“لو كان لمجلة الإيكونوميست حق التصويت لمنحنا صوتنا للسيدة هاريس”، بمثل هذا العنوان الذي استفتحت به المجلة العريقة عددها الأخير يتحدث معظم الناس اليوم خارج أميركا لمصلحة مرشح أو آخر، في مشهد يعكس حجم الاهتمام بالحدث الكبير الذي يفترض أن يكون أميركياً داخلياً صرفاً، لكن لأن سياسات الجالس على كرسي البيت الأبيض تطاول أرجاء المعمورة صار الناس خلال هذا الوقت الحرج من تاريخ المنطقة والعالم كما لو أنهم ناخبون أميركيون.
ومع أن هناك كتاباً كباراً مثل السعودي عبدالرحمن الراشد الرئيس السابق لقناة العربية والشرق الأوسط اللندنية الذي يرى أن “أي مرشح يصل إلى الرئاسة غالباً ما يعتمد السياسة الخارجية العليا للولايات المتحدة، ويختلف الرؤساء في التفاصيل”، فإن الملفات العالقة حول العالم التي تنتظر الانتخابات قد لا يكفيها ذلك الاعتقاد لتطمئن، على رغم اختبار تاريخ معظم الرؤساء الأميركيين المتعاقبين صدقيته.
احتقار التحالفات
قبل التعرف على أهم الملفات الخارجية المنتظرة مع الأميركية مثل “الهجرة وحدود المكسيك والإجهاض والضرائب… إلخ” نتائج الانتخابات، لسائل أن يتساءل لماذا أصبح هذا الاهتمام متزايداً أكثر من ذي قبل وتجيب الإيكونوميست بأن ذلك يعود إلى احتمال وصول ترمب، فالسياسة التي يتهم بإقحامها في الاقتصاد “قد تدمر أسس ازدهار أميركا. وهناك سبب آخر للخوف من ولاية ثانية لترمب وهو أن العالم تغير. فخلال الفترة بين 2017 و2021 كان العالم في سلام إلى حد كبير، وإن الحرائق (القائمة) من شأنها أن تختبر السيد ترمب بطريقة لم تكن في ولايته الأولى”.
أما وعوده العفوية بإحلال السلام في أوكرانيا في يوم واحد وتشجيعه غير المحدود لهجمات إسرائيل “ليست مطمئنة، والأسوأ من ذلك احتقاره للتحالفات” حسب المجلة، التي رأت أن ذلك لا يعني تفضيل هاريس إلا من قبيل أهون الشرَّين، فهي “من الصعب أن نتخيل أن تكون رئيسة رائعة على رغم أن الناس قد يفاجئونك. ولكن لا يمكنك أن تتخيل أنها قد تتسبب في كارثة”.
ويمكن إضافة أسباب أخرى مثل الأثر المباشر لانتخاب أحد المرشحين على الأسواق سلباً أو إيجاباً، والفرجة الاستثنائية التي توفرها ساعات السجال التي تسبق الاقتراع، مما أوقع حتى بعض المشاهدين المحايدين في فخ المتابعة والحماسة لهذا الفريق أو ذاك كما لو أنها مباراة كرة قدم لنهائيات كأس العالم أو أمم أوروبا، إلى غير ذلك من الأسباب.
القيادة في الأوقات الحرجة
نتائج الانتخابات الأميركية تحمل تأثيراً واسعاً في عديد من الملفات العربية والدولية الحساسة مثل الحروب والأمن والطاقة، مما يجعل انتظار كثير من الأطراف ملامح السياسة الخارجية الأميركية بناء على توجهات الإدارة الجديدة أمراً صار حديث الناس.
وعلى سبيل المثال يرى محلل شؤون الأمن القومي الأميركي ديفيد غوردون أن “نتيجة الانتخابات ستؤثر بصورة كبيرة في التحالفات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وبخاصة في آسيا والمحيط الهادئ. وفي حال فوز ترمب يمكننا توقع تقليص الدعم الأمني لحلفاء الولايات المتحدة، وهو ما قد يزيد من الضغط على دفاعات أوروبا”.
بينما تعد خبيرة الاقتصاد في أبحاث ماكرو غابرييلا ديكنز أنه “في حال فوز ترمب، فإن التعريفات الجمركية المرتفعة على الصين ستكون بمثابة صدمة اقتصادية عالمية، وقد تؤدي إلى تراجع نمو اقتصادات ناشئة في آسيا بينما قد تتأثر أوروبا بصورة أقل”.
ويحذر مركز بيو للأبحاث من أن يدفع انتخاب هاريس إلى “التوجه أكثر نحو القضايا الاجتماعية الداخلية مما يثير مخاوف حول الأولويات الأمنية والاقتصادية الدولية، بينما يرغب الحلفاء في استمرار دور أميركا القيادي”، وكذلك ترجح “بوليتكو” التي عدت تزايد حظوظ المرشحة مقلقة بين الشباب وسط التشكيك “في شأن ما إذا كانت قادرة على قيادة البلاد خلال الأوقات الحرجة أم لا”.
وليس سراً أن هناك حال انقسام كبير وانحياز ضد ترمب نظير نهجه السياسي والاقتصادي في رئاسته السابقة، لكن على رغم ذلك تظهر استطلاعات الرأي تفضيل الأسواق الرئيس السابق بما في ذلك الاستطلاع الذي أقيم على عجل بين نخبة من قادة المال والأعمال الدوليين أخيراً على هامش إحدى ندوات مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض.
حدة الاستقطاب السياسي الناشئة داخل أميركا وحول العالم لا تعني أن هذا الاهتمام بالانتخابات الأميركية جديداً فقد كانت دائماً محل بحث حتى في عقود مضت، ويفسره وزير الخارجية الأميركي الأشهر هنري كيسنجر بأن “الولايات المتحدة ليست مجرد دولة تؤثر في السياسة الخارجية العالمية وحسب، بل إن توجهاتها تؤثر في كيفية تشكل النظام الدولي بما في ذلك قرارات الحرب والسلام.”
بينما يقر رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس بأنه “في عالم يواجه أزمات متزايدة مثل تغير المناخ وصعود قوى كبرى كالصين وروسيا، فإن الولايات المتحدة تلعب دوراً حاسماً ونتائج الانتخابات تحدد كيفية تعاطيها مع هذه التحديات العالمية”.
وفيما يلي أبرز الملفات التي تتأثر بصورة مباشرة بنتائج الانتخابات الأميركية الحالية:
السلام بين العرب وإسرائيل
تلعب الإدارة الأميركية دوراً رئيساً في دفع وتوجيه اتفاقيات السلام بين بعض الدول العربية وإسرائيل. إذ دعمت إدارة الرئيس السابق ترمب “اتفاقيات أبراهام”، التي شملت السلام بين إسرائيل ودول عربية مثل الإمارات والبحرين. وقد ينتظر بعضٌ ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستدفع باتجاه سلام إضافي أو ستعيد تقييم هذا المسار بناء على رؤى جديدة للسلام في المنطقة، وبخاصة في جانب مدى قدرة الإدارة المرتقبة على الضغط على إسرائيل من عدمه.
الملف النووي الإيراني
يشكل الاتفاق النووي الإيراني قضية ذات أولوية على الساحة الدولية خصوصاً للولايات المتحدة ودول الخليج وإسرائيل. وإدارة بايدن أبدت اهتمامها بإعادة إحياء الاتفاق النووي بينما عارضت الإدارة السابقة هذه الخطوة. ويترقب المجتمع الدولي كيف ستتعامل الإدارة الجديدة مع الملف الإيراني، سواء من حيث العودة إلى الاتفاق أو مواصلة الضغط عبر العقوبات.
الأزمة اليمنية
الصراع في اليمن هو أحد الملفات الشائكة، إذ تراقب عديد من الأطراف الموقف الأميركي لتحديد مسارات الحل السياسي والدعم الإنساني. وإدارة بايدن ضغطت لوقف دعم العمليات العسكرية في اليمن ودعمت مسار التفاوض لتحقيق السلام. وأي تغيير في هذا الموقف قد يؤثر في مسار الأزمة ومستقبل اليمن، وبخاصة أن المجتمع الدولي أصبح أكثر اقتناعاً بعد حرب غزة بخطر الحوثيين على أمن الممرات المائية الاستراتيجية في مناطق سيطرتهم.
العلاقات مع دول الخليج
تهتم دول الخليج باستقرار العلاقة مع الولايات المتحدة والتعاون الدفاعي والتكنولوجي والاقتصادي. وتترقب هذه الدول الموقف الأميركي تجاه القضايا الحساسة مثل حقوق الإنسان والطاقة، وبخاصة بعد النقاشات حول الحد من الاعتماد على النفط وظهور ملف التغير المناخي كأحد أولويات أميركا، وتوجه واشنطن بالانسحاب من المنطقة قبل حرب أوكرانيا واتسام سياستها بالتوتر مع أكبر دول المجموعة وهي السعودية، قبل أن تعود العلاقة لسابق عهدها. لكن الاتفاق الدفاعي الذي كان مرتقباً بين الرياض وواشنطن صار هو الآخر من بين الملفات على قائمة الانتظار، بالنظر إلى تعليق السعودية بحث اتفاق السلام مع إسرائيل المرتبط بالاتفاق الدفاعي، ما لم تُقدم تل أبيب على إيقاف حربها المدمرة ضد غزة وتقر بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة.
الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي
ينتظر الفلسطينيون والإسرائيليون موقف الإدارة الأميركية من حل الدولتين ومشاريع الاستيطان. فالسياسات الأميركية تؤثر مباشرة في الدعم المالي والسياسي للطرفين، مما قد يعيد رسم معالم السياسات المستقبلية تجاه هذا النزاع المستمر.