مدير معهد المشرق للدراسات الاستراتيجية الدكتور سامي نادر يؤكد لـ”المركزية” ان “لبنان لا يحتمل بالطبع الدخول في أي مواجهة عسكرية. والعملية التي حصلت عام 2006 ودمّرت البنى التحتية اللبنانية وبلغت كلفة إصلاحها نحو 10 مليارات دولار، كانت أقل من المتوقع حالياً، وحصلت بعد عملية خطف مواطنين اسرائيليين. اليوم اسرائيل في وضعية مختلفة، وهي امام نكبة حقيقية، وأصبح وجودها على المحك، وبالتالي فإن الضربة التي تلقتها السبت 7 اكتوبر مختلفة، والعنف الذي نشهده وسنشهده في الأيام المقبلة لا يُقارن مع ما رأيناه سابقاً”.
لكن هل الوضع خطير اليوم؟ نعم خطير يجيب نادر، “ففي ظل الانسداد الحاصل اليوم، خاصة وأن كلا الطرفين ذاهب دون النظر الى الخلف، قد يجر لبنان فينزلق في المواجهة. لو كانت الأمور لدى “حزب الله” فقط وبيئته، فأنا أقول بأن الجميع مدرك خطورة الوضع الداخلي، وبأن لبنان لا يملك مقومات الصمود التي كانت لديه عام 2006. وقتها لم يكن “حزب الله” قد تورّط في سوريا او انقلب عليه العرب وقسم كبير من اللبنانيين. لبنان عام 2006 كان في وضعية تختلف عما هو عليه اليوم عربياً وسُنياً ان جاز التعبير، بالاضافة الى الأزمة الاقتصادية التي اتت لاحقاً وأنزلت لبنان الى الحضيض، وأصبح 80 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، ولم يعد يحلو لا لأهل الجنوب ان يتهجروا مجددا ولا للبنانيين الذين يتنفسون من “قلة الموت” ان يفطسوا حتى الرمق الأخير. بعدها جاءت قضية انفجار مرفأ بيروت وتلتها الثورة عام 2019 وملفات الفساد… إذاً اليوم الوضع، أكان في البيئة الحاضنة لبنانيا واسرائيلياً، مختلف”.
ويضيف نادر: “هذا من جهة، لكن من جهة أخرى، ماذا لو قامت اسرائيل بهذه العملية، ووجدت ايران نفسها على وشك أن تخسر كل الاستثمارات التي قامت بها ليكون لها موطئ قدم في فلسطين، هل تخاطر بهذا الأمر وتدفع “حزب الله” الى فتح جبهة مُسانِدة؟ هذا سؤال. إذاً الاحتمال الاول هو ان تلجأ ايران من أجل تخفيف الضغط على غزة ومحاولة إنقاذ وتوسيع ميدان العملية للمحافظة على استثماراتها، الى فتح جبهة لبنان، خاصة وان المناوشات التي رأيناها في الايام الأخيرة على الحدود مع اسرائيل، رغم أنها لم تتخطَ قواعد الاشتباك لكنها تدل الى ان هناك جهوزية حربية عند الطرفين، وان الجبهة ليست هادئة وليست مُطبَّعة وهي مُرشَّحة للاشتعال في أية لحظة”.
ويتابع: “أما الاحتمال الآخر الموجود على الطاولة، والذي يشكل مصدر قلق، فهو الخشية من فشل العملية في غزة، لأن هناك قرارا اسرائيليا اليوم بالقضاء على حماس، او ان تتعثر العملية البرية او ان تكون كلفتها باهظة، وبالتالي تلجأ اسرائيل الى فتح جبهات أخرى. أو ان تقدّر اسرائيل ان كلفة العملية في غزة باهظة، فتلجأ الى ساحات انتقام بديلة، قد تكون الضفة الغربية او لبنان او ايران او سوريا في الحد الادنى، لكن سوريا لن توجع ايران كغيرها من الساحات، وبالتالي تحقق أهدافا استراتيجية بغية إحضار كل الأفرقاء الى الطاولة”.
ويشير نادر الى ان “هذا الاحتمال لا يمكن إلغاؤه من الحسبان خاصة وأننا رأينا في اليومين المنصرمين في صحيفة “وول ستريت جورنال” واليوم في الصحافة الاوروبية، أن هذه الحرب تقدّم نفسها كما لو أنها تخطت حرب اسرائيل – حماس وأصبحت حربا مع ايران، وبدأنا نشهد صدور تقارير وأصوات بهذا الاتجاه، حتى وزير الخارجية الاميركية انتوني بليكن قال “ليس لدينا دليل لكن واشنطن لا تستبعد ان تكون ايران متورطة”. إذاً ايران اليوم تحت المجهر، وهذا ما يزيد القلق والمخاطر ولذلك يجب ان تعلو أصوات تطالب بتحييد لبنان عن هذا الصراع لأن المخاطر حقيقية”.