بطموحات المملكة في مشاريع توليد الطاقة النووية السلمية، التي تعتبرها واشنطن وغيرها آخرون أمراً مهدداً لحظر الانتشار النووي.
وحول هذا الأمر أشار وزير الخارجية السعودي أنه في حين سترحب الرياض بدعم الولايات المتحدة في بناء برنامجها النووي المدني إلا أن “هناك آخرين يتقدمون بعروض”، وهو تذكير واضح بأن المملكة يمكن أن تعمق تعاونها مع الصين في هذه المجال.
الأمير فيصل بن فرحان وفي رد على سؤال بشأن حقوق الإنسان في المملكة، قال إن قادة المملكة “لا يستجيبون للضغط”، مضيفاً: “عندما نفعل أي شيء، إنما نقوم به من أجل مصلحتنا الوطنية. لا أعتقد أن أي شخص يؤمن بأن الضغط مفيد أو مساعد، بالتالي هو أمر لا نعتزم حتى التفكير فيه”.
زيارة بلينكن تأتي بعد سلسلة من الاجتماعات على مستوى عال في المملكة خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك زيارات من مستشار الأمن القومي جايك سوليفان، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، ومستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، ومساعد الرئيس لشؤون أمن الطاقة آموس هوكستاين.
الباحث في شؤون منطقة الخليج العربي بمركز ويلسون، ديفيد أوتاواي، ذكر لـ”واشنطن بوست” أن الزيارات المتزايدة للمسؤولين الأميركيين إلى السعودية تعتبر عاملاً موازناً للعلاقات الشخصية الباردة التي تجمع بايدن ومحمد بن سلمان، مشيراً إلى أن الزعيمين لم يتحدثا منذ لقائهما الأخير في يوليو (تموز) من العام الماضي.
أوتاواي أضاف أنه كان يتعين على الإدارة الأميركية “معرفة كيفية العمل مع محمد بن سلمان حتى لو لم يكن الرجلان يتحدثان إلى بعضهما بعضاً”.
وفي تسريب استخباري آخر من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حذرت وثيقة من أن المملكة العربية السعودية تخطط لتوسيع “علاقاتها التجارية” مع الصين من خلال شراء طائرات مسيرة وصواريخ باليستية وصواريخ كروز وأنظمة مراقبة من بكين. لكن المسؤولين الأميركيين قالوا بعدها إن هذه التحذيرات مبالغ فيها وإنها لم تتحقق.
بدوره وصف وزير الخارجية السعودي، خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بنظيره الأميركي يوم الخميس، علاقة بلاده بالصين، بأنها لا تمثل تهديداً للشراكة الأمنية طويلة الأمد بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
وأضاف: “الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهي أكبر شريك تجاري لنا. لذا، بطبيعة الحال، هناك كثير من التعاون المشترك، ومن المرجح أن ينمو هذا التعاون. لكن لا تزال لدينا شراكة أمنية قوية مع الولايات المتحدة التي تحدث بشكل يومي تقريباً”.