صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

هل كان رئيس “نيسان” الهارب كارلوس غصن ضحية أم مجرما؟

بقلم : تشارلوت لايتون - مع صدور وثائقي جديد على "أبل تي في بلس" يعاين مسيرة تحول رئيس تنفيذي لشركة نيسان – رينو" من قطب أعمال عالمي إلى هارب دولي، نتحدث إلى مخرج السلسلة جيمس جونز عن واحدة من أغرب فضائح عالم الأعمال في الذاكرة الحديثة

كانت خطة هرب غاية في البساطة لدرجة أنها لا تصدق: قطب الأعمال الذي فر من سلسلة تهم أنهت حياته المهنية في اليابان، هرب على متن طائرة خاصة بينما كان مختبئاً في صندوق معدات موسيقية. على كل حال، ترك فرار الرئيس التنفيذي لشركة “نيسان-رينو” كارلوس غصن عام 2019 العالم يتساءل أمراً واحداً خلال السنوات الخمس الماضية: هل هو ضحية أم مجرم؟

وفقاً للمخرج جيمس جونز (مخرج وثائقي “تشيرنوبيل: الأشرطة المفقودة” Chernobyl: The Lost Tapes)، هذا هو السؤال الملح في صميم “مطلوب: هرب كارلوس غصن” Wanted: The Escape of Carlos Ghosn، السلسلة الوثائقية المكونة من أربع حلقات التي سيبدأ بثها على منصة “أبل تي في بلس” في الـ25 من أغسطس (آب). تتابع الحلقات مسار رجل الأعمال اللبناني – الفرنسي – البرازيلي من مكانة بطل قومي في فرنسا واليابان وما وراء ذلك وصولاً إلى هارب دولي، من خلال مقابلات مع غصن نفسه والرجال الذين ساعدوه في الهرب ومجموعة من الشخصيات الرئيسة داخل شركة “نيسان” والنظام القضائي الياباني.

كان غصن في أوج تألقه وقت إلقاء القبض عليه في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018. مترئساً التحالف بين شركات صناعة السيارات الفرنسية “رينو” و”نيسان” و”ميتسوبيشي” اليابانية قبل عقد من الزمان ومحققاً إنجازات تمثلت بتوفير مصاريف بـ3 مليارات يورو (ما يعادل 2.6 مليار جنيه استرليني) أكسبته لقب “قاتل الكلفة”، قاد غصن شركة صناعة السيارات العملاقة هذه بسلطة بدت وكأنها لا غبار عليها.

لكن في حين أن غصن رفض لسنوات مفاوضات الاندماج، قائلاً إن الشركات تستطيع العمل معاً ولكن ليس كشركة مندمجة، يبدو أن نبرته [في الفترة الأخيرة] تغيرت – مما أثار الرعب بوضوح في رؤساء “نيسان” الآخرين. بدأت الجهود السرية للإطاحة به (أجري تحقيق داخلي باسم “كالي” تيمناً بـ إله الموت والدمار الهندوسي)، مما أدى إلى اعتقاله في مطار هانيدا بطوكيو في أكتوبر، واصطحب من المدرج إلى مكتب المدعي العام وبعد فترة وجيزة إلى السجن.

في الوثائقي، يقول غصن البالغ من العمر الآن 69 سنة لجونز “انهار العالم كله بالنسبة إلي”. أطلق هذا الاعتقال الأول ما يشبه لعبة الفأر والقط، والمستمرة منذ نصف عقد من الزمن، مع الحكومة اليابانية لكنها تجاوزت الحدود الدولية وأنظمة العدالة. كانت المزاعم التي يصفها غصن بأنها “زائفة للغاية، وملفقة للغاية، وغير عادلة” صادمة منذ البداية، فهو كان غصن قطباً دولياً أشادت به مجلة “تايم” باعتباره واحداً من أكثر رجال الأعمال احتراماً في العالم عندما زج به في السجن فيما بدا أنه تهمة بانتهاك إجراءات رسمية. أخبرني نيك كوستوف، مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” ومؤلف مشارك لكتاب “بلا حدود: صعود وانهيار وفرار كارلوس غصن” Boundless: The Rise, Fall and Escape of Carlos Ghosn “كان الأمر كما لو أنه أخذ وأزيل من على وجه الأرض… لم يبد أن هناك أحداً في فرنسا، أو حتى في اليابان، يعرف ما كان يجري”.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

في اليابان، يمكن احتجاز المشتبه بهم لمدة تصل إلى 23 يوماً من دون تهمة، ولا يمتلكون حقاً قانونياً في الاتصال بمحام أثناء استجوابهم، كما أن الزيارات العائلية قد تكون محظورة أيضاً (غالباً ما يشار إلى هذا النظام باسم “عدالة الرهائن”). بمجرد مرور هذا الإطار الزمني، يمكن أن يواجه المشتبه به إعادة اعتقال لمخالفة أخرى وتبدأ العملية من جديد. إذا وجهت لائحة اتهام ضد شخص ما بارتكاب جريمة، فإن الحكم يعتبر نتيجة مفروغاً منها، إذ من المرجح أن يقوم محامو الدفاع بتدريب موكليهم على الاعترافات أكثر من التماس البراءة.

خلال فترة “التعذيب” التي قضاها في السجن، خضع غصن للاستجواب ما بين 12 و14 ساعة في اليوم ويعود في الفواصل للحبس الانفرادي. تعرض للمعاملة نفسها مساعده الأساسي، غريغ كيلي، الذي قال إن المديرين التنفيذيين لـ”نيسان” حثوه على السفر بشكل طارئ إلى اليابان بذريعة اجتماع عاجل عليه حضوره بشكل شخصي بينما كان ينتظر موعداً لإجراء جراحة في العمود الفقري في الولايات المتحدة.

اعتقد غصن ومحاموه أنه سيطلق سراحه في الوقت المناسب لحضور أعياد الميلاد، وشرعوا في التخطيط لطريق العودة لفرنسا، وفقاً لما وافقت عليه حكومة إيمانويل ماكرون مع نية العودة لليابان لإجراء محاكمة. بدلاً من ذلك، قبل أقل من ساعة من موعد الإفراج عنه بكفالة، أعيد القبض على غصن بتهمة خيانة الأمانة، وهي المرة الثانية في سلسلة من السجن والإقامة الجبرية التي ستستغرق أشهراً. في السادس من مارس (آذار) جرت الموافقة على استئنافه الثالث للإفراج عنه بكفالة في مقابل 9 ملايين دولار (7 ملايين جنيه استرليني) وبشرط أن يظل تحت المراقبة بالفيديو على مدار الـ24 ساعة، وألا يكون لديه اتصال بالإنترنت، وألا يسافر خارج البلاد. في الشهر التالي، ألقي القبض عليه للمرة الرابعة.

أثناء إنتاج السلسلة، كان جونز، الذي أخرج وثائقي “وفقاً لأوامر الرئيس” On the President’s Orders الصادر عام 2019، حول حروب المخدرات في الفيليبين، “مقتنعاً من ناس مطلعة على الأمور بوجود مؤامرة لإسقاط [غصن]” وأن التهم الأولى كانت “ملفقة وأن معاملته بدت غير متناسبة”، لكن هذه القسوة الواضحة في وقت مبكر تعني أن المحققين “واجهوا مزاعم أكثر خطورة بكثير من استخدامه أموال الشركة لدفع أموال لأشخاص ثم استرداد مبالغ مماثلة بطريقة معقدة للغاية”، كما يقول جونز، مما أدى إلى توجيه اتهامات “من نوع مختلفة تماماً” بإساءة استخدام أصول الشركة لتحقيق مكاسب مالية شخصية.

غصن، الذي شملت ميوله لأفخر الأشياء إقامة حفلة عيد ميلاد زوجته الـ52 في قصر فرساي على أطراف باريس وشراء يخت فاخر، نفى بشدة كل التهم المتعقلة به ولا يزال يعتقد أن “المؤامرة” ضده دبرت من “الرجال القدامى في نيسان” بالتواطؤ مع مكتب المدعي العام في طوكيو “من أجل منع اندماج نيسان ورينو. لكن آخرون لا يرون اتهامات غصن المتعلقة بتقليل دخله المعلن، وغسل الأموال المزعوم وإساءة استخدام أصول الشركة بالطريقة نفسها تماماً. يقول جونز: “ربما كان يعتقد أنه أكبر من الشركات وأنه أنقذها من الانقراض… وبالتالي يمكنه اللعب وفقاً لقواعده الخاصة”.

ربما كان هذا الاحتمال الذي سيدفع غصن بالتجرؤ على مشروعه عالي الخطورة: الفرار من اليابان كلياً. كان مايكل تايلر اتصل به، وهو عنصر سابق في القوات الخاصة في الجيش الأميركي له صلات واسعة بلبنان، وكانت زوجته ترتبط بقرابة بعيدة بغصن. تايلر، الرجل المعتاد على التخطيط لمهمات الهرب، عرض وابنه بيتر أن يجعل هرب غصن عمليتهم الأحدث. كان يعلم أن أمتعة الواصلين على متن طائرة خاصة إلى أوساكا تفحص لكن المغادرين لا يخضعون للفحص. تطلبت خطته أعصاباً من فولاذ: سيهرب غصن في صندوق معدات موسيقية مصنوع خصيصاً مع ثقوب محفورة في جوانبه للتهوية. بحلول ذلك الوقت، في أواخر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019، كان غصن الذي أفرج عنه بكفالة “مستعداً للمخاطرة… لم أهتم بنسبة [النجاح]. كنت مهتماً بهذه الفرصة فقط”.

وهكذا رتبت المهمة: ستقلع الطائرة من مطار كانساي الدولي في أوساكا عند الساعة 11 مساء، بعد وقت قصير من هبوطها هناك، تاركة أضيق مجال ممكن للخطأ. كان الانتظار لا يطاق، تعرض غصن للتأخير على مدرج المطار، وراح الرجل الراقد في حيز مغلق ومظلم لمدة نصف ساعة “يقول لنفسه ’يا إلهي، لقد كشفوا الخطة. سأموت في اليابان‘”. هبطوا أولاً في تركيا قبل أن يصعدوا طائرة أخرى متوجهة إلى لبنان الذي لا يرتبط مع اليابان بمعاهدة لتسليم المجرمين – وأصبح غصن حراً.

يقول كوستوف عن جرأته المطلقة “أحد الجوانب العبقرية للهرب هو أنه كان بسيطاً جداً”. بالنسبة إلى أنصار غصن، فإن هذا التصرف الجريء سلط الضوء فقط على شجاعته، في حين أن منتقديه كانوا أقل إعجاباً، إذ رأوا تلك الواقعة الهوليوودية كمثال آخر على تهرب الأثرياء من العدالة. يقول كوستوف “أحد أكثر الأشياء الرائعة في هذه القصة بأكملها هو شخصية غصن، لأنه رجل متطرف… أعتقد أنه يتمتع بصفات هائلة وأيضاً عيوب كبيرة”. أحد عيوبه هو عدم القدرة على التأمل الذاتي، فمن وجهة نظره “هو ضحية بنسبة 100 في المئة، لم يرتكب أي خطأ. ولا يشعر بأي ندم… [لكنه] قام ببعض الأشياء التي تحتاج إلى إجابات، ولذا أعتقد أنه ليس بريئاً تماماً من اللوم في المسألة برمتها. لكن هذا ليس شيئاً تحدث عنه أو حتى فكر فيه على الإطلاق”.

لدى الآخرين ما يتجاوز الظنون القليلة حول كيف سارت الأمور لاحقاً، وبالتحديد تايلر. عند عودته للولايات المتحدة، سلم مع ابنه إلى اليابان إذ حكم عليهما بالسجن لمدة عامين و20 شهراً على التوالي. قضى كلاهما فترات طويلة في الحبس الانفرادي، وهي إحدى المحاولات العديدة التي قام بها السجن “لكسرهما”، أمر تايلر الأب بتمزيق قطع صغيرة من الورق لساعات في كل مرة إلى أن انتشرت بثور دم كثيرة تحت أظافره، وتعرض إلى قضمة الصقيع بسبب المنشأة غير المدفئة. وأثناء وجوده هناك، علم أيضاً أن والده كان يحتضر، لكن لم يسمح له بالاتصال به وهو على فراش الموت.

أدى نقل هذه المعاملة إلى محاميهما في النهاية إلى سماح السلطات اليابانية للمتهمين بقضاء نهاية عقوبتيهما في الولايات المتحدة، مع إطلاق سراح بيتر أواخر العام الماضي، ووالده في الأول من يناير (كانون الثاني). يقول مايكل إنه خلال كل هذا الوقت، لم يسمع هو ولا ابنه من الرجل الذي أطلقا سراحه ولم يتلقيا تعويضات عن جهودهما. يقول: “هل أشعر بالخيانة؟ قطعاً”.

ووفقاً لكوستوف، فإن العلاقة بين الثنائي تايلر وغصن “ليست رائعة”. هل يعتقد أنهما نادمان على التورط معه؟ يقول: “أعتقد أنهما يشعران وكأنهما أنقذا شخصاً تعرض للظلم… [لكن] بيتر، قضى أكثر من عام في السجن وهو في العشرينيات من عمره، وأمضى مايك أيضاً وقتاً طويلاً في السجن – لا أعتقد أنهما سعيدان للغاية بما حدث”.

من المحتمل أن يكونا أمضيا في السجن وقتاً أطول من الوقت الذي سيقضيه غصن على الإطلاق. إنه يرفض المثول للمحاكمة في اليابان، وفي حين أنه تحدث عن تلقيه “محاكمة عادلة” في فرنسا، فإن مذكرتي التوقيف الدوليتين اللتين أصدرتهما البلاد في حقه لم تنفذا بعد. في غضون ذلك، يقاضي غصن شركة “نيسان” للحصول على تعويضات بمقدار مليار دولار وهي معركة تعهد “بخوضها حتى النهاية”. سمع كوستوف إشاعات بأنه قد يذهب بالفعل إلى فرنسا، أو أنه يفكر حتى في الترشح لرئاسة لبنان. يقول: “كل هذه الاحتمالات موجودة للفصل التالي. لست مقتنعاً بأنه سيكون هناك فصل ثان، لكنه قد يوجد. وهكذا، أعتقد أن هذا يبقي الناس مهتمين”.

يقول جونز إن الأمر يعود للمشاهد ليقرر، في ظل غياب المحاكم، ما إذا كانت إجراءات غصن المالية التي تقدر بملايين الدولارات جنائية، لكنه يلحظ “لديه الفرصة للذهاب إلى فرنسا والمثول أمام المحكمة، لكن حتى يومنا هذا، لم يقم بذلك. أعتقد أنه لن يتمكن حقاً من التملص من وصف الشرير إلى أن يجيب على تلك التهم”.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading