صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

هل نحن أمام حقبة جديدة من الرحلات الفضائية فائقة السرعة؟

بين محل للطباعة ومتجر لقطع غيار السيارات في منطقة صناعية في مدينة بلتشلي الإنجليزية، تعكف مجموعة من المهندسين على تطوير محرك صاروخي يعمل بدرجة حرارة تفوق حرارة الشمس. أمر من شأنه، إذا كتب له النجاح، أن يقلص زمن الرحلة إلى كوكب المريخ من أشهر إلى أسابيع، مؤذناً بعصر جديد من السفر إلى النجوم.

بعد ما يربو على عقد من الزمن عمل خلاله العلماء على تطوير المحرك، لم تخضع التكنولوجيا الأساسية للتجربة بعد، ولكن شركة “بلسار فيوجن” Puslar Fusion الناشئة في المملكة المتحدة تدعي أنها على أعتاب إنشاء أول محرك صاروخي عملي للاندماج النووي في العالم.

منذ خمسينيات القرن الـ20، تركت مسألة تسخير إمكانات الاندماج النووي العلماء في حيرة من أمرهم، علماً أن معظم التركيز كان منصباً على معرفة سبل استخدامه في توليد الكهرباء. أما هذه العملية فتشتمل على محاكاة التفاعلات الطبيعية عينها التي تأخذ مجراها داخل الشمس بغرض إنتاج طاقة تكاد لا تنضب، موفرة ما وصفه البعض بـ”الكأس المقدسة” للطاقة النظيفة [لأنها لا تتطلب وقوداً أحفورياً ولا تخلف أي نفايات خطرة على النقيض من أساليب إنتاج الطاقة النووية الحالية].

في العام الماضي، نجح باحثون في “مختبر لورانس ليفرمور الوطني” في كاليفورنيا بالولايات المتحدة للمرة الأولى في إنتاج رصيد صاف في الطاقة في عملية اندماج نووي، مستخدمين الليزر لدمج ذرتين ضوئيتين في ذرة واحدة بغية إطلاق طاقة أكبر من الطاقة المستعملة في الإشعال التشغيلي للاندماج. ووصفها عالم الفيزياء آرثر توريل بأنها “لحظة تاريخية”، مدعياً أن التحكم في مصدر طاقة النجوم يعتبر “أعظم تحد تكنولوجي واجهته البشرية على الإطلاق”.

في الواقع، كان هذا الإنجاز، المعروف باسم الاشتعال (ignition)، بمثابة علامة فارقة نحو جعل الاندماج النووي مصدر طاقة قابلاً للتطبيق، وتجديد الاهتمام بهذا المجال، بيد أن توسيع نطاق هذه التكنولوجيا ورفع مستواها من التجارب في المختبر إلى تطوير محطة تجارية لتوليد الطاقة باستخدام الاندماج النووي بقي خطوة بعيدة المنال.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

ربما يسبق ذلك، وفق “بلسار فيوجن”، صاروخ يعمل بالاندماج النووي، يسعه أن دفع الأشخاص والحمولات حول النظام الشمسي وخارجه. وبسبب الأحوال المواتية في الفضاء الخارجي، الذي يوفر فراغاً شبه مثالي ودرجات حرارة شديدة البرودة، ربما تكون العملية الصعبة لاحتواء البلازما الذرية الفائقة الحرارة داخل مجال كهرومغناطيسي أسهل بأشواط مما هي عليه على الأرض.

وفي تصريح لـ”اندبندنت”، قال كارل ويتل، بروفيسور في المواد الخالية من الكربون والطاقة النووية في “جامعة ليفربول” البريطانية، إن “التصاميم الصغيرة من المفاعلات النووية الجديدة التي جرى تطويرها هنا في المملكة المتحدة، يسمح باستخدامها في تشغيل الرحلات إلى الفضاء. من شأن هذا المصدر من الطاقة أن يفسح في المجال أمام الاستكشافات الأوسع داخل النظام الشمسي، مع إمكانية استخراج موارد حيوية من أجرام فضائية كالكويكبات.”

وصناعة الفضاء المزدهرة، المدفوعة بالاهتمام المتجدد من جانب الوكالات الحكومية وظهور شركات خاصة على غرار “سبيس إكس” SpaceX و”بلو أوريجين” Blue Origin قادت في السنوات الأخيرة إلى توظيف استثمارات ضخمة في تطوير صواريخ الاندماج النووي، وإلى النهوض ببحوث كبيرة حولها.

ريتشارد دينان، مؤسس “بولسار فيوجن”، وبعدما أعلن أن شركته قد بدأت، أخيراً، في بناء منشأة يبلغ طولها ثمانية أمتار، ويأمل في أن تحتضن المحرك لأول صاروخ على الإطلاق يعمل بالاندماج النووي، قال في يوليو (تموز) الماضي، إن “البشرية في حاجة كبيرة إلى دفع أسرع في اقتصادنا الفضائي المتنامي”، موضحاً أن “الاندماج النووي يوفر قوة تعادل ألف مرة قوة الدفعات الأيونية التقليدية المستخدمة حالياً في المدار”.

وأضاف “باختصار، إذا نجح البشر في الوصول إلى الاندماج النووي للحصول على الطاقة، فإن الدفع الاندماجي في الفضاء واقع لا محالة. وفي اعتقادنا، فإن الدفع الاندماجي في الفضاء سيتحقق قبل عقود من إمكان تسخير الاندماج النووي لإنتاج الطاقة على الأرض”.

وتبلغ السرعة القصوى النظرية لمثل هذا الصاروخ نحو نصف مليون ميل في الساعة (800 ألف كيلومتر في الساعة)، مما سيسمح للمركبة الفضائية ببلوغ المريخ في أقل من 30 يوماً. تذكيراً، تستغرق تكنولوجيا الدفع الصاروخي الحالية سبعة أشهر لإنجاز الرحلة نفسها، معرضة رواد الفضاء لمخاطر صحية مثل الإشعاع الفضائي [ارتفاع أخطار الإصابة بالسرطان] ومواجهة فترات طويلة من الجاذبية الصغرى [ضمور عضلات الجسم وتغيرات سيئة في القلب والأوعية الدموية واضطرابات في نظام التوازن في الأذن الداخلية ومشكلات في العينين].

سبق أن حصلت “بولسار فيوجن” على تمويل من وكالة الفضاء البريطانية وحكومة المملكة المتحدة لتطوير نظام دفع يشتغل بالاندماج النووي، إضافة إلى تدفق الإيرادات من المنتجات الحالية التي طورتها.

وتدعي الشركة أنها ستحقق الأرباح بحلول عام 2025 من طريق تصنيع تكنولوجيات عدة من بينها أجهزة دفع تتميز بقوة تأثير مهولة، وتستخدم بشكل أساس لمناورة الأقمار الاصطناعية الموجودة في مدارات حول الأرض، ولكن يمكنها أيضاً أن تستعمل في خدمة المركبات الآلية في الفضاء السحيق.

كذلك أعلنت الشركة الناشئة، أخيراً، عن دخولها في شراكات بحثية مع جامعة “ميشيغان” الأميركية و”برينستون لأنظمة الأقمار الاصطناعية”، وهي شركة متخصصة بالفضاء الجوي، وكشفت عن عزمها بدء تجارب التشغيل الثابت [على منصة الإطلاق] لمحركها الصاروخي ذي الاندماج النووي المباشر في العام المقبل. في مرحلة لاحقة، يمكن الانتقال إلى العرض التوضيحي في المدار في وقت مبكر بحلول 2027. ويمكن لإمدادات الوقود الذاتية الاكتفاء أن توفر من الناحية النظرية كلاً من قوة الدفع للمركبة الفضائية والكهرباء على متنها.

تحدثت في هذا الشأن ستيفاني توماس، نائبة رئيس شركة “برينستون لأنظمة الأقمار الاصطناعية” فقالت “إن وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” مهتمة بمجموعة متنوعة من الوجهات في الفضاء البعيد، مثل الوصول إلى كوكب “المشتري” Jupiter في غضون سنة واحدة، ونظيره “زحل” Saturn في سنتين، ثم “بلوتو” Pluto في أربع إلى خمس سنوات. ولحسن الحظ، يستطيع محرك اندماج مباشر واحد بقدرة واحد ميغاواط التعامل مع أي من هذه المهام”.

إنها مهمة جسيمة، ومن دون شك شاقة جداً بالنسبة إلى القادة الحاليين في شركات الفضاء في القطاع الخاص. مثلاً، يصف إيلون ماسك محركات الصواريخ الاندماجية النووية بـ”الفكرة العظيمة”، ولكن ليس في جعبة “سبيس إكس” أي خطط لتطوير هذه التكنولوجيا، أقله ليس في العلن.

عموماً، تدرك الشركات والمؤسسات البحثية الأخرى العاملة في مجال الاندماج النووي إمكانية استخدام التكنولوجيا في عملية تسريع قوة دفع المركبات الفضائية، بيد أنها تركز بشكل أكبر على تحقيق أقصى استفادة منها كمصدر للطاقة المستخدمة على الأرض بدلاً من الوقود للرحلات الفضائية بين المجرات.

ولكن “يواجه تطوير صاروخ الاندماج النووي ثلاثة تحديات رئيسة”، كما علمت “اندبندنت” من دينيس وايت، بروفيسور في العلوم النووية ومدير “مركز علوم البلازما والاندماج” في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (MIT)، مضيفاً أن “التحدي الأول مألوف عموماً بالنسبة إلى الاندماج النووي، وهو الحصول على مكسب صاف مرتفع جداً من الطاقة”.

“أما العقبة الثانية فتتمثل في وجود صعوبة خاصة في الدفع النووي. معلوم أن الجسيمات الناتجة من الاندماج النووي تتسم بسرعات عالية جداً، لذا فإن استخدام جسيمات الوقود الاندماجي النووي في هذا النظام وإطلاقها من الجزء الخلفي من الصاروخ ربما يتسبب بخسارة الوقود غير المحترق. ويتعلق التحدي الثالث بالتوصل إلى النسبة الصحيحة من الصيغة الحسابية “القوة إلى الكتلة”، علماً أنها تشكل المقياس الأساس في ما يتعلق بكفاءة الصاروخ”، أضاف البروفيسور وايت.

ولكن على رغم هذه التحديات، يبقى الاندماج النووي التكنولوجيا الوحيدة من بين التكنولوجيات التي نعرفها حالياً التي تسمح للبشر بمغادرة نظامنا الشمسي في هذا القرن. ربما يبدو وجود المقر الرئيس لشركة “بلسار فيوجن” على بعد 200 متر فقط من متجر “بريمارك” للملابس، مكاناً مشؤوماً لتحقيق مثل هذا المسعى الطموح، ولكنها لن تكون المرة الأولى التي تشهد فيها بلتشلي تحقيق إنجازات عصية على التصديق وقادرة على تغيير مسار تاريخ البشرية.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading