المقطع تضمّن، في حينه، رسالةً صوتية للأمين العام لـ “حزب الله» حسن نصر الله، مقتطعةً من خطاب سابق يؤكد فيه قدرة الحزب على استهداف الأراضي الفلسطينية من تحت الأرض، حيث بدا عناصر الحزب يتجوّلون بدراجاتهم النارية، وراجمات صواريخ تتحرك هي الأخرى داخل النفق.
مكان هذا النفق الضخم بقي لغزاً، برغم انتهاء الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل بتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار. بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ظهر مقطع فيديو لمجمع عناصر يدخلون نفقاً مشابهاً. وبثت محطات تلفزيونية عدّة هذا المقطع مرجّحة أن يكون النفق الموجود في جبل القطيفة في القلمون السوري هو نفسه نفق «حزب الله» من دون القدرة على مطابقة المشاهد بين المقطعين.
«القدس العربي» قصدت منطقة القلمون لمعاينة النفق المذكور، من أجل التأكد من صحة هذه التكهنات من عدمها. ومنطقة القلمون، ضمن ريف دمشق الذي أحكمت المعارضة السورية السيطرة عليه مع بداية الثورة، لكنها فقدته بعد العام 2015 وبدأت بالتراجع إلى حين انسحابها من تلك المنطقة إلى إدلب في العام 2018.
الطريق المؤدي من دمشق إلى القلمون، عبارة عن أرض متصحّرة. تحيطها الأبنية المدمرة بالبراميل المتفجرة على الجانبين، ولم يتمكّن النظام من إعادة بنائها على الرغم من إحكام السيطرة عليها منذ قرابة 6 سنوات وأكثر. مع وصول فريق «القدس العربي» إلى القطيفة بدا على يسار الطريق معسكراً ضخماً مسيّجاً من الأسفل حتى سفح الجبل (سلسلة الجبال الشرقية الفاصلة بين لبنان وسوريا).
تلك المنطقة بدت خالية من البشر. ما خلا شخصين يقتنان في منزل متواضع قرب الثكنة العسكرية، أكدا أنّ النفق موجود في بطن الجبل المذكور، لكنّ الصعود إلى مدخله هو أمر مستحيل من دون الحصول على ترخيص خاص من مخفر البلدة، ومواكبة أمنية لدخوله، وذلك لأنّ مسلحي «هيئة تحرير الشام» لديهم تعليمات بإطلاق النار على كل من يقترب من تلك المنطقة، نظراً لأنها منطقة تحوي أسلحة استراتيجية بقي الجيش الإسرائيلي يراقبها ويستهدفها منذ سنوات.
المفرزة التي هرب منها عناصر وضباط الجيش السوري النظامي، وحلّ مكانهم مقاتلون من «هيئة تحرير الشام» رفض مرافقة «القدس العربي» إلى الجبل، وطلبوا الحصول على الإذن من المخفر قبل البحث بأي أمر آخر. وهو ما أضطر فريقنا إلى زيارة مخفر القطيفة الذي أكد رئيسه أنّ إصدار الإذن أمر مستحيل.
ورئيس المخفر، هو رجل خمسيني من إدلب، يطلقون عليه لقب «الشيخ». يبدو ابن المنطقة ومقاتلاً جلفاً، وله هيبة ترعب جميع العناصر في المركز. وأكد الشيخ أنّ «التقارير التي انتشرت في الأيام الأولى من سقوط النظام، تسببت باستهداف الجبل حيث مكان النفق من العدو الإسرائيلي لمدة 3 أيام متتالية» ولهذا «يستحيل أن أمنحكم أي ترخيص لزيارته. فذاك الجبل يخفي في بطنه أسلحة بآلاف الأطنان قد تؤدي إلى دمار قرية القطيفة كلها».
أحد أهل البلدة من بين الذين لم يتركوها خلال الحرب، يدعى رأفت أكد لـ “القدس العربي» أنّه زار النفق في اليوم الأول لسقوط النظام وفرار عناصر الجيش. وشاهد بداخل النفق آليات ضخمة عبارة عن قاذفات صواريخ «سكود» والعديد من الشاحنات. ورأفت أكد أن كبر النفق يفوق التصوّر، وأنه ليس النفق العسكري الوحيد في القلمون. بل هناك العديد من الأنفاق والمستودعات.
وبعد أن شاهد رأفت فيديو «عماد 4» على موقع «يوتيوب» أكد أن ما شاهده داخل الجبل ليس النفق المذكور لخاص بالحزب، مبرراً ذلك بأنّ «نفق جبل القطيفة مسلّح بالإسمنت من أوله حتى آخره وذلك بخلاف النفق المنحوت في الصخر الذي يظهر في فيديو «حزب الله».
لكن رأفت أكد أنّ هذا النفق بقي تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية و«حزب الله» في سوريا لسنوات. لكنّ الضربات الإسرائيلية المتتالية لمدخل النفق ومحيطه، اضطر الحزب إلى تركه وإعادة التموضع في محيطه بعد تسليمه مجدداً لجيش النظام السوري، الذي ترك المنطقة، كما ترك النفق قبل 10 أيام.
وهذا يعني أن نفق الحزب «عماد 4» سيبقى لغزاً، إلى أن تكشف السلطات السورية الجديدة عنه يوماً ما، ويبدو أنّها لن تفعل قبل توقف التهديدات الإسرائيلية.