وفي شارع ضيق بمحاذاة «مصنع ابرويان للخياطة» ببرج حمود الذي اشتراه مارك حديفة وحوله صالة عرض وحفظه بالشكل الذي كان عليه، استضافت «سينما رويال»، التي انضمت ايضا إلى مجموعة آل حديفة الثقافية، العرض الاول في قاعة جهزت بكراس خشب عادية غير تلك المعتمدة في السينما، لكنها احتفظت برونق الماضي. وفي حين غابت أعمال الديكور الحديثة عنها، بدت تنتمي إلى عصر مضى، متيحة فضاءها للحياة الثقافية اللبنانية المعاصرة، شأن معمل الخياطة.
لا يروي الشريط مجريات الحرب «بل يتناول تكلفتها العاطفية والنفسية ويركز على أهمية المسامحة والتوبة»، من خلال شهادات لعدد ممن شاركوا فيها.
ويتضمن الفيلم بين مشاهده الأرشيفية مداخلات لعدد من الذين خاضوا الحرب ميدانيا، من مختلف الأطراف، أو كان أفراد من عائلاتهم من الفاعلين فيها أو من ضحاياها، وهم: كوليت طنوس وزياد صعب وإيلي أبي طايع وأسعد الشفتري ونسيم أسعد وبدري أبودياب وراتب الجيباوي ورشا الأمين ونبيل منذر وربيع المغربي وعلي أبو دهن ووداد حلواني.
حضر فريق العمل، وغالبية المشاركين، وجمهور شعر انه عبر إلى ضفة أخرى من الزمن، ربما إلى أجواء القرن الماضي وتحديدا ربعه الأخير، حيث عاش قسم منه الحرب الأهلية.
وسعى أصحاب الشهادات في الشريط وبعد انتهاء العرض إلى التوعية من تأثير الاقتتال وحمل السلاح، والتحذير من الحرب. وبثت مشاهد حية من الحرب وخصوصا معركة الفنادق، والمواجهات التي دارت في محيط فندق «هوليداي إن»، وجبهات أخرى. كما تمت الاستعانة بصور فوتوغرافية أصابت شهرة عالمية وحفرت في الذاكرة، بينها الشديدة القساوة التي دمعت بعض العيون لها.
مقاتلون من كل الأحزاب تحدثوا، بينهم فلسطيني اكتسب ثقة بالنفس بعد مشاركته في الحرب، وتناول شعوره باستعادة «الوطن الضائع».
اما ايلي أبي طايع، المحارب والقائد الميداني في حزب «الكتائب» ثم «القوات اللبنانية»، فتحدث عن تركه أسيرا من «الضفة الأخرى» لدواع إنسانية، بعد استعادة مبنى في جبهة عين الرمانة الشياح «لم اقتله، وتركته يعبر إلى الشياح».
فيما روى أسعد الشفتري الكتائبي، ثم رئيس جهاز الأمن في الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» أيام ايلي حبيقة، تجربته في قتل الضحية الاولى، مشيرا إلى انه تأكد من أنه (الضحية) غير بريء.
في الشهادات الأخرى، كلام عن ان «من يتحلى بالانسانية لا يقاتل ويقتل». وتكرار لحكاية الحرب وفيها «اذا لم تقتل تتعرض للقتل». فيما تناول مقاتل آخر موضوع «تحول الانسان إلى آلة قتل». وهذا المقاتل نال الحصة الأكبر في الشريط، وقال في خلاصة للحرب «اتفقنا (النواب اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية) على وقف اطلاق النار، لكن الحرب لم تنته». وتوجه إلى أولاده في بلاد الاغتراب بالقول «الوطن للحياة، ويجب ان نعيش فيه، والا نتعاطى معه كفندق سياحي». وكرر الأمل بغد أفضل.
في الجانب المسيحي، برزت مقاتلة حملت السلاح وروت اللحظة الأشد تأثيرا في مسيرتها القتالية حين نزلت السلم في المبنى الذي تقطنه، وقت أحجم رفاقها عن ذلك. «قررت المواجهة بدل انتظار اقتحام مقاتلين من الجهة الأخرى وتصفيتنا. نزلت السلم من شدة الخوف، ولكنني في النهاية خرجت إلى الشارع ورحت أطلق النار بغزارة».
وتناولت وداد حلواني اختفاء زوجها عدنان، مشيرة إلى تصديقها في بداية الأمر انه سيعود بعد دقائق او ساعات قليلة «وقد مضت أربعة عقود ومازلت انتظر معرفة شيء ما، بعدما تبلغنا اننا لن نحصل على إجابات تتخطى وجود مقابر جماعية».
أحيت اللقاء المنتجة دنيز جبور، مشيرة إلى بدء العمل في الشريط في 2011. اما شريكها جيروم غاري الذي رشحت أعماله لجوائز بينها «الأوسكار» و«ايمي» فقال انه عمل في منطقة الشرق الأوسط منذ 2004، ورأى في دعم انتاج الشريط «فكرة جيدة، اذ لدى اللبنانيين أمثولات يعلموننا إياها، الفيلم صرخة تحذير من لبنان إلى البشرية».
لعل تأخير عرض الفيلم من موعد نهاية الحرب في 13 أكتوبر الماضي، بسبب الحرب في غزة، إلى موعد ذكرى الحرب في 13 أبريل، يدعو إلى القلق، من ان يكون العرض صالحا في أي وقت وأي مناسبة.