خلال أعوام قليلة صعد نجم رجل الأعمال الأميركي الشاب، سام بانكمان فريد، ليتحول من مجرد شاب طموح إلى “ملك العملات المشفرة”، إذ وصلت ثروته ذات يوم إلى أكثر من 26 مليار دولار، بحسب بعض تقديرات الخبراء.
وكانت مقاضاة الرجل الثلاثيني، قد بدأت، الثلاثاء، حيث دخل إلى قاعة المحكمة في نيويورك بمفرده، من دون عناصر أمن، ومن دون قيود، وجلس إلى جانب محاميه، وفق ما أفاد صحفي في وكالة “فرانس برس“.
وفي حال تمت إدانته، قد يقضي بانكمان بقية حياته في السجن، كون الاتهامات الموجهة ضده، تعرضه في حال ثبوتها، للسجن لأكثر من 100 سنة.
لكن كيف تدهور الحال بالشاب، البالغ من العمر 31 عامًا، من الجلوس على قمة فلكية شاهقة من الأموال، إلى القاع حيث يتمسك بآمال ضعيفة في النجاة من الحبس في زنزانة ضيقة؟.
حياته المبكرة
بحسب شبكة “سكاي نيوز” البريطانية، فقد نشأ بانكمان في منطقة خليج سان فرانسيسكو الغنية بولاية كاليفورنيا، حيث التحق بمدرسة كانت تكلف والديه 56 ألف دولار سنويًا.
وكان والداه، جوزيف بانكمان، وباربرا فريد، أستاذين في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد المرموقة.
ولاحقا، انضم الفتى العبقري إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) حيث كان يعيش في منزل جماعي يُدعى “إبسيلون ثيتا”، الذي كان يجري الترويج له على أنه “أخوية خالية من الكحول ومشهورة بألعاب الطاولة والألغاز“.
وذات مرة اعترف سام في تصريحات لـ”بودكاست FTX” أنه “لم يكن يجد نفسه في الفصول الدراسية، وأنه لم يكن يعرف ماذا يفعل بأيام حياته في معظم سنوات الكلية”.
وفي عام 2014، أنهى الشاب النباتي الذي كان يرفض شرب الكحول، تخصصا رئيسيا في علوم الفيزياء، بالإضافة إلى إنجازه تخصصا فرعيا في الرياضيات.
وبحسب كلامه، فقد حافظ على القيم التي اكتسبها من أخوية “إبسيلون ثيتا”، إذ رفض أية محاولات لتعاطي المخدرات والخمور، وبالتالي لم تكن هناك “حفلات صاخبة” في شركاته.
وأوضح في تصريحات صحيفة سابقة: “عندما كنا نقيم حفلات، كنا نلعب ألعاب الطاولة، وكما تعلمون، فقد كان 20 بالمئة من الناس يتناولون ثلاثة أرباع كأس من البيرة لكل شخص منهم أو شيء من هذا القبيل، وأما البقية فلم يشربوا أي خمور“.
وخلال فترة اعتقاله، تمسك بمبادئه في السجن على الرغم من عدم حصوله على وجبات نباتية، وفقًا لمحاميه.
وقال فريق دفاعه إنه كان “يعيش حرفيا” على الخبز والماء وزبدة الفول السوداني في الفترة التي سبقت محاكمته.
وكانت نزعته النباتية ترتبط بتاريخ حافل في مجال الدفاع عن حقوق الحيوانات، إذ سبق له أن نظم احتجاجا في هذا الصدد، خلال عامه الجامعي الأول.
لكنه التقى مع ويل ماكاسكيل، أحد نشطاء الدفاع عن الحيوانات، الذي أخبره أنه يستطيع إحداث تأثير أكبر “من خلال العثور على مهنة ذات أجر جيد، وثم من التبرع بالمال للأعمال الخيرية”.
وبحسب بانكمان، فإن ذلك المبدأ يُعرف باسم “الكسب من أجل العطاء”، وهي حركة تسعى إلى فعل الخير باستخدام الموارد المالية بفعالية.
وعندما تولى بانكمان وظيفة في شركة “جين ستريت” للتجارة العامة بعد تخرجه، قال إنه تبرع بحوالي نصف راتبه للجمعيات الخيرية، بما في ذلك منظمات رعاية الحيوان.
وتحدث عن خطط مستقبلية للتبرع بمعظم الأموال التي جناها في حياته، مع التركيز على أهداف ذات “مدى طويل” لحماية مستقبل البشرية.
من موظف إلى “ملك”
بعد 3 سنوات من عمله في “جين ستريت”، استقال بانكمان، إذ كان يتطلع إلى “تحمل المزيد من المخاطر لكسب الكثير من المال”.
وبفضل ذكائه الثاقب، اختار العمل في مجال العملات المشفرة، باعتبارها أفضل طريقة لتحقيق الثراء بسرعة.
وبدأت رحلته مع الثروة من خلال عملة “بتكوين” الإلكترونية، إذ أدرك أنها كانت تباع في آسيا بسعر أكبر مما كان عليه في الولايات المتحدة، مما جعله يحقق الكثير من الأرباح بسهولة.
وقال لمجلة “فوربس” ذات يوم: “لقد انخرطت في العملات المشفرة دون أن يكون لدي أي فكرة عن ماهية تلك النقود.. يبدو أنه كان هناك الكثير من عمليات التداول المربحة التي يمكن القيام بها“.
وفي عام 2017، شارك في تأسيس شركة تجارة العملات المشفرة، ألاميدا “Alameda Research”، حيث جلب موظفين آخرين من المؤمنين بمبدأ “الكسب من أجل العطاء” الفعال. وبحسب بعض التقارير، فإنه تبرع بنصف أرباح الشركة للأعمال الخيرية.
وفي ذروة مجدها، كانت الشركة تبيع نحو 25 مليون دولار من عملة البتكوين يوميًا.
وبعد ذلك بعامين، أسس بانكمان منصة “FTX”، وهي بورصة تسمح للمستخدمين بشراء وبيع العملات المشفرة، وذلك قبل أن ينتقل بأعماله إلى هونغ كونغ.
طفرة البورصة
ومن هونغ كونغ، انتقلت عمليات الشركة إلى الملاذ الضريبي الآمن في جزر البهاما، حيث اشترى بانكمان شقة فاخرة على الواجهة البحرية بملايين الدولارات.
وقد أضحى ذلك العقار الفاخر بمثابة مكتب منزلي لبانكمان مع عدد موظفيه، بالإضافة إلى أنه كان موقعا لتصوير بعض مشاهد فيلم “Casino Royale” من بطولة النجم البريطاني، دانييل كريغ، الذي اشتهر بأداء دور العميل السري، جميس بوند.
وفي سنة 2021، وصفت مجلة فوربس ذلك الثري الطموح بأنه “أغنى شاب في العشرينيات في العالم”، بثروة صافية قدرها 22.5 مليار دولار، مما وضعه في المرتبة 32 على قائمة فوربس التي تضم أغنى 400 رجل وامرأة في العالم.
علاقته مع كارولين إليسون
كان لدى بانكمان علاقة متقلبة مع الرئيسة السابقة لشركة “ألاميدا”، كارولين إليسون، التي كان قد تعرف عليها خلال عمله في شركة “جين ستريت”.
واستطاع بأسلوبه المميز أن يقنع كارولين بالانضمام إلى شركته “ألاميدا”، التي قبلت باعتبارها كانت من المؤيدين لمبدأ “الكسب من أجل العطاء“.
وعاش الثنائي معًا في الشقة الفاخرة في جزر البهاما، حيث أقرت كارولين (التي أصبحت الرئيس التنفيذي المشارك لشركة ألاميدا في عام 2021، قبل أن تتولى شؤونها بمفردها في العام الماضي)، بالذنب في تهم الاحتيال، ووافقت على التعاون مع المدعين العامين.
ويبدو أن كارولين كانت قد فقدت شغفها بالعمل في ألاميدا قبل وقت طويل من انهيارها. ففي يوليو، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا يستشهد بكتاباتها الشخصية في أوائل عام 2022، حيث كانت تتحدث شعورها بالتعاسة وإحساسها بالإرهاق خلال العمل، بسبب الانفصال عن بانكمان.
وكان بانكمان قد دخل السجن بتهمة مشاركة الكتابات الخاصة مع مراسل الصحيفة، حيث قال القاضي إنه “من المحتمل أن ذلك الأمر قد يصل إلى حد التلاعب بالشهود”.
التبرعات السياسية
كان بانكمان ثاني أكبر متبرع فردي للرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال انتخابات عام 2020.
وكان أيضًا من بين أكبر المانحين للمرشحين الديمقراطيين، ومؤيد قوي للكثير من برامجهم في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر من العام الماضي.
وقال ممثلو الادعاء إنه “استخدم 100 مليون دولار من ودائع منصة (FTX) المسروقة لتمويل تلك التبرعات، والتي كان يأمل أن تحفز على إقرار تشريعات صديقة للعملات المشفرة”.
وقد اتُهم في البداية بالتآمر لانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأميركية، لكن تم إسقاط هذه التهمة بعد أن قالت السلطات في جزر البهاما إنها “ليست جزءًا من أي اتفاق أدى إلى اعتقاله”.
ومع ذلك، قال أحد القضاة إنه “لا يزال من الممكن مناقشة التبرعات السياسية أثناء المحاكمة، لأنها متشابكة بشكل لا ينفصم مع تهم الاحتيال”.
التهم الموجهة إلى “الملك”
يواجه بانكمان 7 تهم بالاحتيال والتآمر ناجمة عن انهيار بورصة “FTX”.
واتهمه ممثلو الادعاء بـ”نهب أموال بمليارات الدولارات من المتعاملين مع تلك البورصة المتخصصة بالعملات المشفرة، بغية تعويض خسائر شركة ألاميدا، ولتغطية نفقات شراء العقارات الفاخرة والتبرع للحملات السياسية”.
ودفع بانكمان بأنه غير مذنب في التهم الموجهة إليه، مع اعترافه بالفشل في إدارة المخاطر. ومن المتوقع أن تستمر المحاكمة في مانهاتن بنيويورك لمدة تصل إلى 6 أسابيع.