اليوم، انعكست الصورة تماماً، ما جعل الناس عاجزين عن وصف الوضع كحدث موسمي أم دليل بداية تعافٍ من أسوأ أزمة مالية ومعيشية في البلاد منذ قرن. صور المهرجانات الفنية الحاشدة، والمطاعم المزدحمة، تنتشر على نطاق واسع، ناهيك عن الفنادق والمنتجعات المكتملة بالحجوزات. فمن قاعة الوصول بمطار بيروت، تتكشف الصورة، من خلال وصول عشر طائرات بفارق دقائق قليلة تقل مغتربين وسائحين عرباً وأجانب. يقول أحد المنتظرين: «هؤلاء يعودون إلينا لتزويدنا بجرعة أكسجين».
وزير السياحة وليد نصار توقع وصول 4.5 ملايين وافد، بينهم مليونا سائح حتى نهاية أغسطس، وإيرادات بنحو 9 مليارات دولار.
الأرقام الكبيرة للوافدين بدأت تنعكس بشكل كبير على القطاعات السياحية، من البترون شمالاً، إلى صور جنوباً، وجبل لبنان.. اكتظاظ في المقاهي وزحمة على الطرقات وفي الفنادق وبيوت الضيافة. فيما المشهد اللافت تمثل في عودة فنانين عرب لإحياء حفلات في لبنان، بعد انقطاع لسنوات، وذلك لقاء مبالغ تخطت نصف مليون دولار.
نقيب أصحاب الفنادق لفت إلى أن الطلب الأكبر هو على الفنادق وبيوت الضيافة والمطاعم والأماكن السياحية «الأفخم والأغلى»، التي تسجل معدلات إشغال مرتفعة.
فيما يلي التفاصيل الكاملة
في الصيف الفائت، أثارت صور اللبنانيين، وهم يقفون في طوابير أمام الأفران ومحطات الوقود والصيدليات للحصول على ربطة خبز أو علبة دواء، استعطاف العالم أجمع. كان كل شيء يشي بأن هذا البلد سائر الى حتفه ما لم يسارع العالم الى انقاذه.
بين الأمس واليوم، انعكست الصورة تماما.
قبل أيام، انتشرت على نطاق واسع صور المهرجانات الفنية الحاشدة، والمطاعم المزدحمة بروادها، ناهيك عن الفنادق والمنتجعات المكتملة بالحجوزات. وسأل البعض، هل هذه الصور هي حقا من لبنان أم من الريفييرا الفرنسية؟
بخلاف الأخبار السوداوية التي تحيط بالاوضاع السياسية والمالية في لبنان، وبعيدا عن مناكفات المسؤولين وعجزهم المتمادي عن ايجاد الحلول للأزمة الرئاسية، بحيث يستمر الشغور في سدة الرئاسة منذ 8 أشهر ويتمدد الى حاكمية مصرف لبنان، ثمة ما يوحي بأن هذا البلد استعاد عزه الفائت، ولا تعكر سماءه أزمات حياتية ومعيشية، على الرغم من الانهيار الاقتصادي، وفقدان عملته الوطنيه %95 من قيمتها، وتخطي معدل التضخم فيه %260.
مطار بيروت
من مطار بيروت تتكشف الصورة، ففي قاعة الوصول، شاشة مواعيد الرحلات تعلن عن وصول عشر طائرات بفارق دقائق قليلة. أهالي ينتظرون أبناءهم العائدين لتمضية اجازاتهم، بالورود وبالزفة أحيانا. سائقو التاكسي يتدافعون الى الصف الأمامي حاملين لافتات بأسماء وافدين من عرب وأجانب. يقول احدهم: «هؤلاء ليسوا سياحاً، هؤلاء اولادنا الذين هجَّرتهم المنظومة بعدما سرقت أموالنا، يعودون الينا لتزويدنا بجرعة اكسجين».
وزير السياحة وليد نصار يقول انه منذ بداية يونيو حتى تاريخه وصل نحو 700 ألف وافد. وأمس، حطت في مطار بيروت 112 طائرة، «وإذا استمررنا في الوتيرة ذاتها حتى آخر اغسطس المقبل سنصل الى اربعة ملايين وخمسمئة الف وافد، من بينهم مليونا سائح، والباقون هم من اللبنانيين المنتشرين في العالم، وستتجاوز الكتلة النقدية هذا العام 9 مليارات دولار التي قدرت العام الماضي، وهذا سيساعد على تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد».
وضع سوريالي
الأرقام الكبيرة للوافدين التي يشهدها مطار رفيق الحريري الدولي بدأت تنعكس بشكل كبير على القطاعات السياحية في كل لبنان. من مدينة البترون التي لقبت بـ«ميكونوس لبنان»، شمالا، الى صور وشاطئها الرملي الذهبي جنوبا، ومن بيروت الى الشوف بطبيعته الخلابة في جبل لبنان، اينما توجهت اكتظاظ في المقاهي وزحمة على الطرقات وفنادق وبيوت ضيافة لامست حجوزاتها المئة بالمئة، خصوصا في عطلة نهاية الاسبوع.
الوضع سوريالي بالنسبة لبعض اللبنانيين. يشكو آخرون من أن السياحة أصبحت للاغنياء فقط، وأن ما يجري يعزز الفجوة الاجتماعية في البلاد، عازين هذه الفورة السياحية الى تحويلات المغتربين التي تتدفق شهريا على المقيمين، اضافة الى أن دولرة الأسعار اتاحت للسياح والمغتربين ولمن يتقاضون رواتبهم بالدولار بنمط حياة لا يتوفر لذوي الدخل بالليرة اللبنانية.
مهرجانات.. وعودة الفنانين العرب
المشهد اللافت في هذه الاحتفالية الموسمية تمثل في عودة فنانين عرب لإحياء حفلات في لبنان، بعد انقطاع لسنوات، وذلك لقاء مبالغ تخطت نصف مليون دولار.
وقبل شهر من موعدها، نفدت بطاقات حفل عمرو دياب المقررة في أغسطس المقبل في وسط بيروت، التي تراوحت اسعارها بين 60 و160 دولارا لقاء الحضور وقوفا.
اما حفل الفنان المصري تامر حسني في بيروت، فقد حضره نحو عشرة آلاف شخص، ما دفع بعض رواد مواقع التواصل لنشر صور الحفل مرفقة بتعليق «لا تدعوا البنك الدولي يرى هذه الصورة»، فيما سأل آخرون هل كنا سنشهد هذا الانفجار البشري فيما لو انقطع الدواء أو الخبز؟
أسعار عالمية
بموازاة الحركة السياحية النشطة تتزايد الشكاوى من ارتفاع الاسعار في الفنادق والمطاعم بما يفوق المعدلات العالمية. على سبيل المثال، تتراوح اسعار الإقامة ليلة واحدة في فندق او بيت ضيافة 5 نجوم في مختلف المناطق اللبنانية السياحية بين 200 و400 دولار للغرفة العادية وصولاً الى 800 دولار للغرف المزدوجة في الليلة الواحدة في فنادق سوبر مصنفة.
نقيب اصحاب الفنادق بيار الاشقر يعتبر ان الاسعار تحَددت وفقا للعرض والطلب وان الطلب الأكبر اليوم هو على الفنادق وبيوت الضيافة والمطاعم والأماكن السياحية «الأفخم والأغلى»، اذ ان الوافدين الى لبنان او حتّى جزءاً من المقيمين في لبنان يستهدفون الاماكن السياحية المميّزة والراقية والفاخرة ولم تعد تعنيهم الاماكن الاقلّ تصنيفاً، «بدليل ان الفنادق والمطاعم والملاهي الأعلى سعراً والاغلى هي التي تسجل معدلات إشغال مرتفعة، في حين ان الفنادق والمطاعم التي تعتبر اسعارها متدنية او ضمن القدرة الشرائية للجميع تعاني من شغور ومعدلات إشغال متدنية ولا يوجد طلب عليها».
دليل تعافٍ أم حدث موسمي
أسئلة كثيرة تترد يوميا على ألسنة اللبنانيين العاجزين عن اجابة واضحة: هل هذه الحركة السياحية اللافتة دليل على تعافي البلد؟ هل تلاشت الازمة الاقتصادية بعد اربع سنوات؟ ما صحة الارقام الدولية المنبئة بالانهيار والارتطام الكبيرين؟
قد تكون الاجابة على هذه التساؤلات ما هو مؤكد ان لبنان يتحوّل تدريجيّاً إلى بلد موسمي: يعيش في الصيف بقوة ابنائه المغتربين، وفي شهر الأعياد في نهاية العام.
اللبنانيون ثلاث فئات
اعتبر الباحث في «الدوليّة للمعلومات» محمّد شمس الدين، في تصريح له، أمس، أنّ المجتمع اللبناني بات مقسّماً إلى 3 فئات «نسبة 30 في المئة من الناس تتقاضى رواتبَ بالدولار أو تتلقّى تحويلات مالية من الخارج، وتستطيع ملء المنتجعات السياحية بهذا الشكل، لأنّ لبنان بلد صغير، و30 في المئة لا يستطيعون تأمين قوت يومهم. وبين هاتَين الفئتَين نسبة 40 في المئة مِمّن يعيشون عند الحدّ الأدنى، وإن أصيبوا بأيّ عارض استدعى تكاليف صحّية إضافية، على سبيل المثال، سيلقَون مصير الفئة المعدومة ذاته».