في السادس من يونيو (حزيران) المقبل يلتقي الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون في الذكرى الـ80 لنزول الحلفاء على شواطئ نورماندي لتحرير أوروبا من الغزو النازي في الحرب العالمية الثانية. أكبر هجوم بحري في التاريخ أطلق عليه اسم overlord، أما يوم الإنزال الشهير فعرف بـ”عملية نبتون” وDay – D.
ونقلت وسائل الإعلام أن محادثات الرئيسين الأميركي والفرنسي على هامش الاحتفال ستتضمن مسألتي لبنان وغزة. هذه المناسبة تعيد إلى ذاكرة اللبنانيين وقائع اللقاء الذي جمع الرئيسين الأميركي السابق جورج بوش الابن والراحل جاك شيراك في ذكرى “نورماندي” ذاتها قبل 20 عاماً بالتحديد. وهناك من يقول إن البند اللبناني في ذلك اللقاء كان من أسباب اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
ففي عام 2004 كان قد مضى أربعة أعوام على انسحاب إسرائيل من لبنان، وعام على غزو العراق، وكبرت كرة الثلج المطالبة بانسحاب جيش النظام السوري القابض على أنفاس اللبنانيين. وعلى رغم أن الحريري أدى أدواراً عدة في محاولات تحسين العلاقات الفرنسية- السورية، فإن تعاظم الخلافات بين الحريري وبشار الأسد على خلفية تمديد ولاية الرئيس اللبناني إميل لحود، أسهم في توسيع شقة الخلاف إلى درجة اتهام الحريري بأنه يسعى إلى رفع الهيمنة السورية عن لبنان متوسلاً جاك شيراك في مسعاه.
يذكر أن شيراك كان من أشد معارضي بوش بعد قراره باجتياح العراق قبل اجتماعهما على هامش احتفالات “نورماندي”. في مذكراته يورد بوش أنه فوجئ أثناء اللقاء في أوائل يونيو 2004 بوجود مساحة للاتفاق مع شيراك “لقد أثار موضوع الديمقراطية في الشرق الأوسط، واستعددت أنا لمحاضرة أخرى، لكن شيراك تابع قائلاً، في هذه المنطقة ديمقراطيتان فقط، واحدة قوية في إسرائيل وأخرى ضعيفة في لبنان”.
ويضيف بوش أن شيراك أسهب في وصف معاناة اللبنانيين تحت الاحتلال السوري الذي يختلس أموال اللبنانيين ويقضي على تطوير الديمقراطية. وفي الاجتماع اقترح شيراك على نظيره الأميركي منع الهيمنة السورية في لبنان فرد بوش “أنا وافقت على الفور، واتفقنا على أن ننتظر الفرصة لتقديم قرار في مجلس الأمن، وفي 2004 أتاح لنا الرئيس اللبناني إميل لحود، وهو دمية سورية، الفرصة، عندما أعلن تمديد ولايته، في انتهاك للدستور اللبناني”.
يقر بوش أن واشنطن وباريس كانتا وراء القرار الأممي 1559، في الثاني من سبتمبر (أيلول) 2004. هذا القرار الذي قدمته فرنسا إلى مجلس الأمن طالب بانسحاب الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. يضيف بوش “لمدة ستة أشهر، تحدت سوريا هذا القرار، وفي الـ14 من فبراير (شباط) 2005، دمرت سيارة مفخخة ضخمة موكب رفيق الحريري، رئيس حكومة لبنان السابق، والمؤيد للاستقلال. كل الدلائل أشارت إلى مؤامرة سورية، فاستدعينا سفيرتنا لدى دمشق، ودعمنا تحقيقاً دولياً”.
استمر الضغط الأميركي والفرنسي الذي واكب تظاهرات المعارضة المنددة بالنظام السوري، وبحسب بوش هذا الضغط أوصل الرسالة إلى السوريين “فسحبوا جنودهم من لبنان مع حلول أبريل (نيسان) 2005”.
إذاً، هل يعيد لقاء يونيو المقبل بين بايدن وماكرون تجربة بوش وشيراك، لناحية تنفيذ القرار 1559، الذي يتضمن نزع سلاح “حزب الله” والذي جاء أيضاً في مندرجات القرار 1701 القاضي بانسحاب مسلحيه من الحدود إلى وراء نهر الليطاني؟ بغير الموقف الكلامي من المستبعد أن يعيد التاريخ نفسه.
أميركا وفرنسا هما الطرفان الدوليان العاملان على خط إيجاد ترتيب سياسي لتنفيذ، ولو مجتزأ، للقرار 1701 بعدما فتح “حزب الله” في الجنوب جبهة “إسناد” لحركة “حماس”، وفي ضوء فشل أي ترتيب سياسي لوقف التصعيد، قد يشكل لقاء بايدن وماكرون أرضية لعدم الخلاف الأميركي- الفرنسي على ما قد تؤول إليه الأوضاع في الجنوب، كما حصل في مسألة العراق عام 2003.