مازال حادث «الكحالة» الدامي بين ««حزب الله» وأهالي بلدة «الكحالة» المتحكمة جغرافيا بالطريق الدولية، من بيروت الى البقاع فسورية، مسيطرا على مجرى الأحداث الأمنية – السياسية في لبنان.
وبعد تشييع الضحيتين في كل من الضاحية الجنوبية والكحالة، العين الآن على مصير شاحنة الذخيرة التي كان تدهورها شرارة الاحداث، والموجودة الآن في عهدة الجيش اللبناني، كما على ارتدادات الحادث على مستوى القوى والأحزاب المسيحية التي تفاوتت مواقفها بين التصعيد والتهدئة.
حزب «الكتائب» الذي لطالما كانت «الكحالة» مربع خيله، طوال فترة الحروب اللبنانية – الإقليمية، انتهج الخط التصعيدي بدءا من حديث رئيسه النائب سامي الجميل الذي دعا محازبيه الى الاستعداد للنضال الوجودي – الكياني، وانتهاء بآخر تصريح لنائب الحزب الياس حنكش الذي حذر من ان المواجهة «غير التقليدية» بدأت بعد دفن الضحية فادي بجاني، وأن يوم غد «هو ليس كباقي الأيام»!
وبمواكبة هذا المسار التصعيدي، كشف مدير التحالف الأميركي – الشرق أوسطي توم حرب، وهو لبناني الأصل، عن موقف أميركي مرتقب، في الأيام القليلة المقبلة، للضغط من اجل عدم تسليم الجيش الاسلحة والذخائر التي كانت تنقلها «شاحنة الكحالة» الى «حزب الله».
وتوعد حرب بموقف عالي السقف للكونغرس الأميركي من هذه المسألة، ومن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، عندما يستأنف الكونغرس اجتماعاته، أوائل الشهر المقبل، متهما «حزب الله» بقتل المسؤول السابق في «القوات اللبنانية» الياس الحصروني، في «عين أبل» الجنوبية، كما الحال بالنسبة للجندي الايرلندي الذي قتل في بلدة العاقبية الجنوبية أيضا.
وإلى ما تقدم، تخشى أوساط ديبلوماسية من انعكاس هذه التطورات على الموقف اللبناني، عندما يجتمع مجلس الأمن في 31 أغسطس لبحث التمديد للقوات الدولية في الجنوب (اليونيفيل).
في هذا الوقت، نشر الإعلام الحربي لـ«حزب الله» مشاهد تعرض للمرة الأولى، عن منظومة «ثأر الله» للصواريخ الموجهة، وذلك ضمن تدريبات عناصر الحزب على السلاح المضاد للدروع.
وبحسب ما أورد موقع الإعلام المركزي لـ «حزب الله» فإن المنظومة عبارة عن منصة مزدوجة للصواريخ الموجهة، تتضمن سلاحا مضادا للدروع مخصصا لرماية صواريخ «كورنيت» وتتمتع بدقة إصابة الأهداف بتوقيت متزامن وتدميرها، وتستخدم في الرماية النهارية والليلية، وتتميز بسهولة التحرك والمناورة.
وأشارت جهات معنية الى أن المواكبة النوعية لشاحنة السلاح، من قبل عناصر «حزب الله»، توحي بأن حمولتها تضم أسلحة نوعية بدليل عدم احاطة قيادة الجيش بها، مسبقا، كما درجت العادة.
في المقابل، احتوت قيادة الجيش الأزمة بسحبها شاحنة الاسلحة الى مستودعاتها حيث ما زالت، رغم التسريبات المضادة، أما الكنيسة المارونية فعبرت عن موقفها بكلمة راعي ابرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر الذي اعتبر «ان فادي بجاني احب بلدته حتى الاستشهاد» ووصف الحادث بـ«مأساة وطنية».
وقال عبد الساتر إن الفتنة تتربص بلبنان وان على القيمين عليه «ان يفكروا في لبنان اولا، وقبل أي حسابات خارجية او شخصية، كي يسلم لبنان لجميع ابنائه، ولذلك نطالب الجميع من مسؤولين سياسيين وحزبيين وأمنيين، مضاعفة الجهود واتخاذ الإجراءات الوقائية التي تمنع اللجوء إلى السلاح، وتمنع الاقتتال بين ابناء الشعب الواحد أو المنطقة الواحدة».
ويعكس هذا الكلام وجهة نظر البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي كان استقبل رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، مرشح «حزب الله» و«حركة أمل» لرئاسة الجمهورية في الديمان. ويخشى ان يكون ثمة مخطط لتسخين الجبهة السياسية والأمنية في لبنان بالتوازي مع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
«القوات اللبنانية» اكتفت بمواقف مبدئية ضد السلاح المتفلت ومسؤولية «حزب الله» عما جرى، تعاطفا منها مع اهالي الكحالة، لكنها ابتعدت عن المزايدات الشعبوية، إدراكا منها أنه لا حادث الكحالة ولا الأكبر منه يمكن ان يفسد للود قضية بين «حزب الله» ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي تعتبر «الكحالة» ضمن مناطق نفوذه الانتخابي.
وفي معلومات موثوقة لجريدة «الجمهورية» ان مسؤولا لبنانيا رفيعا تلقى من سفير إحدى دول «اللقاء الخماسي» إشارات مباشرة عن قلق بالغ حيال مخطط لزعزعة الاستقرار في لبنان.
والظاهر ان ما حدث في مخيم عين الحلوة كان بداية، وتلاه خطف وقتل المسؤول السابق في «القوات اللبنانية» الياس الحصروني في عين ابل فحادث الكحالة، وهلم جرا.
لكن ضبط هذا المسار المتدهور يكمن في القرار السياسي الذي يحمي السلاح غير الشرعي عبر تعديل البيان الوزاري واقرار ثلاثية «الجيش والشعب والمؤسسات» بدلا من كلمة «المقاومة»، وذلك بعد انتخاب رئيس للجمهورية.