تهاوت تباعاً كل التقديرات التي أطلقها فريق الممانعة بعد انتهاء المرحلة الأولى من مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان-إيف لودريان في لبنان. فما إن غادر بيروت السبت الماضي عائداً الى باريس، حتى انطلق هذه الفريق في حملة لتشويه الوقائع وتبديل الأولويات. ومن الأمثلة على ذلك، التركيز على انتهاء دور مرشح تقاطع المعارضة جهاد أزعور فور انتهاء جلسة الانتخابات الرئاسية في 14 حزيران، والتركيز على ثبات مرشحه سليمان فرنجية. وسرعان ما تبيّن أنّ أزعور مرشح المعارضة ما زال حاضراً في قلب الحركة السياسية، ويستعد للقاء لودريان الذي يستكمل معه المشاورات التي أجراها في لبنان. كما تبيّن أنّ فرنجية صار أداة مقايضة.
ما هي المعطيات في التطور الجديد في موقف “حزب الله” من الاستحقاق الرئاسي؟
بحسب معلومات أوساط سياسية وثيقة الصلة بالاستحقاق، أنّ “أمر العمليات” المركزي الذي أطلقه قبل أيام مركز القرار في حارة حريك، قضى بالتركيز على الدعوة الى الحوار. لذلك، إنخرط قادة الصف الأول في الحزب في تعميم الدعوة وشرح أهدافها، بحسب رؤية “الحزب”، لتغطية الفراغ بعد مغادرة لودريان بيروت. لكن الجديد في “أمر العمليات” هو ما تسرّب من “الحزب” حول ماهية الحوار الذي يدعو اليه والمراحل التي سيمر فيها. فالمرحلة الأولى التي انطلقت حالياً، تتضمن دعوة فريق المعارضة الى ملاقاة “الحزب” في الحوار حول فرنجية ليس كشخص فحسب، وإنما كأهداف. ومن العبارات التي يعتمدها فريق عمل “الحزب”، قوله “رئيس لا يطعن المقاومة في الظهر”.
أما المرحلة الثانية، فتتضمن، كما أوحى بها أحد قادة الحزب، إستعداد الممانعة للانتقال من التمسك بفرنجية خياراً أوّل وأخيراً، الى حوار حول الملفات الأساسية لـ”الحزب” مباشرة. وفُهم أنّ “الحزب” سيكتفي بوصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية كي لا يَطرح أي أمر آخر، مثل إجراء إصلاحات دستورية تحقق مطالب الضاحية. أما إذا تعذر وصول فرنجية الى قصر بعبدا فسيوافق “الحزب” على محاورة خصومه ليس على قاعدة “خيار ثالث” غير فرنجية وأزعور، وإنما للبحث عن “ضمانات”، وأولاها قوننة الوجود المسلح لرأس حربة فريق الممانعة.
من الواضح انه بعد “معادلة فرنجية أو لا أحد”، بدأ “الحزب” يحضّر لمعادلة “ما بعد فرنجية هو قوننة السلاح”. وعلى الرغم من رفض غالبية اللبنانيين كل مقاربة الممانعة الرئاسية، إلا أنّ هذه المقاربة تكشف عن استحالة الوصول الى نتيجة مفيدة مع فريق فرض تعطيلاً للاستحقاق الدستوري على مدى 12 جلسة إنتخاب خلت.
وتلفت الأوساط السياسية الى الحركة التي يواصلها الموفد الفرنسي، إذ ينطلق في تحضير جولة على دول الخماسية التي تضم الى فرنسا، الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر. وستتوج هذه الجولة باتصالات مع إيران، كي تصبح عملياً ضمن الخماسية، أي الخماسية + طهران. وكان الرئيس نبيه بري استشرف هذا التطور في عمل الخماسية بقوله قبل أيام أنّ الولايات المتحدة تفضّل قائد الجيش العماد جوزاف عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية. ما يعني ان فتح مسالك الاستحقاق سيكون عبر حوار بين واشنطن وطهران ولو في صورة غير مباشرة، وهذا الحوار متاح عبر الخماسية المعدّلة. وعلى هامش هذا الحوار، نفت الأوساط ما تردّد أخيراً عن عقد جولة حوار في السعودية.
في موازاة ذلك، تخللت الاتصالات الداخلية الجارية معلومات عن إقتراب “الحزب” من مغازلة فكرة ترشيح قائد الجيش. إذ تبيّن أنّ وراء ذلك، ما سميّ رغبة حارة حريك في “زكزكة” شريكه في “تفاهم مار مخايل” أي رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. وترافق هذا السلوك، مع كلام لأحد أعضاء الممانعة عن السعي لإعادة العلاقات بين فرنجية وباسيل الى مجراها الطبيعي. وهذا ما حدا بالاوساط نفسها الى التساؤل عما يدبّره “الحزب” كي يبقى ممسكاً بزمام الاستحقاق الرئاسي من خلال إقناع باسيل بالعودة الى حضن حارة حريك.