يتوجه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع، الجمعة، لاختيار أعضاء البرلمان ومجلس الخبراء، وسط دعوات للمقاطعة، ويرى البعض أن الجانب الأهم لهذه الانتخابات ليس النتائج المتوقعة سلفا ولكن حجم المشاركة.
المعارض الإيراني، علي رذا جافازاده، نائب مدير “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” في واشنطن، تحدث بالتفصيل مع موقع الحرة عن نشاط المعارضة في هذا التوقيت، وكيف يسعى النظام إلى استخدام هذه الانتخابات لتثبيت أركانه وتعزيز قبضة المحافظين على السلطة في غياب بديل، في حين، تريد المعارضة أن تثبت أن التغيير في البلاد لن يأتي من خلال الصناديق ولكن من خلال مواصلة الاحتجاجات.
ويقول جافازاده لموقع الحرة إن “المعلومات على الأرض تشير إلى أن ما يسمى بالانتخابات ستحظى بمقاطعة عامة واسعة وحتى من بعض الفصائل داخل النظام نفسه، وسيكون الأمر أسوأ بكثير مما كان عليه في الانتخابات السابقة، والسبب في ذلك هو أن الشعب الإيراني تخلى منذ سنوات عديدة عن صناديق الاقتراع كوسيلة للتغيير، وبدلا من ذلك، بدأ يتطلع إلى الشارع، منذ عام 2017، وكانت كل الاحتجاجات تركز على تغيير النظام”.
وقال المعارض: “انتهت اللعبة الآن. شعور السكان هو في الواقع رفض النظام برمته”.
وتقول وكالة أسوشيتد برس إن الاستياء واسع النطاق من الاقتصاد المتدهور، ومن الاحتجاجات الجماهيرية التي تهز البلاد منذ سنوات، والتوترات مع الغرب بشأن برنامج البلاد النووي، ودعم إيران لروسيا في حربها على أوكرانيا، دفع الكثير من الناس إلى القول بهدوء إنهم لن يصوتوا في هذه الانتخابات.
ودعي أكثر من 61 مليون إيراني للتوجه، الجمعة، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة. وتجرى الانتخابات في نحو 59 ألف مركز اقتراع موزعة في مختلف مناطق البلاد.
وينتخب الإيرانيون أعضاء مجلس الشورى الـ120 لمدة أربع سنوات في اقتراع من دورة واحدة، ويختارون أعضاء مجلس خبراء القيادة، وهي هيئة مؤلفة من 88 عضوا من رجال الدين، ينتخبون لمدة ثماني سنوات بالاقتراع العام المباشر، تقوم باختيار المرشد الأعلى الجديد، وتشرف على عمله وعلى إمكانية إقالته.
مقاطعة متوقعة
وحث المسؤولون المواطنين على الإدلاء بأصواتهم، في مقدمتهم مرشد الجهمورية، على خامنئي، الذي وصف، الأربعاء، التصويت بأنه “واجب وطني”، وقال: “لا يوجد سبب لعدم التصويت”.
وقال خامنئي، خلال استقباله في طهران، جمعا من الشباب الذين سيتاح لهم الاقتراع للمرة الأولى إن “أعداء إيران يترقبون عن كثب حضور الشعب الإيراني… في الساحة الانتخابية”.
وكان لافتا أنه لم تصدر أي معلومات، هذا العام، من مركز الاقتراع المملوك للدولة عن نسبة المشاركة المتوقعة، كما كان يحدث خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة.
في غضون ذلك، انتشرت الدعوات لمقاطعة الانتخابات في الأسابيع الأخيرة.
الناشطة في مجال حقوق المرأة الحائزة على جائزة نوبل للسلام المسجونة، نرجس محمدي، وصفت الانتخابات بأنها “زائفة”، وكتبت: في بيان: “إن الجمهورية الإسلامية، بقمعها الوحشي، وقتل الشباب في الشوارع، وإعدامات وسجن وتعذيب الرجال والنساء، تستحق عقوبات وطنية وعارا عالميا”.
وشهدت الانتخابات التشريعية، عام 2020 أدنى نسبة مشاركة منذ إعلان الجمهورية الإسلامية عام 1979، إذ لم يدل سوى 42.57 في المئة من الناخبين بأصواتهم خلال الاقتراع الذي جرى في بداية أزمة وباء كوفيد-19.
وعنونت صحيفة “هم ميهن” الإصلاحية، الثلاثاء،: “الأجواء السياسية تبقى جليدية”، مشبهة المناخ السياسي بموجة البرد والثلج التي اجتاحت عددا من المناطق الإيرانية في الأيام الأخيرة.
وفي طهران، حيث لم يصوت سوى 26 في المئة من الناخبين، عام 2020، فإن عدد لافتات المرشحين أدنى منه في الحملات الانتخابية السابقة.
وكانت العاصمة أحد مراكز الحركة الاحتجاجية الواسعة التي هزت البلاد بعد وفاة، مهسا أميني، في سبتمبر 2022 بعد أيام على توقيف شرطة الأخلاق لها لعدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة.
ومن بين 21 إيرانيا أجرت وكالة أسوشيتد برس مقابلات معهم مؤخرا، قال خمسة فقط إنهم سيصوتون، وقال 13 إنهم لن يصوتوا، وقال ثلاثة إنهم لم يقرروا بعد.
وقال أمين، وهو طالب جامعي يبلغ من العمر 21 عاما ذكر اسمه الأول فقط: “إذا اعترضت على بعض أوجه القصور، فسيحاول العديد من رجال الشرطة والأمن إيقافي. لكن إذا مت من الجوع في زاوية أحد الشوارع الرئيسية، لن يظهروا أي رد فعل”.
وفي مؤتمر صحفي لـ”المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية”، الخميس الماضي، قال معارضون إيرانيون إن الإيرانيين سيقاطعون الانتخابات “لتزوير النظام السياسي لصالح خامنئي ومرشحيه المفضلين”.
إشكاليات انتخابية وسياسية
كان مجلس صيانة الدستور قد صادق على أهلية ترشح 15200 شخص للانتخابات التشريعية، رافضا في المقابل ترشيحات أكثر من 30 ألفا آخرين، بينهم شخصيات معروفة، في طليعتها الرئيس الإصلاحي السابق، حسن روحاني (2013-2021) الذي أُبطل ترشيحه لمجلس الخبراء رغم أنه عضو فيه منذ 24 عاما.
ومجلس صيانة الدستور من مهامه اتخاذ القرار بشأن دراسة ملفات المتقدمين للترشح للانتخابات الأربعة (رئاسة الجمهورية والبرلمان ومجلس خبراء القيادة ومجالس البلدية) وتأييد أهليتهم للترشح أو رفضها.
ويشرح المعارض الإيراني في حديثه مع موقع الحرة أن مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المرشد الأعلى يتولى “ما يسمونه التطهير”، أي “تنقية جميع المرشحين الذين ليسوا مطيعين مئة بالمئة للمرشد الأعلى”.
بموجب القانون، يتولى البرلمان الإشراف على السلطة التنفيذية، ويصوت على المعاهدات ويتعامل مع القضايا الأخرى، لكن من الناحية العملية، فإن السلطة المطلقة في إيران تقع في أيدي المرشد.
ويرى المعارض أن مهمة البرلمان إعطاء الأختام بالموافقة على كل أمر يصدره المرشد الأعلى فيما يتعلق بتوجيه الأموال والموارد إلى وكلائه في المنطقة، وإعطاء المزيد من الأموال لقمع الشعب الإيراني، لذلك فإن “هذه الانتخابات في الأساس لا معنى لها على الإطلاق عندما يتعلق الأمر بشعب إيران”.
وقد سيطر المتشددون على البرلمان، على مدى العقدين الماضيين، وفي قاعته، كثيرا ما كانت تسمع هتافات “الموت لأميركا”.
وفي عهد رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، وهو جنرال سابق في الحرس الثوري دعم حملة القمع ضد طلاب الجامعات الإيرانية، في عام 1999، دفع المجلس التشريعي بمشروع قانون، في عام 2020، قلص إلى حد كبير تعاون طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة.
وفي الآونة الأخيرة، ركز البرلمان على القضايا المتعلقة بالحجاب الإلزامي للنساء، بعد وفاة أميني، والتي سرعان ما أدت إلى تصاعد الاحتجاجات والدعوات للإطاحة بالنظام، وهي ما قوبلت بحملة أمنية أدت إلى مقتل أكثر من 500 شخص، واعتقال أكثر من 22 ألفا.
وقال روحاني، الأربعاء، إن التصويت هو عمل يجب أن يقدم عليه “أولئك الذين يحتجون على الوضع الراهن” و”يريدون المزيد من الحرية”.
وقال زعيم التيار الإصلاحي، الرئيس السابق، محمد خاتمي (1997-2005) إن إيران “بعيدة جدا عن انتخابات حرة وتنافسية”.
غير أن الرئيسين السابقين لم يدعوا إلى مقاطعة الانتخابات، خلافا للمعارضين في الخارج الذين يعتبرون أي مشاركة بمثابة مساومة مع السلطة.
ومن المتوقع أن تؤكد هذه الانتخابات تراجع المعسكر الإصلاحي والمعتدل بعدما همشه المحافظون والمتشددون الذين يمسكون بكل السلطات منذ انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسا، في 2021.
ويقول جافازاده إن “هذه الانتخابات مصممة في الأساس لصالح النظام، ولهذا السبب ستكون هناك مقاطعة أكبر من قبل الشعب مقارنة بالانتخابات السابقة”.
ويشرح جافازاده أن انتخابات مجلس خبراء القيادة الذي من المفترض أن يختار المرشد الأعلى القادم يختارهم أعضاء مجلس صيانة الدستور الذي يحدد المرشحين الذين يُسمح لهم بالترشح، “وهؤلاء جميعا أشخاص مطيعون لخامنئي”.
ويقول إن خامنئي يدرك أهمية هذا المجلس “لأنه يفكر في مستقبل نظامه، لأن ولاية مجلس الخبراء ثماني سنوات وهناك احتمالات أن يقرر مستقبل المرشد القادم، وخامنئي يتطلع لتعيين نجله مجتبى”.
ويعتقد المحلل والناشط أن “الأهم من ذلك، أن ما تظهره هذه الانتخابات برمتها أن هناك دولة عميقة في إيران تدير الأمر عندما يتعلق الأمر بالنظام الحاكم”.
وأضاف: “خامنئي نفسه يدير دولة عميقة تسيطر على البرلمان والقضاء والسلطة التنفيذية باستخدام الحرس الثوري ومكتبه هو ، خامنئي، الضخم الذي يعمل فيه آلاف الموظفين، ويخضع لسيطرة نجله بدعم كامل من الحرس الثوري، لذا فهي شبكة مافيا يسيطر عليها خامنئي وتدير كل شؤون النظام”.
ولهذا السبب، يرى المعارض أن الانتخابات هي مجرد “هراء” تماما، حتى من وجهة نظر مؤيدي النظام، لذلك فقد “تخلى عامة الناس بالفعل عن النظام منذ سنوات عديدة”.
وضع اقتصادي صعب
وتنظم الانتخابات في ظل استياء متزايد في إيران من غلاء المعيشة ونسبة تضخم تقارب 50 في المئة.
وقال محسن عميدبخش، الموظف الأربعيني لفرانس برس في طهران: “جيوب الناس فارغة”، مضيفا: “لا أعتقد أن مجلس الشورى المقبل سيتمكن من تبديل هذا الوضع”.
ويقول المعارض الإيراني لموقع الحرة إن 80 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، والأمور تزداد سوءا، وقيمة العملة الإيرانية هبطت إلى 20 في المئة من قيمتها قبل عقد من الزمان، وهو ما يراه الناس بوضوح: إيران لديها المال، ولديها الموارد، ولديها الإيرادات، لكنها تذهب إلى أيدي الحرس الثوري ووكلائه في المنطقة، وحزب الله في لبنان، وإلى الحوثيين في اليمن،. هؤلاء يحصلون الآن على الأموال، في حين يزداد الناس فقرا”.
ويقول جافازاده: “هذا هو ما جعل الوضع متفجرا بها الشكل: الشعب الإيراني سئم تماما من هؤلاء. هو يرى حراس الثورة لصوصا ينهبون الأمة كلها”.
ويتابع: “الإيرانيون لن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع لأنهم يرون أن مستقبلهم واقتصادهم لن يتغير نحو الأفضل”.
ويضيف: “في يوم الجمعة، سوف ترى شوارع فارغة، لكن النظام، سيرسل الكاميرات والمراسلين للتحدث عن حشود كبير حضرت للتصويت، وسيمدد ساعات التصويت لأن الحشود كانت كبيرة ولم تتمكن من ذلك”.
وأضاف: “وبعد ذلك سيعلنون مشاركة أكبر هذا العام من العام السابق، لكن ذلك لن يغير الواقع على الأرض”.