نتطرّق اليوم في تحليلنا العلمي إلى واقعنا المُعاش لنشعُر بالغباوة عندما نسمع سياسي من هنا وهناك يُحاضر في العفّة السياسية ، لقد أصبحوا جميعًا ماهرين جدًا في القيام بذلك الفعل الهستيري – التضليلي ، وفي الحقيقة يبدون أحيانًا متأثرين بعامل الرياء والكذب عن قصد لكي يُجرّدونا من كرامتنا ووطنيتنا وسيادتنا ويجعلون منّا شعبًا سخيفًا مرمي في سلة مهملات الدول الكبرى لا نصلح لشيء . لا بُــدّ أنّ بعض القُرّأ يوافقوني الرأي فعندما نسمعهم نشعُرْ بالخجل ولكننا مضطرين للسكوت لأنهم يمتلكون كل وسائل الضغط بما فيها كل المؤسسات الرسمية التي سيطروا عليها خلافًا للأصول الديمقراطية والتي تجعل أي واحدٍ منّا مقيّد .
للأسف إننى أرى أغلب الشعب اللبناني ضعيف المقاومة في سيره وراء هؤلاء الساسة ، والسبب أنه مدفوع بمحاولة أنْ يُشبع حاجته المُلّحة للحياة والإنتماء والقبول لا بل الخنوع وكثيرًا ما أرى أنّ الأشخاص الذين يعجزون عن إشباع هذه الإحتياجات يُعانون من إعتلال فكري . وأغلب الظن أنّ الساسة يتعمّدون إيصال رسائل مُحبطة للشعب ويمنعون وصول أية أخبار مشجعة له ، وكأني بشعبي كالمسجون الذي يحصل على مكافأت عندما يشي أحدهم بالأخر لدرجة أنه فقد ثقته ببعضه البعض . هذا بالإضافة إلى ما سردته إنّ الساسة يتعمّدون إطلاق السُخريات والإنتقادات ضد الشعب وضد المؤسسات الوطنية المدنية والعسكرية كلما تتوفر لهم أي مناسبة .
غالبًا ما ألاحظ من شذوذ في واقعنا ، وللحقيقة صعبٌ تفسيره بأي قانون أو مقياس أو مرجع ، وهو أنّ ساسة لبنان بمختلف أطيافهم ومعهم رجال الدين بما وصلوا إليه من حال قاتلة لا مخـرج لهم منها إلاّ بعد أن ينسحبوا من الحياة السياسية والدنيويّة. إنّ ما نراه على أرض الواقع من تشرذم وإنبطاح على أقدام الغريب يبعث على الغضب والتمرُّد والنفور من أولئك جميعًا الذين فقدوا كل القيم والأخلاق والرسالة السامية ، ساسة إنسلخوا عن واقعهم الشريف وإنسانيتهم وإستحالوا إلى ديدان في مستنقعات الذّل (عفوا على هذا التوصيف ولكن طفح الكيل)،والخيانة والعمالة وزنا الإستسلام والمهانة … وقيّدوا الشعب اللبناني بأصفاد العهر والتجزئة والتقاتل الأخوي والإستغلال والضياع وحطّموا آمال هذا الشعب الأبيّْ وبلغ اليأس مبلغه في نفس كل مواطن لبناني وفي نفس كل الأحــرار .
لقد آثرتُ أنْ أتناول في مقالتي هذه أبرز ما يحصل على الساحة اللبنانية من خنوع وإنهزام وبيع أعراض وكرامات ولو أردتُ التوّسع أكثر في الكتابة لضاقت بما أريده من صفحات لا بل قد يحتاج كل موقف من مواقف هؤلاء الساسة إلى موسوعات . صدق الدكنور عدنان الضناوي عندما كتب عن واقعنا المرير ” إنني أفضل السجن على السكوت عن قول الحقيقة خصوصًا عندما ينهش الجـوع والمرض أجساد الأطفال والشيوخ لأنّ المافيات تسرقْ قوتهم وتدوس قوانين بلادهم “، وقد صدق مع كتب على جدران زنزانات العار والإرتهان في زمن العجاف “إذا أُدْخِـلَ السِجنَ حُـرٌ صارَ السَجْنُ حرية ” .
تعلّمنا في الجامعة وفي مراكز الأبحاث أنّ السياسة هي فعلْ إرادة من قبلْ مجموعة سياسية ، وهذا الفعل يُولِّدْ مسؤولية على مستوى النتائج التي تتحصل عن هذه المجموعة . وهذه المجموعة تحكمها تصرفات ومبادىء علم السياسة تخضع من حيث المبدأ للقانون والدستور اللذان يُحددان مدى عملها المتزّن والنيّرْ الذي يعتمد على منطق التحليل العلمي لا على الغباء الفكري كما هو شائع اليوم . إنّ السياسة التي تَعلّمنا أصولها ونمارسه وفقًا للأصول الديمقراطية والعلمية إنها فعل إرادي ينبه لكل العوامل ونأخذها بعين الإعتبار ونستعملها أحيانًا ونُكيِّفْ عملنا معها في كل الحالات وفق قواعدها وفي مصلحة المجموعة أي المواطنين . السياسة هي علم تطبيقي يقوم على إدارة الوطن والمؤسسات والشعب وحكمهم وعلى الشعب أن يُمارس بدوره الرقابة من خلال ممثليه كافة . هذا هو العمل السياسي السليم المبني على منطق التحليل العلمي لا على الغباء الفكري.