صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

مواجهات بلا ضوابط عابرة للحدود بين “حزب الله” وإسرائيل

بقلم : كامل جابر - تدهورت الضوابط العسكرية والأمنية في جنوب لبنان وتوسعت المواجهة بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" في الأيام الأخيرة بصورة تصعيدية وسريعة، اتسعت معها دائرة الاستهدافات في شمال إسرائيل، وتحديداً في الجليل الأعلى، إذ قصفت صفد التي تبعد أكثر من 15 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية، للمرة الأولى منذ الثامن من نوفمبر (تشرين الأول) 2023، تاريخ اندلاع الحرب في غزة.

وتجدد استهداف مستوطنة “كريات شمونة” المرة تلو الأخرى، وبالمقابل خرجت الاستهدافات الإسرائيلية عن “ضوابطها” التي استمرت نحو ثلاثة أشهر، إلى خارج “الحزام الأمني” الذي رسمه قرار الأمم المتحدة رقم 1701، بعد حرب عام 2006، والمعروف بجنوبي نهر الليطاني، إلى مناطق عميقة في الداخل اللبناني وشمال النهر، وصلت إلى مدينة النبطية، وقبلها إلى منطقة الشوف الواقعة بين عاصمة الجنوب صيدا وعاصمة لبنان بيروت، وطاولت أخيراً حدود قضاء جزين ومنطقة إقليم التفاح.

وأسفرت غارات إسرائيلية على جنوب لبنان ليل الخميس- الجمعة عن مقتل خمسة مقاتلين على الأقل من “حزب الله” وحليفته “حركة أمل”، وفق ما أفاد الطرفان.
ونفّذ الطيران الإسرائيلي، وفق الوكالة الوطنية للإعلام، غارات بعد منتصف الليل على منازل في بلدات الناقورة، وجبل اللبونة، وعلما الشعب، وطيرحرفا، ويارين، ملحقاً “أضرارا جسيمة” في الممتلكات والمزروعات.

صفد والنبطية

وشكلت كل من صفد في شمال إسرائيل، والنبطية في وسط جنوب لبنان، أبرز العناوين “الخطرة” في هذا التصعيد الملحوظ، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل “السرجنت” عومر سارة بينجو (20 سنة) الأربعاء الـ14 من فبراير (شباط) الجاري، بعد “إصابة قاعدة عسكرية في شمال إسرائيل بصاروخ أطلق من لبنان”، وأصيب جنود آخرون بجراح متوسطة. وأشار إلى أن القاعدة تعرضت لقصف صاروخي أحدث أضراراً جسيمة بها. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هذا الهجوم الصاروخي هو “الأخطر منذ اندلاع الحرب على الجبهة الشمالية”.
أما النبطية فتعرضت لقصف مسيرات إسرائيلية مرتين في غضون أقل من أسبوع، استهدفت المرة الأولى سيارة تقل عناصر من “حزب الله”، بينما ضربت في المرة الثانية شقة سكنية في وسط المدينة الجنوبية، فسقطت بصاروخ موجه عائلة كاملة بين قتيل وجريح (سبعة قتلى). وأفيد عن مقتل أربعة عناصر من “حزب الله” في شقة تقع تحت الشقة المستهدفة، بينهم مسؤول عسكري في الحزب نجا من ضربة إسرائيلية استهدفت سيارته في المدينة في الثامن من الشهر الجاري. هذا الرقم من الضحايا المدنيين لم تصل إليه النبطية طوال فترة حرب يوليو (تموز) 2006، أي طوال 33 يوماً من القصف المتواصل.

لكن حسب مصادر متابعة، إن الهجوم على قاعدة صفد لم يكن الأول من نوعه، إذ استهدفت في التاسع من يناير (كانون الثاني) الماضي بمسيرات للحزب “رداً على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة (حماس)، صالح العاروري” في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ولم يتبن “حزب الله” عملية صفد بشكل رسمي، ولم يقدم أي مبررات توضح أنه هو من نفذ هذا القصف الذي تجاوز للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب هذا العمق الاستراتيجي في الشمال الإسرائيلي.
في المقابل، ذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية أن “الغارات على الجليل استهدفت قاعدة ميرون الجوية وقاعدة صفد العسكرية، مركز القيادة الشمالية”.
وعلى رغم عدم صدور بيان عن الحزب يؤكد تنفيذه هذه العملية أو ينفيها، أو عرض فيلم عن الاستهداف على غرار ما يجري بعد عملياته العسكرية وإطلاقه الصواريخ على المواقع الإسرائيلية، ذكرت وسائل إعلام محلية أن “الحزب استخدم صواريخ دقيقة في قصفه على صفد”. وأوضحت أن القبة الحديدية فشلت في اعتراض الصاروخ الأخير الذي أصاب الموقع وأدى إلى سقوط مجندة وإصابة آخرين. وكشف موقع “والا” الإسرائيلي عن وجود انتقادات حادة في الجيش الإسرائيلي لفشل منظومة الدفاع الجوي في اعتراض الصاروخ.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية كذلك أن المنطقة المستهدفة في صفد تحظى بحماية واسعة، حيث توجد فيها عدة منشآت استراتيجية. وأضافت “في الأسابيع الأخيرة اخترقت طائرة تابعة لـ(حزب الله) المنظومة الدفاعية وأصابت القيادة الشمالية وألحقت أضراراً”. ولفتت الى أن “(حزب الله) يمتلك ما بين 150 و200 ألف صاروخ، بمعدل قدرة إطلاق تصل إلى 1500 صاروخ يومياً”.
في موازاة هذا الإقرار الإسرائيلي بخطورة الاستهداف الذي تعرضت له صفد ومركز القيادة العسكرية فيها، لم يتضح بعد حجم الرد الذي ستذهب إليه إسرائيل تجاه “حزب الله” بعدما حملته المسؤولية عن الهجوم، مع أن الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس اعتبر أن “المسؤول عن إطلاق الصواريخ من لبنان ليس (حزب الله) فقط، بل الدولة اللبنانية”. وتوعد بأن “الرد سيأتي قريباً وبقوة”.

اتساع دائرة المواجهات

من جهته، طالب وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بتغيير التعاطي مع المواجهات مع “حزب الله”. وقال “إن إطلاق صواريخ من جنوب لبنان يعد حرباً على إسرائيل”. وبعد ساعات قليلة من إعلان وسائل إعلام إسرائيلية أن مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث كيفية الرد على قصف صفد، كانت المقاتلات الإسرائيلية تلقي الصواريخ على أهداف عدة في جنوب لبنان. وأغار الطيران الحربي الإسرائيلي على مجموعة أهداف خارج منطقة الليطاني الجنوبية، قالت مصادر إسرائيلية “إنها مراكز لـ(حزب الله)”، وتنقلت بين عدشيت التي تبعد نحو 12 كيلومتراً (جنوب غرب) عن مركز قضاء النبطية، حيث استهدفت غارة منزلاً من ثلاث طبقات وسوته بالأرض، إضافة إلى مواقع قريبة من قريتي عدشيت والصوانة. ثم توالت استهدافات سلاح الجو لأطراف جباع في إقليم التفاح وأحراج وخراج قرى زحلتي، وبصليا، وسنيا قرب جزين.

الرد… والرد على الرد

وارتفعت وتيرة التهديدات بين الرد والرد على الرد، وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الجيش الإسرائيلي يستعد لـ”رد كبير” في لبنان على عملية صفد، من دون الاكتفاء باستهداف “مصادر النيران” كالعادة. وأضافت الصحيفة أن “الجيش الإسرائيلي كان حريصاً في السابق على الرد بصورة متناسبة على إطلاق الصواريخ من الشمال، من خلال مهاجمة مصادر النيران وأهداف (حزب الله) المختلفة في جنوب لبنان”.
سبق هذا التوعد الإسرائيلي كلام للأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، قال فيه إن “على وزير الحرب الإسرائيلي الذي يتوعد بتوسيع العمليات ضد لبنان أن يدرك أنه إذا شن حرباً على لبنان فإن عليه تهيئة الملاجئ لمليوني مهجر إسرائيلي من الشمال لا 100 ألف فقط”. وأكد أن “إطلاق النار من جنوب لبنان لن يتوقف إلا بانتهاء العدوان على غزة”.
وبعد ضربة النبطية، اتهم نصر الله اليوم الجمعة إسرائيل بتعمد استهداف المدنيين، قائلاً إن كان بإمكانها تجنب قتل المدنيين. وأضاف نصرالله أن الجواب على ما وصفها بـ”المجزرة” في النبطية، يجب أن يكون “تصعيد العمل المقاوم في الجبهة”، متوعداً تل أبيب بدفع الثمن.
وتوعد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم أمس الخميس، في حفل تأبين ثلاثة من عناصر الحزب سقطوا في معارك الجنوب “لن نترك عدواناً على مدنيين إلا وسنرد عليه بالطرق المناسبة، وسنعلن ذلك وسنعرف أننا رددنا من أجل المدنيين، حتى ولو كانت القواعد التي نعمل عليها الآن باختيارنا وبقرارنا، أن تكون المواجهة محدودة في دائرة الجنوب، بما يؤدي إلى فائدة غزة من دون استخدام كل القوة التي لدينا لندخرها للوقت المناسب. وإذا جاء هذا الوقت المناسب بغير إرادتنا وفي أي وقت من الأوقات سنكون جاهزين تماماً لكل مواجهة مهما كانت كبيرة، وسنلقن الإسرائيلي دروساً لن ينساها أبداً، وسيكون درس عام 2006 درساً ابتدائياً أمام الدروس التي سيراها في المواجهة المقبلة”.
ولم تمض ساعات قليلة على وعيد قاسم حتى انهمرت الصواريخ على كريات شمونة. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي “إن 14 صاروخاً استهدفت مدينة كريات شمونة”. أما الحزب فقال في بيان، إنه “وفي رد أولي ‌‏على مجزرتي النبطية والصوانة، هاجمنا مستعمرة كريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا”.

قلق شعبي ونزوح

هذا التصعيد بالتهديدات المتبادلة، والتفجير المتصاعد أمنياً وعسكرياً لم تعد أصداؤه تتردد أو تنحصر في المنطقة الحدودية من جنوب لبنان، التي كانت تعرف بمنطقة المواجهات جنوب نهر الليطاني فحسب، بل تعدته اليوم إلى مناطق الجنوب كلها وعواصمها الثلاث: صيدا والنبطية وصور.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المدن الجنوبية الكبيرة تستقطب اليوم حيزاً كبيراً من اللبنانيين النازحين منذ أكثر من أربعة أشهر من المناطق الحدودية، ويفوق عددهم 100 ألف نازح، ناهيك بالكثافة السكانية من أبناء هذه المدن الذين يقطنونها بشكل دائم، مما يوسع دوائر القلق والخوف من انتشار شعاع التفجير العسكري وشعاع النزوح، وسط سؤال يتردد دائماً مع كل حرب إسرائيلية على لبنان: والآن إلى أين؟

واللافت في الاستهدافات الإسرائيلية كذلك، أنها بدأت تتوسّع إلى مناطق من خارج الإطار الديني والمذهبي الغالب في جنوب لبنان، كون مجمل سكانه من الطائفة الشيعية التي تعتبر عموماً البيئة العاطفية والمذهبية لـ”حزب الله”. وتتوزع الاستهدافات الجديدة على مناطق ذات مناخات دينية مختلفة، فزحلتي التي تبعد عن عاصمة قضاء جزين نحو تسعة كيلومترات هي من أكثرية مارونية، وقد استهدف الطيران الإسرائيلي خراجها في الـ14 من فبراير. وكذلك بصليّا التي تبعد نحو 12 كيلومتراً عن جزين، وسنيا التي تبعد 11 كيلومتراً عن جزين. وقبلها بلدة جدرا في قضاء الشوف التي تبعد نحو 30 كيلومتراً عن العاصمة بيروت لجهة صيدا والجنوب، وتقطنها أكثرية مارونية.

إن أكثر من يدفع أثمان هذه الحرب غير المنتهية هم السكان المحليون، مئات الألوف ممن يتوزعون بين أقضية محافظتي الجنوب والنبطية يصابون في أرواحهم وممتلكاتهم ومصادر رزقهم في ظل انهيار كلي للدولة اللبنانية اقتصادياً وإدارياً وغياب أي جهة يمكنها رعاية شؤون الناس في ظل الأوضاع الصعبة وتفاقم الأمور المعيشية، والنزوح المستجد الذي يزيد من أعباء المشكلة ومآسي المواطنين.

لكن القلق القاتل للأعصاب، يبقى هذا التبادل في التهديدات، والذي يتردد يومياً عبر وسائل الإعلام، ومن شأنه أن يصيب نفوس الناس بقلق دائم على عيالهم ومصائرهم كي لا يكونوا ضحايا “الوقت الضائع” قبل توصل دولي إلى إنهاء الحرب والجلوس على طاولة المفاوضات.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading