لم يعد خبر توقف شركة طيران أجنبية عن تسيير رحلات إلى مطار بيروت، حتى موعد محدد أو إلى إشعار آخر، مفاجئاً، بل بات خبراً عادياً مثله مثل التطورات الميدانية اليومية التي دخلها “الروتين الإخباري”، باستثناء الضربات الكبرى مثل اغتيال إسرائيل للقيادي في “حزب الله” فؤاد شكر الثلاثاء الـ30 من يوليو (تموز) الماضي.
شركات أوقفت رحلاتها
إن أردنا تعداد شركات الطيران الأجنبية التي أوقفت رحلاتها إلى لبنان مرحلياً قلقاً من أي تصعيد ميداني كبير، فالقائمة تطول، ومن ضمنها مجموعة الخطوط الجوية الألمانية “لوفتهانزا”، شركة “إير فرانس” الفرنسية، الخطوط الجوية السويسرية، وشركة طيران “صن إكسبرس”، الخطوط الجوية الكويتية والخطوط الجوية الأردنية، قبل أن تعود المملكة وتعلن استئناف الرحلات إلى بيروت، فيما ألغت شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية بعض الرحلات وعدلت توقيت بعضها الآخر، تماهياً مع ضرورات التأمين.
وفيما باتت حركة الطيران باتجاه مطار بيروت عند أدنى مستوياتها، في المقابل ارتفعت بصورة كبيرة أعداد المغادرين، خوفاً من تفجر الوضع، وهنا يقول المتابعون إنه وخلال أسبوع فحسب، مقارنة بالأيام السابقة في شهر يوليو الماضي، تراجعت حركة القادمين بنسبة 21.5 في المئة، وارتفعت حركة المغادرين بنسبة 18 في المئة، وحالياً يشهد المطار تراجع الوافدين من 14 ألفاً في اليوم إلى قرابة 8 آلاف.
وسط هذه الأجواء، وفيما يترقب لبنان رد “حزب الله” على مقتل شكر، وما قد ينتج من هذا الرد من تصعيد من جانب إسرائيل، طرح كثر أسئلة حول ما إذا كان مطار رفيق الحريري الدولي، وهو المطار الوحيد في لبنان، قد يقفل أبوابه نهائياً؟
السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات
يقول وزير الأشغال والنقل السابق غازي العريضي في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن ما يحصل حالياً هو أن مطار رفيق الحريري الدولي اتخذ الإجراءات الاحترازية الممكنة والضرورية في هذه المرحلة الحساسة، بخاصة أن موضوع المطار والطيران وسلامة المسافرين مرتبطين بصورة مباشرة بشركات التأمين، ونحن ملزمون باتخاذ إجراءات احترازية معينة، حتى إن لم تأت أية إشارة من شركات التأمين لوقف الرحلات.
يلفت الوزير السابق إلى أن الإجراءات العملية اليومية لا تزال قائمة في المطار وتسير بصورة طبيعية، وأن الموظفين يأتون إلى عملهم، أما القلق العام فهو من إسرائيل ومن إمكانية استهداف إسرائيل للمطار فهو موجود دائماً وقائم منذ زمن وليس فقط اليوم، والتهديدات التي تصدر عن المسؤولين الإسرائيليين بضرب مطار بيروت ليست جديدة، بل تتكرر مع كل تطور ميداني مهما كان، أي إنه ضمن بنك الأهداف في لبنان التي قد تستهدفها إسرائيل.
أما عن إمكانية إقفال المطار الوحيد في لبنان إن ساءت الأوضاع أكثر، فيقول العريضي إن هذا الأمر يعود إلى اللحظة التي تقيم وتقدر فيها التطورات الميدانية، وهذا مرتبط بصورة مباشرة بحماية الطائرات والموظفين والمسافرين، لأن حتى شركات الطائرات معنية بسلامة طائراتها وسلامة المسافرين، مستذكراً ما حصل في حرب يوليو عام 2006، عند أخرجت الطائرات اللبنانية وتوقف الموظفون عن الحضور قبل ساعات قليلة من ضرب إسرائيل للمطار، وبذلك تجنبنا خسائر مادية وبشرية كبيرة. وأضاف “في ظل هذه الحرب كل المؤشرات تؤكد أن السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات، وأنا لست على اطلاع على خطة الوزارة الحالية للتعامل مع أي طارئ كبير، ولكن من المفترض أن ثمة خطة جاهزة، بخاصة لناحية تأمين بديل إن توقف مطار بيروت لمرحلة ما”.
ويختم الوزير السابق بالتأكيد أن حركة الطيران في كل أنحاء العالم تشهد إجراءات مشابهة باستمرار بهدف الحفاظ على طائراتها وتعليق الرحلات ثم استئنافها مرتبطان بتقدير الوضع على أساس الناحية العلمية المنهجية، وقال “التدابير المتخذة اليوم طبيعية وغير مستغربة، لكن لا نعلم إلى متى ستستمر”.
في الأثناء تتوالى أيضاً تحذيرات العواصم الغربية لرعاياها لمغادرة لبنان على الفور ومنها الولايات المتحدة وسويسرا وكندا وفرنسا وبلجيكا والنرويج وغيرها.
وكان لافتاً إلى أن شركات طيران عدة كانت أوقفت أيضاً رحلاتها إلى تل أبيب، ومنها الشركة البريطانية “بريتيش إيرويز”، وشركة “يونايتد إيرلاينز” وخطوط “دلتا” الجوية و”دلتا إيرلاينز” الأميركيتين.
نعي الموسم السياحي
وعلى رغم أن اقتصاد لبنان كان يعول على الموسم السياحي الحالي، يبدو أن حسابات الميدان تعلو فوق كل الحسابات الأخرى، وفي هذا الإطار نعى رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر موسم الصيف 2024، معتبراً أن “لا فرص للموسم الحالي، وإذا توافرت فهي بعيدة جداً، حيث لا نلحظ أي تطور إيجابي وسط كل التهديدات التي توجه للبلد من كافة الجهات والتي تؤكد أن الحرب لا تزال طويلة”.
ولفت إلى أن “الحرب هي أول عدو للسياحة كون السياحة تتطلب الأمن والاستقرار والأمان، واليوم لبنان في حال حرب، بالتالي على رغم الجهود التي قمنا بها نحن نتراجع إلى الخلف”.
الخسائر السياحية
وتكشف تقارير صادرة عن اقتصاديين عن أن الخسائر السياحية في الموسم الحالي والموسم الشتوية الماضي، أي منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة والتطورات جنوب لبنان، تقدر بثلاثة إلى أربعة مليارات دولار، بين عائدات سياحية وخدمات مختلفة ذات صلة.
وعلى رغم أن المعارك في الأشهر السابقة كانت تدور رحاها في الجنوب بقيت حركة مطار بيروت شبيهة إلى حد كبير بحركة عام 2023 في الأشهر السابقة، وبلغ عدد الوافدين خلال يونيو (حزيران) من العام الحالي نحو 406 آلاف و396 مسافراً، بينما كان العدد خلال عام 2023 نحو 427 ألفاً و854 مسافراً، لكن الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية لبيروت قلبت كل الموازين بالنسبة إلى السياحة وأدخلت العاصمة في وسط الميدان.
ولبنان يعتمد إلى حد كبير وبنسبة تزيد على ثلثي الناتج القومي على قطاع السياحة وعلى تحويلات المغتربين الذين يرسلون لذويهم الأموال بالعملة الصعبة، إذ يقدر حجم قطاع السياحة بحدود 6.5 مليار دولار، كما أن حركة التحويلات السنوية هي في حدود 6.7 مليار دولار، بالتالي يبلغ المجموع 13.2 مليار دولار من أصل 20 مليار دولار هو حجم الناتج القومي اللبناني .
تاريخ مطار بيروت
مطار بيروت الدولي أو مطار رفيق الحريري هو المطار الوحيد في لبنان، أنشئ في ثلاثينيات القرن الماضي، وشكل محوراً للنقل الجوي في الشرق الأوسط خلال الستينيات والسبعينيات، لكن دوره تراجع خلال سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، وأعيد بناؤه في التسعينيات، لكن تدهورت الأوضاع في العقد الأخير بسبب الفساد والمحاصصة السياسية. واستهدف المطار في الحرب الأهلية وفي حروب سابقة مع إسرائيل، منها آخر حرب دارت بين “حزب الله” وإسرائيل عام 2006.