نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمدير مكتبها في اسطنبول، كريم فهيم، قال فيه إنه خلال زيارة قام بها ثلاثة من أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى معبر باب السلامة الحدودي، يوم الأحد، وهي أول رحلة يقوم بها مشرعون أمريكيون إلى سوريا منذ عام 2018، استقبلت مجموعة من الأطفال الأيتام الوفد بالزهور أمام لافتة باللغة الإنكليزية كتب عليها “مرحبا بكم في سوريا الحرة”.
وكان الهدف من الزيارة إظهار التضامن مع الأشخاص الذين يعيشون في ظروف بائسة في مناطق تقع خارج سيطرة النظام السوري. ولكن بمقاييس الزيارات الرسمية، كانت تلك الزيارة سريعة جدا، إذ استمرت نحو نصف ساعة، على مرمى البصر من الحدود التركية. وكان المشرعون الجمهوريون، وهم النواب: فرينش هيل (من أركنساس)، وبن كلاين (من فرجينيا)، وسكوت فيتزجيرالد (من ويسكونسن)، يخططون للقيام برحلة أطول إلى عدة بلدات سورية، لكن وزارة الخارجية ألغت ذلك بسبب مخاوف أمنية، بحسب المنظمين.
وتعلق الصحيفة أن تغيير جدول الزيارة يسلط الضوء على ما يبدو، على استمرار الصراع والنهج المشوش الذي تتبناه الولايات المتحدة منه، مع أنها تعد مشاركا نشطا يحتفظ بقوات في سوريا وتفرض عقوبات واسعة النطاق على نظامها، ومراقبا عن بعد، إذ يتشكل مستقبل البلاد من قبل قوى خارجة عن سيطرة أمريكا.
بعد نصف ساعة من وصول أعضاء الكونغرس، غادروا سوريا في قافلة من السيارات المدرعة، وأزال رجل لافتة “سوريا الحرة” عن الحائط.
بعد مرور اثني عشر عاما على بدء الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد، والتي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، لا تزال سوريا منقسمة وغير مستقرة. وتسيطر قوات المعارضة على مساحة كبيرة من شمال البلاد، في حين يسيطر الأسد، الذي تحظى قواته بدعم من روسيا وإيران، على النصيب الأكبر.
ومع ذلك، فإن جيران سوريا ودولا أخرى في الشرق الأوسط – بما في ذلك أولئك الذين سلحوا المعارضة ذات يوم – يراهنون على بقاء الأسد، إما بتطبيع علاقاتهم مع نظامه، أو الإشارة إلى نيتهم القيام بذلك. ويكمن وراء إصلاح العلاقات الإحباط من أن الحرب التي لا نهاية لها في سوريا تظل مصدرا رئيسيا لعدم الاستقرار الإقليمي.
كما وانقلبت المشاعر في لبنان وتركيا ضد ملايين اللاجئين السوريين، وبدأت الحكومتان بترحيلهم إلى بلادهم، على الرغم من اعتراضات جماعات حقوق الإنسان. ويكافح الأردن ودول الخليج العربي تدفق مخدرات الكبتاغون، وهو الأمفيتامين غير القانوني الذي يتم إنتاجه في سوريا ويتم توزيعه من قبل حلفاء الأسد.
وعارضت إدارة بايدن تطبيع العلاقات مع النظام السوري وحذرت شركاءها الإقليميين من القيام بذلك. وقال النائب فرينش هيل في مقابلة بعد الرحلة: “لكن الأمر قد تم”، في إشارة إلى الترحيب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية في أيار/ مايو. “فكيف يمكننا إذن استخدام النفوذ الأمريكي لتشجيع التغيير الحقيقي؟”.
وتابع هيل: “بصفتي أحد أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، فأنا غير متأكد من سياسة إدارة بايدن تجاه سوريا أو أهدافها”. وقال إن زيارته إلى سوريا، إلى جانب رحلات أخرى إلى عواصم إقليمية خلال الأشهر القليلة الماضية، بما في ذلك بغداد والرياض “تساعدني في التفكير في الأسئلة الصحيحة التي يجب طرحها، وما هي الطريقة الصحيحة لصياغة” نهج لمقاربة الصراع.
وشهدت مناطق الجنوب السوري، خلال الأسابيع القليلة الماضية احتجاجات ضد الأسد، وذلك بسبب قرار خفض الدعم عن الوقود.
وأشارت الصحيفة إلى أن القوى التي تعصف بالبلاد ليست سياسية فقط، ففي شباط/ فبراير، قتل آلاف الأشخاص عندما ضرب زلزالان تركيا وشمال سوريا. وسلط تأخر الاستجابة الإنسانية العالمية للمأساة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة الضوء على المنطقة الرمادية القانونية التي أصبح شمال غرب سوريا يعيشها، فهي محظورة على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بسبب وجود الجماعات المسلحة، ولكنها موطن لملايين السوريين الذين يزعم المجتمع الدولي أنه يدعمهم.
وعلى بعد أميال قليلة من المعبر الحدودي، على طريق كان من المقرر أن يسلكه المشرعون، يوم الأحد، أقيمت مخيمات مؤقتة في بساتين الزيتون لإيواء المشردين بسبب الزلازل. وكانت 42 عائلة تعيش في خيام، العديد منها من بلدة جنديرس المدمرة. وقد نزحوا أكثر من مرة منذ عام 2011.
قال محمد عيسى عيسى، الذي عمل كمدير للمخيم، وهي وظيفة غير مدفوعة الأجر، لأن المكان لم يكن له راع أو اعتراف رسمي: “ذهبت إلى 500 مكان”. لم يسمع أحد في المعسكر عن زيارة الأمريكيين، أو يبدو أنه يهتم كثيرا بحدوثها.
وقالت رقية محمد، وهي من سكان المخيم، إن عائلتها تكافح من أجل البقاء على الراتب الذي يتقاضاه زوجها من إعداد وجبات الطعام لأفراد الجيش السوري الحر، أحد مجموعات الثوار. يصل راتب زوجها إلى 1000 ليرة تركية، أو حوالي 37 دولارا، شهريا. لقد كانت هي وعائلتها في المخيم لمدة ثمانية أشهر، وسيكونون في أماكن مماثلة، حسب اعتقادها، “حتى نموت”.
وقال هيل إنه حتى مع اختصار رحلته، تمكن وفد الكونغرس من مقابلة الأشخاص الذين كانوا يعتزمون رؤيتهم في سوريا، بما في ذلك عمال الإنقاذ المعروفين باسم الخوذ البيضاء وأعضاء المعارضة السياسية السورية، وهم جزء من الأصوات المناصرة لمقاربات مختلفة للصراع.
وأضاف أن مسؤولين عربا أبلغوه بأن التطبيع يهدف إلى الحد من نفوذ إيران في سوريا، من بين أهداف أخرى. لكن مضيفي أعضاء الكونغرس، يوم الأحد، المنظمة السورية للطوارئ، دعوا إلى اتخاذ موقف متشدد ضد نظام الأسد، وانتقدوا موقف إدارة بايدن.
وفي حفل عشاء مساء الأحد في تركيا حضره أعضاء الكونغرس، سمعت مسؤولة في وزارة الخارجية وهي تسأل النساء اللاتي يحتفظن بقوائم الضيوف عما إذا كان هناك أي “ممثلين عن الجماعات المسلحة” – منشغلة على ما يبدو بالتأكد من أن العشاء لن يتسبب بشكل أو بآخر بإحراج للولايات المتحدة – فقيل لها إنه لا يوجد.
قال هيل للجمهور عندما دعي إلى المنصة: “اعلموا أن الشعب السوري لديه صديق في واشنطن العاصمة، نريد أن نرى السوريين يعودون إلى قراهم”.