في تطور غير مسبوق منذ عقود، أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، يوم الاثنين، أن الحوار بين دمشق وتل أبيب قد بدأ فعليًا، في خطوة اعتُبرت جزءًا من جهود أميركية لإعادة تشكيل خارطة التحالفات في الشرق الأوسط.
وجاء هذا الإعلان بالتزامن مع زيارة مفاجئة لرئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، إلى الإمارات، بينما كشفت مصادر صحفية أن طائرة قادمة من تل أبيب هبطت في أبوظبي قبيل وصول الشرع، وسط معلومات عن ارتباط هذه الرحلات الاستخباراتية الإسرائيلية بتحركات إقليمية حساسة.
وربط ناشطون بين زيارة الشرع ووصول الطائرة الإسرائيلية، وبين تصريحات باراك، معتبرين أن الأمر لا يخلو من تنسيق دبلوماسي تحت الطاولة، تقوده واشنطن.
وفي سياق موازٍ، ذكرت صحيفة يسرائيل هيوم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول بوقف إطلاق نار في غزة، ضمن اتفاق شامل يشمل صفقة تبادل أسرى وترتيبات أمنية مع سوريا.
وبحسب الصحيفة، يطمح ترامب إلى التوصل إلى اتفاق مبدئي بحلول الخميس المقبل، يتضمن هدنة لمدة شهرين في غزة، واتفاقاً سياسياً وأمنياً مع دمشق برعاية أميركية. وقد زار المبعوث باراك العاصمة السورية الاثنين الماضي في محاولة لإتمام هذا التفاهم الثنائي.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو في البيت الأبيض، كشف ترامب أنه أمر برفع العقوبات عن سوريا، موضحًا أن القرار جاء “بناءً على طلب العديد من قادة الشرق الأوسط، من بينهم نتنياهو”، وأضاف: “التقيت بالرئيس الشرع ووجدته شخصية قوية تستحق الفرصة”.
من جانبه، أكد نتنياهو أن التطبيع مع سوريا “فرصة يجب استكشافها”، معتبرًا أن انسحاب إيران من المشهد السوري قد يفتح الباب أمام السلام.
تحول جذري في العلاقة
خلال الأسابيع الماضية، خرجت تقارير العلاقات السورية-الإسرائيلية من دائرة التسريبات إلى التصريحات الرسمية. إذ أعلن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، أنه يشرف بشكل مباشر على حوار أمني وسياسي مع حكومة الشرع.
وكشفت وكالة رويترز أن الطرفين عقدا عدة لقاءات مباشرة مؤخراً بهدف تهدئة التوتر ومنع التصعيد في المنطقة العازلة، وسط إشارات إلى تراجع وتيرة الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
لكن ما المقابل؟ وماذا ستقدم سوريا؟ وفقًا لما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر سورية، فإن دمشق تطالب باستعادة جزء من أراضي الجولان المحتلة قبل 1974، وهو شرط أساسي لدعم أي اتفاق سلام داخليًا.
ويتضمن أحد السيناريوهات المطروحة، وفق قناة I24 الإسرائيلية، أن تحتفظ إسرائيل بثلث الجولان، وتسلم ثلثًا لسوريا، وتستأجر الثلث الآخر لمدة 25 عامًا. وفي سيناريو آخر، تحتفظ إسرائيل بثلثي الجولان، وتسلم الثلث المتبقي مقابل نقل مدينة طرابلس اللبنانية وأراضٍ من شمال لبنان إلى السيادة السورية، ضمن اتفاق ثلاثي يشمل أيضًا تسهيلات مائية لإسرائيل عبر نهر الفرات.
وبحسب المصادر للقناة نفسها، فإن النظام السوري يعتبر استعادة طرابلس خطوة رمزية مهمة لتثبيت زعامته الداخلية، وهي إحدى المناطق التي فُصلت عن سوريا في عهد الانتداب الفرنسي لتشكيل الكيان اللبناني.
بين “أبراهام” وتوسيع النفوذ
ووفق هيئة البث الإسرائيلية، فإن إدارة ترامب تسعى إلى توسيع اتفاقيات “أبراهام” لتشمل السعودية وسوريا ولبنان، بعد أن توقفت الحرب الإسرائيلية الإيرانية.
وأكد المبعوث باراك في مقابلة مع قناة الجزيرة في وقت سابق أن الحكومة السورية “لا تريد الحرب مع إسرائيل”، داعيًا إلى منح النظام الجديد فرصة للتفاوض.
كما أكد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في اجتماع سري بالكنيست أن الحوار مع سوريا يتم بشكل مباشر وعلى أعلى المستويات، مؤكدًا أنه يقود بنفسه ملف التنسيق الأمني والسياسي.
في مؤشر على التنسيق الدبلوماسي، نقلت قناة “كان” العبرية في وقت سابق عن مصادر سورية أن دمشق لا تستبعد عقد لقاء علني بين الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو لقاء سيكون الأول من نوعه منذ عشرات السنين.