استأنفت اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب اللبناني النقاش حول بنود مشروع قانون جديد للإعلام كان أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوقية رأت في بعض مواده ضربا لحرية الصحافة والتعبير.
وكانت اللجنة بدأت في جلسة سابقة مناقشة المواد المتعلقة بالجرائم وشبه الجرائم ومعاقبتها والتعويض عنها.
وقدم المشروع في عام 2010، من قبل النائب السابق غسان مخيبر ومؤسسة مهارات غير الحكومية، وتم إخراجه من الأدراج في العام 2023، حيث أحيل على لجنة الإدارة والعدل التي أقرت عددا من بنوده.
وكان من المنتظر أن يجري حسم النظر في المشروع في بداية العام الجاري، لكن جرى تأجيل ذلك نتيجة ضغوط المجتمع المدني. وتتعلق الاحترازات على المشروع أساسا بالبنود التي تتضمن عقوبات سجنية بحث الصحافيين/ات.
وفي الجلسة الأخيرة ناقشت اللجنة المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل الأعمال التي يمكن أن تصنف بشبه الجرائم والتي تستدعي التعويض للمتضرر، كما تداول النواب والمعنيون بالشأن الإعلامي مسألة المحاكم صاحبة الصلاحية بالنظر في هذه الأعمال.
ويعاب على أعضاء اللجنة التكتم الذي ينتهجونه في مناقشة بنود المشروع. وسبق وأن وجه “تحالف حرية الرأي والتعبير في لبنان”، الذي يضم عددا من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، انتقادات لعدم إشراك الأطراف المعنية، ومناقشة المشروع خلف الأبواب المغلقة، فضلا عن عدم الأخذ بالاعتبار التعديلات المقترحة من قبل منظمات المجتمع المدني لمواءمة القانون مع المعايير الدولية.
ووفق التحالف، فإن المسودة المطروحة تتضمن العديد من الأحكام المثيرة للقلق التي من شأنها خنق حريتَيْ التعبير والصحافة.
ويؤيّد القانون العقوبات الجزائية، وفي بعض الحالات يزيد من عقوبات السجن والغرامات على القدح والذم.
وفي السنوات الأخيرة، استخدمت السلطات اللبنانية قوانين القدح والذم بشكل متزايد لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وغيرهم من المنتقدين السلميين. كما يُبقي مشروع القانون على عقوبات بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات بتهمة تحقير “الأديان المعترف بها”.
وقال تحالف “حرية الرأي والتعبير في لبنان” “إنه لأمر مقلق للغاية أن تتم مناقشة مشروع القانون وراء الأبواب وأن يتمّ إخفاؤه عن التمحيص العام، في وقت اتّجهت فيه الأضواء نحو الهجوم الإسرائيلي المستمر في جنوب لبنان منذ 7 أكتوبر، والذي أدى إلى مقتل مدنيين وصحافيين.
ولفت التحالف إلى أنه “في حال أقرّ المجلس النيابي القانون في شكله الحالي، فإنه سيكون نكسةً خطيرةً لحرية التعبير في لبنان في ظلّ بيئة تُستخدم فيها قوانين القدح والذم فعليًا لمضايقة وترهيب الصحافيين وغيرهم من الأفراد الذين ينتقدون السلطات”.
وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن عدم إشراك المجتمع المدني اللبناني في المناقشات حول القانون يشكل خطرًا حقيقيًا، إذ قد يمنح هذا الأخير السلطات حرية تامة لمضايقة المنتقدين السلميين وترهيبهم وإسكاتهم، ويكرّس بيئة الرقابة. ويجب على السلطات اللبنانية أن تمتنع على وجه السرعة عن الموافقة على مشروع القانون المذكور، وأن تعدّل جميع أحكامه بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ومن المقرر أن يحلّ التشريع الوشيك محلّ قانون المطبوعات الحالي لعام 1962 وقانون الإعلام المرئي والمسموع لعام 1994.
وقالت لجنة الإدارة والعدل، المسؤولة عن التداول بشأن مشروع القانون، في وقت سابق إنّها تراجعه في ضوء التعليقات التي اقترحتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بالشراكة مع وزارة الإعلام في عام 2023.
ووفقًا لمعلومات موثوقة حصل عليها “تحالف حرية الرأي والتعبير”، فقد رفضت اللجنة التعديلات التي أوصت بها اليونسكو على المواد التي صوّتت عليها.
ويحافظ القانون المقترح على تجريم القدح والذم والتحقير بحق رؤساء الدول ويفرض عقوبات جديدة على التشهير ضدّ السفراء والبعثات الدبلوماسية في لبنان.
ويمكن أن يؤدي القدح والذم والتحقير بحق الرئيس اللبناني أو رئيس أجنبي إلى السجن بين ستة أشهر وسنتين و/أو غرامة تتراوح بين 10 إلى 20 ضعف الحد الأدنى للأجور، في رفعٍ لعقوبة الحد الأدنى للسجن التي يحدّدها قانون المطبوعات الحالي بشهرَيْن. ويحتفظ النائب العام بسلطة الادّعاء ضدّ الأفراد المشتبه بهم بالتحقير أو بالتشهير بالرئيس، حتى من دون شكوى شخصية منه. ولا تعتبر الحقيقة دفاعًا فاصلًا في جرائم القدح والذم ضدّ رؤساء الدول.
كما يبقي مشروع القانون على عقوبات بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات و/أو غرامات تتراوح بين 10 و20 ضعف الحد الأدنى للأجور عند نشر “ما يتضمن تحقيرًا لإحدى الديانات المعترف بها في لبنان أو ما كان من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو تعكير السلامة العامة أو تعريض سلامة الدولة أو سيادتها أو وحدتها أو حدودها أو علاقة لبنان الخارجية للمخاطر”. ويطرح المشروع أيضًا حكمًا جديدًا يقضي بعقوبة مضاعفة عند تكرار المخالفة.
وتؤكد المعايير الدولية لحماية الحق في حرية التعبير، الملزمة للبنان، على الحاجة إلى إلغاء القوانين التي تسمح بالسجن بسبب الانتقاد السلمي للأفراد، بمن فيهم الأفراد الذين يمارسون أعلى سلطة سياسية مثل رؤساء الدول والمسؤولين الحكوميين.
كما يُقيّد اقتراح القانون حقوق الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام في تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها بحرية، لأنه ينصّ على وجوب وجود نقابة صحفية واحدة. علاوة على ذلك، يعيق اقتراح القانون وصول الشعب إلى المعلومات الهامّة من خلال حظر نشر محاضر الجلسات الحكومية، وقرارات اللجان البرلمانية، والتحقيقات التي تجريها إدارة التفتيش المركزي والتفتيش الإداري. كما يفرض رسومًا باهظة ومتطلّبات ترخيص مرهقة على وسائل الإعلام، الأمر الذي من شأنه أن يخنق حرية التعبير في البلاد.
وتطالب المنظمات الحقوقية، بضرورة جعل المناقشات التشريعية في اللجان البرلمانية علنية ومفتوحة، وإتاحة المجال للمجتمع المدني بتقديم ملاحظاته بشكل خاص حول مشروع قانون الإعلام، وضمان أن يفي قانون الإعلام الجديد بالمعايير الدولية، من خلال: إلغاء جميع المواد التي تُجرّم التحقير، بما في ذلك الموجّه إلى رؤساء الدول، المؤسّسات العامّة والجيش والمسؤولين الحكوميين والأمنيين؛ وإلغاء أيّ أحكام تفرض عقوبات جزائية على الذم والقدح واستبدالها بأحكام مدنية وضمان أن تكون التعويضات الممنوحة متناسبة تمامًا مع الضرر الفعلي الناجم؛ عدم منح الشخصيات العامّة، بمن فيهم الرئيس، حماية خاصّة من القدح والذم أو التحقير. ولا يكفي مجرّد اعتبار أشكال التعبير مهينة لشخصية عامّة لتبرير فرض عقوبات.
كما يطالب منتقدو المشروع ومن بينهم منظمة العفو الدولية، بوجوب احترام مبدأ حرية التجمع النقابي للصحافيين وإلغاء حصرية نقابة محرري الصحافة وجميع متطلّبات الحصول على ترخيص مسبق للمطبوعات. ويجب ألّا تكون رسوم وشروط تخصيص الترددات لوسائل البث باهظة ومرهقة، وأن تكون معايير تطبيق هذه الشروط والرسوم معقولة وموضوعية وواضحة وشفافة وغير تمييزية.