يطمح لبنان لأن تشكل الطاقة الشمسية 30 في المئة من مجمل الطاقة المنتجة في عام 2030. وقد خطا خطوات مبشرة بحسب بيار خوري مدير المركز اللبناني لحفظ الطاقة، الذي يضع لبنان في مصاف الدول “سريعة النمو” على مستوى قطاع الطاقة البديلة. نظرياً إذا استمرت هذه الوتيرة بالتصاعد قد تجد “مؤسسة كهرباء لبنان” ذاتها في المستقبل تبحث عن زبائن ومستهلكين وتقدم لهم العروض المغرية، حتى لا يهجر اللبنانيون الشبكة الوطنية. التطور الذي شهده لبنان، يعود إلى جملة من العوامل الذاتية والموضوعية، فقد تجاوز اللبناني حذره تجاه الطاقة الشمسية. في السابق، كان التخوف من بعض القضايا التي يروج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تطاير الألواح، أو اشتعالها، ولكن مع الوقت اتضح أنها حالات محدودة جداً مقارنة بتلك الحالات التي نجحت فيها. ومن الأسباب التي جعلت المستهلك يقتنع بتركيب نظام طاقة آمن، أن التسعيرة الجديدة لكهرباء لبنان، تجاوز فيها ثمن الكيلوواط الدولار، ومن جهة ثانية، يستمر أصحاب مولدات الاشتراك الخاصة في الاحتكار، ورفع الأسعار، وباتوا أيضاً يقومون بالتقنين، أسوة بالشركة الوطنية.
الطاقة تتقدم بالأرقام
أسهم تزايد الإقبال على الطاقة البديلة في حل جزء من مشكلة تأمين التيار الكهربائي في لبنان. وقد بلغ لبنان في عام 2023 عتبة 30 في المئة من الطاقة المنتجة، في مقابل 70 في المئة طاقة تقليدية منتجة في معامل كهرباء لبنان، ومولدات الاشتراك الخاصة التي تعتمد على النفط. وتطمح الاستراتيجية الوطنية الحفاظ على هذا المستوى واستمراريته في أغسطس (آب) 2030.
فقد كان القطاع يساوي صفراً في 2010، ولكنه شهد نمواً سريعاً، واستفاد من رفع الدعم عن الكهرباء والوقود، ويطمح خوري إلى الحفاظ على حالة من الاستقرار مع زيادة الطلب المتوقعة مستقبلاً في حال استقر الوضع الاقتصادي.
يفصل بيار خوري هذه الرؤية، منطلقاً من الحقبة السابقة لأزمة الانهيار المالي في لبنان. ففي عام 2019، شهدت البلاد طلباً كبيراً على الطاقة بمعدل 3300 ميغاواط من مصادر الطاقة المختلفة، ولكن تراجع الطلب في مرحلة 2019-2022، بنحو نسبة 35 في المئة، حيث وصل الطلب إلى 1700 ميغاواط، مستدركاً “أن معامل شركة كهرباء لبنان، ومعامل مشروع الليطاني قادرة على إنتاج هذا القدر من الطاقة، ولا نرى سبباً لعدم إنتاجها الطاقة لمدة 24 ساعة”.
يفسر خوري أسباب التراجع في الطلب، ويعزوها إلى ثلاثة أسباب رئيسة، يأتي في مقدمتها “التغيير في سلوك الناس الاستهلاكي للطاقة” و”كفاءة الطاقة”، فعلى سبيل المثال، “المواطن الذي كان يستعمل مصابيح كبيرة، استبدلها بأخرى توفر الطاقة”.
أما السبب الثاني، فهو ما سماه خوري بـ”القمع الطاقوي” بسبب محدودية الدخل، حيث امتنع المواطن عن استخدام بعض الأدوات الكهربائية ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة تجنباً لارتفاع الفاتورة. وبحسب خوري “من كان يشغل عدة مكيفات في منزله على الطاقة الرخيصة والمدعومة، يفضل حالياً تحمل الحر لعدم إنفاق مدخراته المالية”، لافتاً إلى أن “هذا السلوك قد يكون طارئاً وعرضياً، لأنه عندما تتحسن قدرته المالية سيعود إلى ترفيه نفسه”.
تأتي الطاقة الشمسية لتشكل السبب الثالث لتراجع الإقبال على “كهرباء الدولة”، وتبلغ القدرة التراكمية للطاقة الشمسية المركبة في لبنان بتاريخ يونيو (حزيران) الحالي 1000 ميغاواط إضافية، وهو يغطي جزءاً كبيراً من حاجة اللبنانيين، وحل مشكلة توريد الطاقة بصورة جزئية. يصف “حجم الإنتاج” بـ”الممتاز”، ولا بد من بذل جهود إضافية للحفاظ على الرقم الإيجابي.
لا يرى بيار خوري بديلاً عن الكهرباء التي تنتجها الدولة، وتعتمد على الوقود الأحفوري في المدى المنظور، منوهاً بالدور الإيجابي الذي سيظهر في حال توصل لبنان إلى استخراج الغاز من بلوكاته البحرية.
إيجابيات الأزمة
يعتقد خوري أن “رفع تعرفة الطاقة المنتجة أحفورياً يسهم في التشجيع نحو الطاقة البديلة”، لافتاً إلى أن “هناك سياسة دولية للتشجيع على الانتقال إلى الطاقة البديلة من خلال رفع الدعم عن الطاقة الكهربائية العمومية”، وهو أمر يجب أن يترافق مع تأمين قروض ومساعدات لشراء أنظمة الطاقة المتجددة، كما ينوه بأن الموازنة العامة لعام 2022، تضمنت إعفاءات لأنظمة الطاقة البديلة، وهو أمر أسهم في تطوير السوق خلال الأزمة الراهنة.
كما يتطرق إلى مشروع قانون “الطاقة المتجددة الموزعة” الذي أقر في مجلس الوزراء، ولجنة الطاقة النيابية، ولجنة المال والموازنة، وينتظر إقراره في الهيئة العامة لمجلس النواب، حيث يفتح هذا القانون الباب أمام التعاقد مع القطاع الخاص لبيع الطاقة المنتجة من مزارع الطاقة البديلة لكهرباء لبنان، و”هذا سيشكل قفزة جيدة في قطاع الطاقة” بحسب خوري الذي يكرر أن “المدخل لأي حل مستدام في لبنان، إنما يبدأ بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وانطلاق الإصلاحات”، وتنفيذ شبكة الطاقة الذكية لمواكبة التحولات في قطاع الطاقة، وربط معامل كهرباء لبنان مع محطات الطاقة المتجددة.
الطاقة طاقات
تتعدد مصادر الطاقة البديلة المتجددة في لبنان، وهذا يقود للحديث عن “المزيج الطاقوي” الذي يمكن أن تشكل الطاقة الشمسية عماده لأنها الأسرع والأرخص. فغالبية أيام السنة في لبنان مشمسة، بالتالي فإن شحن البطاريات سيكون سريعاً. وبدأ العمل في لبنان على تعزيز طاقة المياه، وبدء الاستثمار في “طاقة الرياح” وتحديداً في محافظة عكار، حيث يوجد ثلاثة مشاريع “متوقفة” بقدرة إجمالية 226 ميغاواط وذلك لغياب التمويل الخارجي بانتظار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، كما يشير خوري إلى مصدر إضافي هو “طاقة تحويل النفايات إلى كهرباء”.
زيادة الكفاءة
مع مرور الوقت، تزداد كفاءة الطاقة الشمسية في لبنان. ويشير المهندس وائل زمرلي صاحب شركة في مجال الطاقة النظيفة إلى زيادة وعي المواطنين بأهمية الطاقة المتجددة، متحدثاً عن إقبال متزايد، وتحديداً في أوساط أصحاب المؤسسات التجارية والصناعية، كما ينبه إلى مواكبة التطور الهندسي، حيث بدأت بعض الأبنية بتأسيس قواعد مشتركة لضمان استفادة جميع السكان من أنظمى الطاقة الشمسية، لافتاً إلى أن هناك توجهاً لإقامة 11 مزرعة طاقة شمسية في مختلف المناطق اللبنانية، و”هذا التوجه أخذ في التطور على المستوى العالمي، حيث بدأنا نرى محطات عائمة أو متحركة مما يتيح مرونة أكبر في الإنتاج”.