على طريقة «أراكم بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية»، هَدَم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الفرصة الضئيلةَ التي تحاول معها واشنطن عبر وزير خارجيتها انتوني بلينكن وموفدها الرئاسي آموس هوكشتاين ردْمَ الفجوة السحيقة في الطريق إلى وقفٍ قريب لـ «حرب لبنان الثالثة» قبل أن تتحوّل «ثقباً أسود» يمكن أن «يبتلع» المنطقة برمّتها في حال أصرّت تل أبيب على اعتماد إستراتيجية «إزالة التهديد لأجيال آتية» على مختلف الجبهات… كما في لبنان كذلك في إيران.
وليس بالكلام وحدَه الذي أطْلقَه قبيل اجتماعه بوزير الخارجية الأميركي الذي زار إسرائيل وأعلن فيه «سيعود سكان الشمال إلى ديارهم وهذه مهمة أخذتُها على عاتقي ولن تزحزحني عنها أي ضغوط محلية كانت أم خارجية»، قام نتنياهو بتأكيد المؤكد لجهة أن لا تَفاوُض إلا تحت النار وأن مَهمة هوكشتاين ما زالت بعيدة عن إحْداث أي خَرْقٍ لن يلوح بصيصَه قبل 5 نوفمبر الأميركي وربما يصبح أكثر تعقيداً بعده، بل شكّلت اندفاعةُ القتل و«عقيدة» التدمير الشامل والتوحّش ضد المدنيين – التي تكشَّفت خصوصاً ابتداء من ليل الاثنين واستُكملت أمس – ترجمةً «بالنار» لقرارٍ بأن وقتَ إخماد الحريق بشروطه لم يَحِن وأنه سيَمْضي لمزيدٍ من جولات الدمار والدم (حصد في 24 ساعة 80 شهيداً و250 جريحاً) لتحصيل «إنجازاتٍ» إضافية في الميدان.
وفي حين كانت الرقابةُ العسكريةُ الإسرائيلية تسمح بنشْر صور لمنزل نتنياهو في قيساريا تُظْهِر تَضرُّر نافذة غرفة نوم أصابتْها إحدى ثلاث مسيّرات استهدفته السبت الماضي وأعلنت «القناة 12» الإسرائيلية أن إحداها التي أطلقها (حزب الله) «أصابتْ بشكل مباشر منزل رئيس الوزراء الخاص وألحقت أضراراً خارجية ولم تَخترق المنزل بسبب التحصينات»، وإذ خَرَجَ مسؤولُ العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف أمس ليؤكد «المقاومةُ الإسلامية تعلن مسؤوليتَها الكاملة والتامة والحصرية عن عملية قيساريا واستهداف منزل مجرم الحرب وزعيم الفاشية الصهيونية (…) وإن لم تصل إليك أيدينا في هذه المرة فإنّ بيننا وبينك الأيام والليالي والميدان»، تعمّقتْ المَخاوف مما سيحمله الأسبوعان المقبلان الفاصلان عن انقشاعِ الرؤية حيال مَن سيفوز بمفتاح «البيت الأبيض».
وفي ظلّ اقتناعٍ بأن تل أبيب ستَرْفعُ مستوى الحرب «الشاملة» على «حزب الله» وفق ما لاحَ من استهدافها فروع «القرض الحسن» ثم كسْرِها الفاضح لـ «وعْدِ» تحييد بيروت التي ضُربت في محلة الجناح حيث وقعتْ مجزرةٌ ليل الاثنين قرب مستشفى رفيق الحريري الحكومي (أدت لسقوط 18 ضحية بينهم 4 أطفال و60 جريحاً في حصيلة غير نهائية)، وتلويحها ببدء ضرب مستشفياتٍ في الضاحية، فإن «حزب الله» أعطى إشارات إضافيةً إلى أنه سيسعى إلى تعزيز وضعيةِ «الصمود» في الميدان لاعتباراتٍ تتصل بحرب لبنان وفي الوقت نفسه المضيّ في «إيلام» اسرائيل باستهدافاتٍ نوعية بخلفيةِ ردع تل ابيب عن «إيذاء» إيران بالضربة المرتقَبة والتي من شأن حصولها «خارج التوقّعات» إدخالَ المنطقة برمّتها في مرحلة مختلفة تماماً وربما وضْعُها في مرمى انفجارٍ يصعب تقدير ارتداداته في المكان والزمان.
وفي وقت أعلن وزير خارجية إيران عباس عراقجي أن لديه ممثلاً خاصاً مستقراً في بيروت و«يُجْري يومياً محادثات مع المسؤولين»، في تعبيرٍ جديدٍ عن «الإدارة المباشرة» من طهران لمرحلةِ الحرب وما بعدها في لبنان والتفاوض حولها، والتي تسعى إيران لإسباغ صفة «المواكبة» عليها رغم إشاراتِ امتعاضٍ معلَنة من لبنان الرسمي حيال «محاولة تكريس وصاية مرفوضة علينا» وتأكيد أن «الحكومة هي مَن تفاوض باسم لبنان» (رداً على مواقف لرئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف)، عَكس موقفان لـ «حزب الله» أمس، رفْضاً لأيّ تفاوض تحت النار أو استعجالِ التفاهم قبل «تصحيح الميزان» في الميدان، بعدما أَكْثَر الحزبُ من تظهير استعادة عافيته في الهجمات الصاروخية، في تطورٍ يربطه خصومه بـ «كبسة زرّ» من إيران التي تملك «التحكم والسيطرة» على أسلحة نوعية تُعتبر «احتياطاً استراتيجياً» لحماية «رأسها» في زمن العواصف.
استطلاع أولي بالنار
فمحمد عفيف أكد من قلب الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعرضت لأكثر من 12 غارة ليل الاثنين واستُهدفت نهار أمس بغارات إحداها في الغبيري خلال عقْد مسؤول الإعلام مؤتمره الصحافي فيها، أن الأفكار التي طرحها هوكشتاين «لم تكن سوى استطلاع أولي بالنار لموقف المقاومة على وقع المجازر والدماء، وثقتنا بالرئيس نبيه بري تامة وكاملة ونؤكد موقفه القاطع لا مفاوضات تحت النار وما لا يؤخذ بالنار لا يعطى بالسياسة (…) والنار بالنار والدم بالدم والحديد بالحديد». وإذ أقر بوجود أسرى من الحزب لدى اسرائيل لم يحدد عددهم أعلن «لن يطول الوقت بإذن الله حتى يكون لدينا أسرى من جنود العدو وبعد الحرب ستكون هناك مفاوضات غير مباشرة لاستعادة أسرانا».
أما رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد، فقال (صحيفة الأخبار) إن «الميدان هو الحَكَمُ وله القول الفصل، وكُل كلام آخر بعيد عن هدف النصر على العدو، سواء مع موفدي الخارج أو مع أهل الداخل، يحسن تقنينَه أو التريث في البتّ به وتقرير المُناسب إزاءه، لأن اللحظة الراهنة مُتغيرة ومُتحركة، ويجدر ألا يُقال الكلام إلا ارتكازاً إلى قواعد ثابتة».
وكانت الضاحية الجنوبية، ومعها منطقة الجناح، ومحلة الأوزاعي التي استُهدفت ليل الاثنين للمرة الأولى منذ بدء الحرب، بقيت محورَ العدسات وفق الآتي:
مجازر إسرائيلية
– ارتفاع حصيلة مجزرة الجناح التي أدّت الى تدمير عدد من الأبنية بالكامل على رؤوس مَن فيها، وسط مَخاوف من إمعان اسرائيل في خرق القوانين الدولية، والتمادي في استهداف بيروت وربما الدفع إلى وقف حركة الطيران في مطارها وفق ما عبّرت عنه الغارة على الأوزاعي ومينائها قرب المرفق الجوي الوحيد في لبنان.
وقد أعلن الجيش الإسرائيلي أمس أن مقاتلاته استهدفت القاعدة المركزية للقوات البحرية لـ«حزب الله» في بيروت «حيث توجد زوارق عسكرية سريعة ومركز تدريب كانت مخصصة لاستهداف سفن البحرية الإسرائيلية، وكذلك أهداف بحرية وإستراتيجية في المياه الإقليمية الإسرائيلية»، إضافةً لاستهداف مستودعات أسلحة ومراكز قيادة تابعة للحزب.
– الجولة التي نفّذتْها إدارة مستشفى الساحل أمس لوسائل اعلام محلية وعربية ودولية، في أرجائها، بهدف «دحض مزاعم وادعاءات الجيش الإسرائيلي عن وجود أنفاق ومخابئ تحت مبناها الكائن على طريق المطار، تحتوي على ملايين الدولارات من العملات الورقية ومن الذهب».
وجال مدير المستشفى مازن علامة برفقة الإعلاميين في أقسام المستشفى، الذي تم إخلاؤه ليل الاثنين، للتأكد من خلوها من أي مظهر عسكري.
وأبدى علامة قلقه من «إمكان حدوث كارثة انسانية في حال تم اغلاق المستشفى بسبب التهديدات الاسرائيلية، الامر الذي سيتسبب بوفاة الكثير من المرضى، لأن كل المستشفيات في لبنان ممتلئة».
وتعمّد الناطق باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي «مواكبة» الجولة بتغريدة توجّه فيها الى «الإعلاميين الذين يشاركون الان في الجولة داخل مستشفى الساحل في حارة حريك. انتقلوا إلى الاماكن المحددة التي كشفنا عنها ولا تضيعوا وقتكم على المسرحيات داخل الأقسام الطبية. انزلوا إلى ملجأ حزب الله الخاص (…) فتحتيْ الدخول والخروج في عمارة الأحمدي وعمارة سنتر الساحل. اذهبوا إلى هناك».
– تجدُّد الغارات المدمّرة على الضاحية، وكانت أعنفها أمس على مبنى من 10 طبقات في محلة الطيونة سوّاه صاروخ بالأرض في ثوانٍ.
عدوان واسع على النبطية
وهذا المنحى الجهنّمي انسحب أيضاً على مناطق أخرى في البقاع والجنوب متسبباً بضحايا وخراب، كما حصل في مدينة النبطية التي تعرّضت بعد ظهر أمس لاوسع عدوان جوي اسرائيلي هو الثالث في أقل من اسبوعين، ما أدى إلى سقوط 13 شهيداً من عائلة آل معتوق.
فبعد تدمير سوقها التجاري ومبنى البلدية ومجمعات سكنية وتجارية، نفذت الطائرات الحربية أمس زناراً نارياً من الغارات التي استهدفت شارع المصارف ومفرق الراهبات وشارع حسن كامل الصباح.
وفي لحظاتٍ لا تتجاوز النصف دقيقة دُمرت بالكامل العديد من المباني السكنية والتجارية وعشرات المحال التجاري والمقاهي.
وبحسب «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية تَسبّب عصف الغارات بأضرار فادحة في الشارع الممتد من تمثال الصباح وحتى سنترال النبطية وأمكن تسجيل تدمير شامل لمحطة الصبوري وللمباني المحيطة بها والعديد من المكاتب والشركات.
وبدا الشارع ساحة حرب مرعبة، اقفل الردم والركام السير عليه، وارتفعت سحب الدخان والغبار في كل مكان.
رد «حزب الله»
في المقابل، زاد «حزب الله» من نوعية ووتيرة ضرباته بالتوازي مع خوضه مواجهات ضارية على الحافة الحدودية حيث يحاول الجيش الاسرائيلي التعمق في توغّله على مختلف المحاور، وسط إعلانه أمس مقتل ضابط وإصابة 3 جنود بجروح خطرة «خلال القتال في الشمال».
وإذ أسقط «حزب الله» أيضاً مسيرة هرمز 450 فوق بلدة جبشيت بصاروخ أرض – جو وشوهدت تحترق، أصيب ستة إسرائيليين بجروح خطيرة ومتوسطة جراء صواريخ أطلقت من لبنان على منطقة كيبوتس نيوت مرخادي في الجليل الأعلى.
وفي الوقت الذي أكد الحزب قصف قبة نيريت في ضواحي تل أبيب بصواريخ نوعية، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية عن «سقوط صاروخ قرب مستوطنات ملاصقة للخط الأخضر شرق تل أبيب» متحدثة عن «دوي انفجارات ضخمة في سماء المدينة» ووقْف حركة الطيران بالكامل في مطار بن غوريون.
وكانت أفادت الجبهة الداخلية الإسرائيلية أن «صفارات الإنذار دوّت وسط إسرائيل وتل أبيب الكبرى وهرتسليا وقيساريا ومناطق جنوب حيفا».
وأعلن «حزب الله» في بيانات له استهداف «قاعدة غليلوت التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية 8200 في ضواحي تل أبيب بصلية صاروخية نوعية»، وقاعدة «ستيلا ماريس» البحرية شمال غربي حيفا.