مع هطول كميات كبيرة من المطر في لبنان، انكشفت الحاجة إلى صيانة مطلوبة من وزارة الأشغال العامة والنقل للطرق والجسور الرئيسية منها، وتلك العائدة إلى بلدات لا يقصدها إلا أهلها والقاطنون في محيطها.
وبدا أن آثار إدارة البلاد بميزانية 800 ميلون دولار في 2022 ـ كما أشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ـ قد انعكست بوضوح على تردي الخدمات التي يؤمنها القطاع العام، وتوقف العديد منها.
طريق ضهر البيدر، التي تربط البقاع ببيروت، مقفلة أمام الشاحنات، والسير فيها محدد بمسارات ضيقة على الطرق تفاديا للانهيارات الناجمة عن تسرب المياه خارج أقنية التصريف المعدة لها، وجرفها التربة وترك فراغات كبيرة تحت المسارب الإسفلتية.
وقد حولت وجهة سير الشاحنات إلى بيروت عبر طريق زحلة «البقاع» ترشيس وضهور الشوير (المتن الشمالي)، ولكن هذه الاخيرة لم تسلم بدورها من انهيارات في محلة الشاليمار بين بعبدات ومار موسى، حيث وضعت بلدية مار موسى عوائق تحذير للسائقين، وضيقت الطريق على العابرين المقيمين في أعالي المتن الشمالي، وعلى سائقي الشاحنات المتوجهين إلى بيروت ومنها إلى البقاع.
في هذا الإطار، يشير مهندس في وزارة الأشغال «إلى صعوبة الوضع، في ضوء النقص الحاد في الاعتمادات الحكومية المرصودة للوزارة. وليس في اليد حيلة».
وكان الوزير علي حمية كرر في غير مناسبة، أثناء معاينات ميدانية في ضهر البيدر، ان الوزارة تحتاج وفق دراسة أعدتها منذ عامين إلى مبلغ 220 مليون دولار للقيام بصيانة للطرق والجسور وتأهيل البنى التحتية، في حين أن الحكومة توفر لها مبلغ 20 مليون دولار سنويا.
ويصل الموضوع إلى علاقة المتعهدين مع الوزارة، لجهة البيروقراطية التي تتوجب تلزيم الأعمال عبر مناقصات تنتهي بفض عروض او بالتراضي، ورفض المتعهدين تحصيل عائداتهم بالليرة اللبنانية، وهي العملة المعتمدة للدفع من قبل الدولة اللبنانية.
من جهة أخرى، هطلت كميات غير معهودة من المتساقطات في وقت قصير هذه السنة، وضاقت بها الاقنية المعدة لتصريف المياه.
تعددت الأسباب والنتيجة طوفان مياه في أمكنة عدة، تسبب بأضرار في مزروعات ومعاناة للمواطنين. وبين رمي قسم لا بأس به من المواطنين نفاياتهم على أنواعها على الطرق، ما سد أقنية التصريف، وتغاضي البلديات عن القيام بواجباتها بسبب الضائقة المالية التي تعانيها، وعدم تحصيلها العائدات المخصصة لها من الصندوق البلدي المستقل التابع لوزارة الداخلية، يدفع المواطنون على الطرقات جميعهم الثمن.
ويقف المغيثون من أجهزة دفاع مدني وشرطة بلدية وشرطة سير ووزارة أشغال وأفواج من الجيش اللبناني، مكبلين في حركتهم للقيام بجهود الإنقاذ، جراء النقص في الإمكانات، والعجز عن التصدي لطوفان غير معهود في أحوال الطقس اللبنانية منذ أعوام طويلة.
«كمية المتساقطات كفيلة بإرباك دول تملك المعدات وتتوافر فيها الإمكانات، فما بالنا نتساءل في أوضاعنا اللبنانية الحالية؟»، الكلام لرئيس إحدى البلديات الساحلية.
ولتكوين فكرة عن خطورة الوضع، يكفي الوقوف على مسار نهر بيروت في جزئه الأخير من أسفل الجسر الواطي قرب جسر الباشا إلى المصب عند مسلخ بيروت، حيث ينتهي المسار بدلتا ضاقت بدورها جراء تجمع الردم وقيام أعشاب تجذرت في الأتربة. هنا، يلحظ الناظر بوضوح ارتفاع منسوب المياه في المسار العريض وسرعة المياه أيضا، ما يجعله يقف أمام نهر حقيقي تسير مياهه بسرعة كبرى، وهي قادرة على جرف كل شيء في طريقها.
والحال عينها في أقنية مياه وأنهر متفرقة في المناطق، ما دفع البعض إلى تذكر «موجة 1984»، حيث أدت السيول إلى غرق أشخاص عدة جرفتهم المياه في دربها إلى البحر، جراء اقترابهم من مسارها، كما حدث في جبيل مثلا عند نقطة جسر أرز جاج المعروف بـ «جسر الدجاج»، يومذاك جرفت المياه شابا من آل الخوري حنا، ولم يعثر على جثمانه.