ليس سبتمبر اللبناني شهراً عادياً في روزنامة 2024 التي انطبعتْ بيومياتِ «المشاغَلة» على جبهة الجنوب (انطلقت في 8 أكتوبر 2023)، فهو «يودي» إلى بدايةِ «خريفٍ مخيفٍ» سيكون حاسماً في تحديد اتجاهات الملف الأخطر الذي يُخشى أن ينقل البلادَ من ضفة حربٍ محدودة إلى مواجهةٍ أوسع تَسْبق تهدئةً «منظّمة»، كما الأزمة السياسية الأكثر تعقيداً التي تحتجز الانتخاباتِ الرئاسيةَ خلْف متاريس من صراعٍ قديم – جديد يطلّ على ربْط «بلاد الأرز» بفوالق المنطقة وخرائط النفوذ التي تَمَدَّدَ عليها «المحور الإيراني» في العقدين الأخيرين خصوصاً.
وفي موازاة حرب الجنوب التي تكمل بعد أقلّ من أسبوع شهرها الـ 11، والمأزق الرئاسي الذي دَخَلَ أمس شهره الـ23، يلوح أيضاً من قلب الانكفاء الموقت لهدير المواجهات العسكرية شبحُ إمكان إدراج لبنان ضمن القائمة «الرمادية» التي تضم البلدان غير المتعاونة بالكامل في الاستجابة لمعالجة أوجه القصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وإذا كانت جبهة الجنوب تُسابِقُ مساراتِ هدنةٍ شائكةٍ في غزة أَدْخَلَ بنيامين نتنياهو مفاوضاتها في نفقٍ جديد بغرْز أنيابه في الضفة الغربية ويُخشى أن يستظلّ أي مرونة فيها لاندفاعةٍ عسكرية وإن غير شاملة بهدف إدراج التسوية على الجبهة اللبنانية – بقوة النار – على طاولة «وحدة الحلّ» التي ستضغط في اتجاهها واشنطن ايضاً في ضوء قلب «الساعة الرملية» لانتخاباتها الرئاسية، فإنّ الشغورَ المتمادي في الكرسي الأول في لبنان مرشّح بدوره ليكون «تحت تأثير» الأسابيع الثمانية الأخيرة من السِباق الى «البيت الأبيض»، وسط حاجةٍ إلى «ابتداعِ» مَخرجٍ يسمح بولادةٍ قيصرية للرئيس اللبناني العتيد قبل نوفمبر، تفادياً لـ «تَمَدَّدَ» الشغور إلى 2025، ويُراد بلوغُه على قاعدة الفصل الصعب بينه وبين حرب غزة ونهائياتها لبنانياً وبحيث يكون التفاهم على الشخصية التي ستدخل قصر بعبدا من ضمن «صمامات الأمان» لملاقاة الترتيبات الكبرى للمنطقة برمّتها.
وفي حين تنشدّ الأنظارُ في ما خص الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية، بالتوازي، إلى كواليس مفاوضات هدنة غزة ومجرياتِ العدوان على الضفة، كما إلى الميدان الجنوبي في ظل انحسارٍ مستمرّ للمواجهاتِ رغم الغاراتِ الحارقة الاسرائيلية على القرى الحدودية وعمليات «حزب الله» ضدّ مواقع عسكرية، وعلى وقع إعلان وزير الدفاع الاسرائيلي يواف غالانت أمس من الحدود الشمالية «أن الثمن الذي ندفعه لن يذهب سدى وسنواصل ضرب«حزب ﷲ» حتى نعيد سكان الشمال»، فإنّ «رادار» الجبهة الرئاسية عاد موجّهاً إلى حِراكٍ يُرتقب أن تستعيدَه «مجموعة الخمس حول لبنان» بحلول منتصف الجاري في مسعى متجدّد لإحداث خَرْقٍ في الجدار المسدود والذي يعمّقه توازن سلبي في البرلمان بين المعارضة وبين «حزب الله» وحلفائه يمنع أياً منهما من إيصال رئيس من دون رضى الآخَر أو أقله «عدم ممانعته».
وإذ تبقى أوساط سياسية على اقتناعها بأن أي تقدُّم في الملف الرئاسي سيبقى مستبعداً قبل انقشاع الرؤية في ما خص حرب غزة و«أخواتها»، يسود انطباعٌ بأن احتمال قُرب رسوّ هذه الحرب على حلولٍ ولو مرحلية، سيجعل «رئاسيةَ لبنان» حُكْماً تُدار بخلفيةِ مناخاتِ التسوية أو «الصفقات»، وسط تقديرٍ بأن أي تَراجُع اضطراريّ ولو «شكلي» أو «ظاهري» لحزب الله على جبهة الجنوب قد يَفتح الباب أوسع أمام مرشحه سليمان فرنجية، وذلك على قاعدة عدم إمكان تَصَوُّر أن يقدّم الحزب أو يَفقد نقاطاً على الأرض وفي السياسة معاً، وهو ما يُعتقد أن «الخماسية» تحاول تَفاديه بإصرارِها على انتزاع تسوية رئاسية من فم الحرب وتلافي جعل هذا الاستحقاق على طاولة أي مقايضات.
«الخماسية»
وكان لافتاً في الأيام الأخيرة، وفي موازاة الكلام عن مشاورات سعودية – فرنسية ستُستعاد في الساعات المقبلة في الرياض (والأخيرة وباريس جزء من الخماسية مع كل من واشنطن والقاهرة والدوحة) حيال الملف الرئاسي، مواقف أطلقها السفير المصري في لبنان علاء موسى أكد فيها «ان الأمر بات ملحاً لإحداث شيء ملموس في هذا الملف، وعسى الفترة المقبلة نجد سبيلاً لإعادة الحوار حوله، والبحث في التفاصيل وصولاً لشيء ملموس لانتخاب رئيس للجمهورية».
وكشف موسى لموقع «أساس» أنّ «سفراء الخماسية يفترض أن يعودوا إلى لبنان الأسبوع الطالع، على أن تعود اللجنة لتجتمع قريباً لتقويم مسارها والجهود التي حصلت في الأشهر الماضية»، موضحاً أنّه «بعد انتهاء المرحلة الأخطر يوم الأحد الماضي (بين حزب الله واسرائيل)، والعودة إلى قواعد الاشتباك التي كانت قبل التصعيد الأخير، فإنّنا نتّجه إلى تفعيل عمل الخماسية والحوار مع القوى اللبنانية وصولاً إلى شيء ملموس لأنّ البلد مقبل على ملفّات بحاجة إلى حلول، وكلّ شيء يبدأ من رئاسة الجمهورية»، مضيفاً: «حديثنا مع الأطراف اللبنانية، منها الثنائي الشيعي، يخلص إلى رغبة الجميع بانتخاب رئيس. لكنّ الجميع يريد أن يحدث خرقاً بشروطه. ونحن علينا كلجنة خماسية أن نتحاور مع القوى للوصول إلى تسوية مقبولة من الجميع لأنّه لا أحد يمكنه أن يكسب كلّ شيء في لبنان».
وفي موازاة ذلك، عَكَسَ التمترسُ المستمر بين رئيس البرلمان نبيه بري (ومن خلفه حزب الله) والمعارضة حيال الحوار الذي يصرّ عليه الثنائي الشيعي كممرٍّ إلزامي لفتْح البرلمان أمام جلسات انتخابٍ بدورات متتالية، أن طريق الحل مازال مزروعاً بالألغام والأشواك.
قوى المعارضة
وبعدما كرّر بري السبت «توجيه دعوة مفتوحة للحوار أو التشاور لأيام معدودة تليها دورات متتالية بنصاب دستوري، وتعالوا غداً إلى التشاور تحت سقف البرلمان وصولاً إلى رئيس وطني جامع في هذه اللحظة التي يحتاجها لبنان»، ردّ نواب قوى المعارضة بالتذكير بـ «أننا طرحنا خريطة طريق للتشاور تحت قبة البرلمان»، تتلخص باقتراحين «الاول يقضي بتشاور النواب لمدة 48 ساعة في المجلس النيابي دون دعوة رسمية أو مأسسة يذهب بعدها النواب، الى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، دون إقفال محضر الجلسة، والثاني بأن يدعو رئيس المجلس الى جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، ويقوم النواب بالتشاور بعد دورتها الأولى لمدة أقصاها 48 ساعة، ثم ينتقلون الى الاقتراع في دورات متتالية بمعدل 4 دورات يومياً»، ومشيرين إلى «أننا عرضنا هذه الخريطة على مختلف الكتل النيابية باستثناء كتلتي «أمل» و«حزب الله» اللتين رفضتا التشاور».
وأضافوا: «كنواب قوى المعارضة نؤكد ضرورة حضورنا الى المجلس لعقد جلسة عامة مفتوحة طال انتظارها لانتخاب رئيس ينطلق بعد دورتها الاولى التشاور الذي تحدث عنه رئيس المجلس تليه دورات متتالية بنصاب دستوري دون إفقاده من أي طرف كان».
وبات واضحاً أن موقف غالبية المعارضة الرافض لتفرُّد «حزب الله» في جرّ لبنان إلى حربٍ لا علاقة له بها يُشكّل عنصراً إشكالياً إضافياً يُعمّق تعقيدات الأزمة الرئاسية ويجعل السير بمرشح «الممانعة» أمراً مستحيلاً من خصوم حزب الله، كما التخلّي عنه من الحزب خطوةً لا يُمكن أن تكون معزولة عن «الأخذ والردّ» في ما خص جبهة الجنوب و«العوائد» منها.