ختارات بعض العائلات في لبنان أن تُخرج أطفالها من المدارس في ظل واحدة من أسوأ الأزمات المالية في العالم، ما اضطرهم إلى العمل في ورش صناعية أو المنازل أو حتى المخدرات، أملاً في تأمين لقمة العيش.
وانهار النظام المالي في لبنان عام 2019، ولا يستطيع المودعون الوصول إلى أموالهم في البنوك، بينما فقدت العملة المحلية ما يقرب من 98% من قيمتها أمام الدولار، ما دفع بعشرات الآلاف إلى الفقر.
بيديه المصبوغتين باللون الأسود يحمل الطفل اللبناني أحمد راجي (12 عاماً)، أسلاك الحديد التي يجمعها من حاويات القمامة لفرزها واختيار المناسب منها لبيعه إلى ورش إعادة تصنيع المعادن.
ويتجول أحمد حول حاويات منطقة مستديرة الطيونة في بيروت بثيابه الرثة التي لا يمكن تمييز لونها الأساسي، ويركز في المواد الموجودة أمامه لانتقاء المطلوب من الحديد والنحاس الموجود بكثرة في البطاريات والهواتف المحمولة وغيرها.
ثم يتوجه نحو منطقة قريبة من حي صبرا غربي العاصمة اللبنانية والتي يمكن تمييزها برؤية سيارات نقل البضائع المحملة بالمواد المعدنية وشباب يسيرون وظهورهم منحنية حاملين أكياساً على أكتافهم، وترتفع أصوات احتكاك المواد المعدنية عند رميها فوق بعضها بعضاً.
وينتظر أحمد دوره داخل الورشة من أجل وزن المواد التي جمعها لتحديد كميتها حتى يحصل من صاحب الورشة على أجرته، إذ يأتي إلى صاحب إحدى ورش جمع الخردة، والذي عرف نفسه باسم علي محمود، في اليوم أكثر من 15 طفلاً أعمارهم تحت 18 عاماً.
وقال محمود: “ازداد عدد الأطفال خلال السنوات الأخيرة، ومعظمهم تعاني عائلاتهم من أزمة معيشية تفوق القدرة على التحمل، فمن يرغب في إرسال ابنه للعمل في مثل هذه المهنة القاسية. لا يمكنني رفضهم، فهم يؤمنون لي مدخولاً عبر جمعهم للمواد، وبدوري أستطيع تأمين أجر يعينهم في حياتهم”.
المخدرات وتنظيف المنازل
بدورهم، يستغل مروجو المخدرات حاجة الأطفال للعمل لاستخدامهم في نقل البضائع صغيرة الحجم إلى الزبائن.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي بأحد أحياء بيروت، انتظر شاب عمره 16 عاماً على مفترق طريق عام، ووقف أمامه سائق دراجة نارية أعطاه لفافة شفافة محاولاً عدم إثارة شكوك المارة.
وقال سليم كامل، وهو أحد سكان الحي، إن هذا الشاب سلم اللفافة إلى شخص يجلس في سيارة، مضيفاً: “الأمر تكرر عدة مرات، وعندما حاول شباب الحي سؤاله عما يحمله، تخلى عن اللفافة وهرب مسرعاً، لنكتشف أن بداخلها مخدر الحشيش”.
وعلى الجانب الآخر، اختارات عائلات إخراج بناتهن من المدراس للعمل في تنظيف المنازل.
وعزت زنية علوش، المستشارة الدولية في حماية الطفل، أزمة عمالة الأطفال إلى تداعيات جائحة فيروس كورونا وتردي الأوضاع الاقتصادية وفقدان الليرة لقيمتها.
وقالت: “أثرت الأزمة على قدرة العائلات على تغطية نفقات التعليم”، مشيرة إلى تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” عام 2021، قال إن “25 % من الأسر اللبنانية أصبحت عاجزة عن تأمين تكاليف الدراسة”.
وأضافت: “شهدنا نزوحاً كبيراً من المدارس الخاصة إلى الرسمية، ما يتبعه نسبة تسرب مدرسي عالية، وهذا يشمل كل الأطفال الموجودين على الأراضي اللبنانية بمن في ذلك السوريين والفلسطينيين”.
وتابع: “القانون اللبناني نظم عمالة الأطفال ومنع العمل تحت 14 سنة، وهناك بعض أشكال العمالة الآمنة المسموح بها ولكن نتيجة الأزمة نشهد توجه الأطفال إلى أنواع من العمل مثل مساعد ميكانيكي (فني إصلاح السيارات) وبيع الورود في الشوارع، وهذا يحمل الكثير من المخاطر النفسية والجسدية لا تتناسب مع حياتهم”.
وتعتبر علوش أن الخطر الأكبر هو العنف الجنسي والجسدي الذي يمكن أن يتعرض له الأطفال دون رقابة، مضيفة أنه “نتيجة الفقر والحاجة يصبح هناك كتمان وعدم بوح بما يتعرضون له من اعتداءات”.
ويحدد القانون اللبناني المهن والأنشطة المحظورة كلياً لمن هم دون 18 عاماً، ومنها المهن ذات المخاطر الجسدية والوظائف التي تنطوي على أثر نفسي كالعمل في المنازل والتسول.
كما يحظر استخدام الأطفال تحت 16 عاماً في الأعمال التي “يرجح أن تؤدي بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول بها، إلى الإضرار بصحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي، مثل المقاهي والملاهي الليلية وكل أنواع البناء والعمل في وسائل النقل المختلفة”.