وكشفت مصادر نيابية لـ “اندبندنت عربية” أن بري أبلغ أعضاء هيئة المكتب أن هناك مساع يبذلها “حزب الله” مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي لتستعيد الحكومة المبادرة، وفي المقابل يدور حديث عن اتفاق ضمني بين الثنائي الشيعي ورئيس الحكومة لإلغاء التمديد لقائد الجيش إرضاء لـ “التيار الوطني الحر”، ضمن سيناريو يقضي بطلب الحكومة سحبه من مجلس النواب وتمريره مجدداً في جلسة حكومية، لعلمهم المسبق أن القرار سيكون عرضة للطعن من قبل وزير الدفاع موريس سليم.
يذكر أن مجلس الشورى قد لا يصدر قراره بالمراجعة في الطعن أو قبوله قبل انتهاء ولاية قائد الجيش، وهو ما يعني عدم وجود ضابط على رأس القيادة العسكرية بعد الـ 10 من يناير المقبل، مما قد يفرض صدور قرار من وزير الدفاع بتكليف ضابط بمهمات القيادة العسكرية، وهو السيناريو الذي يسعى رئيس التيار النائب جبران باسيل إلى تنفيذه منذ البداية عبر تكليف الضابط الأعلى اللواء بيار صعب، المحسوب عليه، بقيادة الجيش.
وخرج رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بتصريحات اليوم انتقد فيها قائد الجيش، معتبراً إياه ينفذ سياسة الغرب في ما يخص “حزب الله” وإسرائيل، قائلاً إنهم “يخالفون القانون بالتمديد، وحتى لو عدلوه فإنهم يخالفون لأنهم يغيرون القانون وفق مصلحتهم، وموقف التيار مبدئي وثابت ولا علاقة له بشخص العماد جوزيف عون”.
وأضاف، “نرفض التمديد للعماد عون أيضاً حرصاً على المؤسسة العسكرية، لأن الشخص المعني عسكري ويجب ألا يدخل هذه المؤسسة في السياسة”، مشيراً إلى أنه “خان الأمانة بعدم تصديه للاعتداء على المؤسسات”، مستدركاً “هناك ضغط دبلوماسي وأمني خارجي للتمديد له، ونحن نرفض ما يفرضه الخارج علينا”.
وبلغ إلى مسامع القوى السياسية أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتجه نحو الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء يوم الجمعة المقبل تحضيراً لإقرار تأجيل تسريح قائد الجيش بعد سحبه من مجلس النواب، في نية مبيتة لقطع الطريق على التمديد، وسُجل اتصال بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي خصص للتشاور في كيفية متابعة هذه المستجدات.
وكان النائب المستقل ميشال ضاهر أول من كشف عن السيناريو الذي يتم العمل عليه سراً، وكتب على صفحته بموقع “إكس”، “يدور همس عن فكرة في السر يدرسها بعضهم لتجنب الإحراج في موضوع التمديد لقائد الجيش، عبر طرحه في مجلس الوزراء وترك باب الطعن مفتوحاً، وما تعتقده هذه القوى (تخريجة) نعتبره تهرباً مقصوداً ومفضوحاً من تحمل مسؤوليتها الوطنية وإخراجاً ضعيفاً”.
وترافقت هذه الأجواء مع ما نقلته مصادر نيابية التقت مسؤولين في “حزب الله” من أن الحزب لا يريد خسارة باسيل ولن يسمح بأن تسجل “القوات اللبنانية” نقطة على خصمها المسيحي، خصوصاً أنها كانت رأس حربة في المطالبة بالتمديد لقائد الجيش حفاظاً على المؤسسة العسكرية.
وكشفت المصادر عن أن “حزب الله” يعمل على تأمين نصاب جلسة مجلس الوزراء لإقرار التمديد لعون، على خط وزراء “التيار الوطني الحر” من جهة، وعلى خط وزيري تيار “المردة “من جهة أخرى، الذي قد يعطل النصاب غيابهم إذا أصر “التيار الوطني الحر” على مقاطعة الجلسة الحكومية.
ميقاتي لم ينف
واستغرب حزب “القوات اللبنانية” في بيان صدر عن الدائرة الإعلامية للحزب دعوة الرئيس ميقاتي إلى جلسة لمجلس الوزراء، “هي ظاهرياً للتمديد للعماد عون لكن فعلياً لقطع الطريق على هذا التمديد”، واعتبر الحزب أن “مجلس الوزراء سيقدم على خطوة غير قانونية الهدف منها فقط قطع الطريق على التمديد الفعلي في مجلس النواب، لأن التمديد في مجلس الوزراء يتطلب توقيع وزير الدفاع، وكما هو معلوم فليس بهذا الوارد”.
ورد المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة على بيان “القوات اللبنانية “ولم ينف نياته عقد جلسة لمجلس الوزراء، لكنه استغرب الكلام عن أن الهدف منها هو لقطع الطريق على التمديد.
وكشف بيان رئاسة الحكومة أن تأجيل تسريح قائد الجيش من خلال مجلس الوزراء سيكون لستة أشهر، فيما اقتراح “القوات اللبنانية” يقضي بالتمديد لعام، والأمران لا يتعارضان مع بعضهما بعضاً.
وأكد بيان رئاسة الحكومة أن “الرئيس يدرك ما هو فاعله لمصلحة الوطن وصون المؤسسة العسكرية، وعلى الأطراف السياسية كافة، ومن بينها ’القوات اللبنانية‘ أن تدرك جيداً ما تفعله، وأن تتعاون في ما بينها لإقرار القوانين التي تحصن البلد، بعيداً من الحسابات والاعتبارات الشخصية”.
وردت الدائرة الإعلامية في “القوات اللبنانية” على بيان رئيس الحكومة، وجددت اتهامها ميقاتي بتضييع فرصة التمديد في مجلس النواب، وفي الوقت نفسه إبطال التمديد في الحكومة، ونص البيان أن “الطريقة الوحيدة الباقية هي ترك مجلس النواب ليقر قانون السن الحكمي للتقاعد، وما هو خلاف ذلك خطة مدبرة ومكشوفة ويتحمل من يعبث بالاستقرار مسؤولية إسقاط التمديد”.
لماذا الطعن ممكن؟
يعتبر قانونيون أن تأجيل التسريح أو التمديد لقائد الجيش في مجلس الوزراء أمر غير قانوني بالمطلق حتى لو جاء بناء على اقتراح وزير الدفاع، لأن سن التسريح حدد بقانون الدفاع الوطني، ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يعدل القانون كون ذلك ليس من صلاحياته ما لم يكن هناك نص قانوني يجيز له ذلك.
ويؤكد الخبير الدستوري سعيد مالك أن أي قرار تأخذه الحكومة في شأن تأجيل تسريح قائد الجيش سيكون قابلاً للطعن أمام مجلس شورى الدولة، لا سيما أنه ليس من اختصاص الحكومة النظر في تأجيل التسريح، وهذه صلاحية مناطة حصراً بوزير الدفاع موريس سليم.
ويضيف مالك أن “أي قرار يصدر عن الحكومة يجب أن يأتي بناء على اقتراح الوزير المعني أي وزير الدفاع، إضافة إلى أن أي قرار يمكن أن يصدر عن الحكومة يجب أن يراعي قانون الدفاع، وأن أي قرار يجب أن يصدر بمرسوم وأن يذيل بتوقيع وزير الدفاع، وهذا ما لن يقدم عليه الوزير”.
ولكل هذه الأسباب، يتابع مالك، “سيكون قرار تأجيل التسريح الصادر من الحكومة معرضاً للطعن أمام مجلس شورى الدولة، مما سيفرغ المؤسسة العسكرية من قيادتها”.
ورداً على سؤال عن إمكان الطعن أيضاً في قرار التمديد الصادر عن مجلس النواب، يوضح مالك أن تجنب الطعن في هذه الحال ممكن إذا أحسن مجلس النواب صياغة قانون يبعده من إمكان الطعن فيه أمام المجلس الدستوري، عبر اعتماد صيغة نهائية تتسم بالشمولية والعمومية وليس بالشخصانية والفردية، خصوصاً أن هناك مصلحة عليا تتمثل في الحفاظ على الوطن والعباد.
محاولة اشتراكية للحل
وفي جانب المطالبين بالتمديد لقائد الجيش حفاظاً على المؤسسة العسكرية يقف الحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي رفض رئيسه السابق وليد جنبلاط عرضاً قدمه له “حزب الله” بتعيين رئيس للأركان يمكن أن يتولى مهمات قيادة الجيش، وأصر “الاشتراكي” على احترام إرادة البطريرك الماروني في التمديد للقائد الحالي ورفض التعيين في ظل الشغور الرئاسي.
ويؤكد النائب هادي أبو الحسن أنه يعمل على إيجاد صيغة حل تجنب قرار التمديد في مجلس النواب الطعن من خلال دمج اقتراحات القوانين الست المتعلقة بالتمديد لجعلها أكثر شمولية، فتسمح بالتمديد عاماً لكل الإداريين والضباط والقادة الأمنيين الذين يبلغون سن التقاعد عام 2024. ويؤكد أبو الحسن أنه سيتواصل مع الكتل النيابية لتحضير الأجواء قبل الجلسة التشريعية الخميس حتى يصار في النقاش إلى تبني هذا الطرح.
وكشف أبو الحسن لـ “اندبندنت عربية” عن وجود سيناريو يقضي بسحب التمديد من مجلس النواب إلى الحكومة، لكنه توقع إجهاضه بمجرد خروجه إلى الإعلام، متسائلاً “هل يحملها ميقاتي ويقف في وجه البطريرك الماروني وغالبية القوى المسيحية والسنيّة والدرزية التي تنادي بالتمديد لقائد الجيش، فيطيّر فرصة حقيقية للتمديد في مجلس النواب”.
ماذا عن النواب السنّة؟
وعلى اختلاف مواقعهم السياسية تجمع غالبية النواب السنّة على دعم التمديد لقائد الجيش خلال المرحلة الحالية، وقلة منهم من التغييريين لن تشارك في جلسة غد الخميس انسجاماً مع قرار رفض التشريع، لأن مجلس النواب وفق الدستور هيئة ناخبة.
وفي المقابل كشفت مصادر نيابية أن نواب “كتلة صيدا” سيشاركون في الجلسة ويصوتون لمصلحة التمديد إذا بقي البند مدرجاً على جدول الأعمال، وأكد النائب وضاح الصادق على الحاجة إلى الحفاظ على الأمن من خلال التمديد لقائد الجيش، وكشف عن أنهم يدرسون بجدية ودقة حضور الجلسة التشريعية غداً الخميس لأنهم يضعون مصلحة اللبنانيين فوق كل اعتبار.
وفي جهة حلفاء “حزب الله” يؤكد النائب فيصل كرامي لـ “اندبندنت عربية” تمسكه بضرورة التمديد لقائد الجيش، إذ بقي كرامي على موقفه على رغم زيارات رئيس “التيار الوطني الحر” المتتالية لإقناعه، ويؤكد أنه بين التمديد والشغور يختار التمديد منطلقاً في موقفه من رفضه أن يصبح الجيش من دون قائد، أو أن يتسلم القيادة ضابط غير مسيحي.
وأكد كرامي أن تكتل “الوفاق الوطني” الذي يضم النواب عدنان طرابلسي وحسن مراد ومحمد يحي وطه ناجي سيتخذ الموقف نفسه خلال جلسة الخميس.