ترسم وعود هولندا والدنمارك بتسليم مقاتلات أمريكية الصنع من طراز إف-16 إلى أوكرانيا مسار التسليح العسكري الغربي لكييف، الذي تطوّر مُرافقاً الأحداث الميدانية، والحاجات الأوكرانية الخاصة إلى أسلحة مُحدّدة، منذ الغزو الروسي في أواخر شباط/فبراير 2022.
وفيما تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، وقد أنفقت ما يقارب 43 مليار يورو على تسليح الجيش الأوكراني، يجدر القول إن دول البلطيق تبقى المساهمة الأبرز في تسليح كييف بالنظر إلى ثرواتها وحجم اقتصاداتها.
من حيث التمويل أيضاً، أنفقت ألمانيا نحو 7 مليار يورو وبريطانيا أكثر من ستة مليارات على الجيش الأوكراني، بحسب آخر إحصائيات نشرها معهد كييل في أيار/مايو الماضي. تلك المبالغ تضمّ حتماً العتاد العسكري ولكن أيضاً تدريب الآلاف من الجنود الأوكرانيين بعيداً من بلادهم.
من الأسلحة الخفيفة إلى المقاتلات
بعد دخول الدبابات الروسية إلى الأراضي الأوكراني العام الماضي، تسلّم الأوكرانيون بطريقة طارئة أكثر من 40 ألف قطعة من الأسلحة الخفيفة ونحو 17.000 نظام دفاع جوي محمول على الكتف، إضافة إلى عتاد بسيط ولكن مهم، مثل السترات الواقية للرصاص والخوذ إلخ..
ولمّا أعلنت روسيا تركيز جهودها العسكرية في منطقة الدونباس [دونيتسك ولوهانسك] بدءاً من أواخر آذار/مارس من العام نفسه، بدأت الدول الغربية تدعم كييف بأسلحة أثقل مثل المدافع ذاتية الحركة، أبرزها مدافع قيصر الفرنسية وكراب البولندية، أو مدافع أخرى منقولة مثل إم-777 الأمريكية.
ولاحقاً سلّم الغرب راجمات صواريخ إلى أوكرانيا، وأبرزها الأمريكية هيمارس أو نظيرتها الفرنسية.
عند ذلك أصبح بمقدور أوكرانيا ضرب الجيش الروسي خلف خطوط المواجهة. ولتعزيز هذه الأفضلية العسكرية، سلّمت الدول الغربية مسيّرات لأوكرانيا متطورّة نسبياً، كما اشترت كييف أخرى.
وحاول الجيش الروسي تدمير تلك الأسلحة، خصوصاً عبر استعمال مسيّرات لانسيت الانتحارية.
أنظمة دفاع جوي متقدمة
ولكن رغم تراجع الجيش الروسي إلى حوض الدونباس شرقاً، ومنطقتي زابوريجيا وخيرسون في الجنوب، بدأت موسكو مع اقتراب شتاء 2023 حملة قصف عنيف بالصواريخ المجنحة [كروز] على البنى التحتية، خصوصاً بنى الطاقة، في أوكرانيا.
عندئذ قرّرت الدول الغربية إرسال كميات لا يستهان بها من أنظمة الدفاع الجوي المكلفة لأوكرانيا وأبرزها منظومة باتريوت الأمريكية وغيربارد الألمانية لحماية أجواء البلاد خصوصاً كييف. في تلك المرحلة، كان الجزء الأكبر من أنظمة الدفاع الجوي لدى الأوكرانيين يتألف من منظومات إس-300 السوفياتية.
الخروج من وراء المتاريس
في المرحلة التالية، ومع بدء الحديث عن الهجوم الأوكراني المضاد لتحرير الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية، قرّرت واشنطن مدّ الجيش الأوكراني بدبابات أبرامز، على أنها لن تكون متوفرة قبل خريف 2023.
وحذت برلين حذو واشنطن بعدما واجهت ضغوط داخلية وخارجية قوية، فقررت دعم كييف بدبابات ليوبارد 1 و2، ثم بريطانيا بدبابات تشالنجر.
وبحلول نيسان/أبريل من 2023، كانت أوكرانيا قد تسلّمت أكثر من 203 دبابة غربية إضافة إلى نحو 1.550 آلية مدرّعة من مختلف الأنواع ولمهمّات مختلفة بحسب ما أعلنه أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ آنذاك.
وقبل ذلك، لم يكن بحوزة الجيش الأوكراني إلا دبابات ومدرعات من الحقبة السوفياتية. وتوازياً مع ذلك، عملت أوكرانيا على تطوير زوارق انتحارية لاستهداف البحرية الروسية.
متطلبات الجبهة تتغيّر
منذ دخلت راجمات صواريخ هيمارس الخدمة في الجيش الأوكراني، ومنذ بدأ الأخير يضرب القرم وجسر كيرش بالمسيّرات، حاولت القوات الروسية التأقلم مع الوضع. وفي أيار/مايو 2023 قال مسؤولون أمريكيون لشبكة “سي إن إن” إن روسيا نجحت في بناء شبكة موسعة ومحكمة من أنظمة الدفاع الجوي، كما أنها نجحت في تعطيل أنظمة هيمارس إلكترونياً.
أضف إلى ذلك أن الروس أبعدوا إمداداتهم اللوجستية عن خطّ النار، بما يفوق مدى هيمارس، أو وزّعوها في أماكن عدّة بدل من وضعها كلّها في مستودعات كبيرة وضخمة.
وبالتالي، برزت حاجة الجيش الأوكراني إلى صواريخ مداها أبعد، فكانت إجابة الدول الغربية بصواريخ “ستورم شادو” البريطانية، ولاحقاً “سكاليب” الفرنسية من إنتاج نفس الشركة التي يبلغ مداها بضع مئات الكيلومترات. مع ذلك، أعلنت روسيا أنها أسقطت منها، من دون أن يتسنى ليورونيوز التحقق من الخبر بطريقة مستقلة.
وبعد صواريخ ستورم شادو التي تُطلق من مقاتلات سوخوي-25، قررت الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية، وهو القرار الذي أثار ردود فعل كبيرة نظراً للخطر الذي تشكلها على المدنيين.
مقاتلات إف-16 قريباً
في 19 أيار/مايو أعطت الولايات المتحدة، الدولة المصنعة للطائرة، الضوء الأخضر لبلاد أخرى بتسليمها إلى أوكرانيا، القرار الذي اعتبرتها كييف “تاريخياً” بينما حذرت موسكو من تبعاته.
وقدّمت كييف وعداً بألا تستخدم تلك الطائرات لقصف الأراضي الروسية، في استراتيجية لم تتغير كثيراً عن تلك التي مضت بها أوكرانيا منذ بدئها تسلّم الأسلحة الغربية.
والأحد الماضي أعلنت هولندا والدنمارك رسمياً التزامهما بتسليم ما مجموعه 61 مقاتلة إف-16 إلى أوكرانيا، بمجرد الانتهاء من تدريب الطيارين الأوكرانيين. وسيتم تسليم تلك الطائرات من قبل تحالف يضمّ 11 دولة، وقال المسؤولون إنهم يأملون في أن تنجز العملية بحلول 2024.