النازحون السوريون في لبنان موجودون لأسباب سياسية، فهل من المعقول أن يعودوا لبلدهم بإجراءات تنفيذية غير مدعومة بقرارات سياسية من البلدان والمؤسسات الدولية المعنية؟
أول المعنيين هو النظام السوري الذي لم يقدم على أية خطوة إيجابية ضمن “اللجنة الدستورية” التي تشكلت عام 2019 بتفويض من القرار (2254)، وحددت مساراً وجدولاً زمنياً لصياغة دستور جديد برعاية الأمم المتحدة بواسطة مبعوثها غير بيدرسون الذي بدا يائساً في تقريره أمام مجلس الأمن في أبريل (نيسان) الماضي.
كذلك تملص الرئيس بشار الأسد من تنفيذ ما اتفق عليه في قمة جامعة الدول العربية التي انعقدت في جدة خلال يونيو (حزيران) 2023 والتي أفضت إلى تشكيل “اللجنة السداسية”.
تلك القمة التي حضرها الأسد بعد غياب 12 عاماً اتفقت على اعتماد منهجية “خطوة مقابل خطوة” لسبر غور صدقية الأسد في القضايا الملحة، ومنها ضبط تهريب “الكبتاغون” ومباشرة إعادة النازحين وخطوات الحل السياسي وفقاً للقرار الدولي رقم (2254).
هذه “اللجنة السداسية” (السعودية ومصر والعراق والأردن ولبنان والجامعة العربية) التي تتابع التزام النظام السوري بتلك القضايا لم تجتمع سوى مرة في أغسطس (آب) 2023، ولم يقدم النظام على أية خطوات إيجابية في القضايا الثلاث الملحة، وهي تهريب “الكبتاغون” وإعادة النازحين وإطلاق مسار العملية السياسية للحل النهائي.
وإذا كان من أسباب قبول حضور بشار الأسد القمم العربية هي محاولة منحه فرصة للعودة إلى “الحضن العربي”، فهو في “قمة جدة” ذاتها رفض مقولة “العودة للحضن العربي”، باعتبار أن سوريا “قلب العروبة النابض”، وبينت الأحداث التي تلت صيف عام 2023 التصاقه بإيران، وكل ما أقدم عليه عربياً هو بعض التنسيق الاستخباري مع عدد من دول الخليج.
وبينما تنصاع الحكومة اللبنانية لشروط النظام السوري وموقفه من “مؤتمر بروكسل” الذي سيبحث قضية النازحين السوريين في لبنان أواخر مايو (أيار) الجاري، كان الأجدى برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن يسائل دمشق عن أسباب ضربها عرض الحائط بكل ما طلبته منها “اللجنة السداسية”.
كل هذه الأمور تظهر غياب أية إرادة أو مشروع سياسي لحل أزمة النازحين، سواء عند النظام السوري الذي يريد رفع العقوبات الدولية عنه كأحد شروط قبوله بمبدأ عودتهم، أو لدى الأوروبيين الذين ينحصر همهم بمنع تدفقهم إلى دولهم، أو عند الحكومة اللبنانية التي خفضت مستوى تمثيلها في “مؤتمر بروكسل” من رئيس حكومة إلى وزير خارجية، انصياعاً لموقف النظام السوري و”حزب الله” اللذين يريدان استعمال ورقة النازحين لعودة التطبيع مع الغرب.
تالياً تبدو خطوات ترحيل مئات النازحين تحت ضغط المعارضة اللبنانية ذراً للرماد في العيون، وتهرباً من مسؤولية الحكومة بإقرار خطة واضحة تذهب بها إلى المراجع الدولية المعنية، وتقضي مثلاً بنقل النازحين إلى مخيمات آمنة في الداخل السوري.
وبدلاً من ذلك، وإمعاناً في تكريس صورة “الدولة الفاشلة”، اقترح “حزب الله” فتح البحر أمام النازحين السوريين كوسيلة ابتزاز في وجه الأوروبيين، ولا يضير “حزب الله” أن يصبح لبنان “دولة مارقة” تعتمد إجراءات لا يقرها المجتمع الدولي، ولكن حتى “الابتزاز البحري” قد ينفع لو كان لبنان في قوة تركيا ومكانتها الدولية، والتي هددت سابقاً بتدفق اللاجئين إذا لم تحصل على ما تريده من أموال ثمناً لبقائهم على أرضها.
ولبنان مختلف عن “المثل التركي”، فأنقرة لا تطرح ترحيلهم بل قبض ثمن بقائهم الموقت، وهي أصلاً قادرة على الترحيل إلى مناطق سورية لها فيها وجود ونفوذ، وسبق أن أقدمت على خطوات ترحيل جزئية.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كشف عن أن كلفة اللاجئين المباشرة من دول الجوار الأفريقي وسوريا واليمن داخل مصر 10 مليارات دولار سنوياً، وقالت عضوة البرلمان المصري ألفت المنزلاوي إن “الوضع بات يتجاوز ما يمكن قبوله بالنظر إلى موارد الدولة المصرية والأعباء التي تواجهها”، وتقدر الأعباء التي تحملها لبنان بنحو 55 مليار دولار، في دولة موازنتها السنوية أقل من 3 مليارات دولار، وقرارها السياسي بيد “حزب الله” الذي يملك حلولاً بحرية غابت عن بال دولتين على البحر الأبيض المتوسط، بحجم مصر وتركيا.