أثارت التهديدات الإسرائيلية بعد كشفها لصور مطار تدعي أنه لـ”حزب الله”، ضجة كبيرة في لبنان، لما يمثله من نقلة نوعية في أنشطة الحزب العسكرية من جهة، فضلا عن الخطر الذي يمثله والتداعيات التي قد يحملها هذا التطور على البلاد من جهة أخرى.
كشف وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف غالانت”، في 11 سبتمبر/أيلول الجاري، عن صور زعم أنها لمطار بنته إيران من خلال “حزب الله” في الجنوب اللبناني لمهاجمة إسرائيل، يبعد 20 كيلومترا عن الحدود.
واستعرض غالانت، صورا جوية تظهر رفع العلم الإيراني في المنشأة المرصودة، إلى جانب علم “حزب الله”.
وأشار إلى أن المطار قد يُستخدم لطائرات متوسطة الحجم أو لمسيّرات، محذرا من أن إيران تخطط لعمل ضد الإسرائيليين.
ولكن لا تأكيدات بعد حول هذا المطار ولا معلومات محلية، سواء كان لـ”حزب الله” أم للدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية.
وبينما احتفى أنصار “حزب الله” على مواقع التواصل الاجتماعي بامتلاك “مطار”، عبّر لبنانيون عن مخاوفهم بشأن سبب إنشاء الحزب لهذا المطار، وتساءلوا عن تأثيره على أمن البلاد.
وأعاد مناصرو “حزب الله”، نشر فيديو لخطاب الأمين العام للحزب حسن نصر الله، يقول فيه في الذكرى 17 لحرب تموز 2006، “نحن نضع خيمة في مزارع شبعا في أرضنا اللبنانية، إن شاء الله بدنا نعمر خيمة أو برج أو مطار، لو الإسرائيلي الذي كان ما يزال الاسرائيلي تبع أيام زمان ولبنان ما زال لبنان زمان، كان بكل بساطة يضرب الخيمة”.
وفيما التزمت الحكومة اللبنانية الصمت حول الادعاءات الإسرائيلية، رفض “حزب الله” التعليق، قالت النائبة غادة أيوب، عن حزب القوات اللبنانية (مسيحي) للأناضول، إن “المنطقة تحت سيطرة حزب الله، ولا يستطيع أحد الاقتراب منها”.
ـ “مطار جبور” منطقة عسكرية
وفق الصور الجوية التي عرضها وزير الدفاع الإسرائيلي، فإن المطار يقع بمحاذات بحيرة اصطناعية في جنوب لبنان، تسمى محليا “بركة جبور”، تقع ضمن قضاء جزين، بين بلدات ميدون وكفرحونة ومزرعة داريا.
ويقع المطار المزعوم في منطقة جبلية على ارتفاع ما بين 1000 و1200 متر فوق سطح البحر، ضمن جبل الريحان، المحاذي لإقليم التفاح غربا، وحدود البقاع الغربي شرقا.
وبحسب تقارير صحفية محلية، فإن المنطقة المذكورة أعلنتها إسرائيل منطقة عسكرية حين احتلت الجنوب اللبناني (1982 – 2000) ولم تسمح لأحد بالدخول إليها، لأنها كانت نقطة تقاطع ثلاث محافظات (الجنوب، والنبطية، والبقاع).
وبعد انسحاب إسرائيل من المنطقة في عام 2000، أعلنها “حزب الله” أيضا “منطقة عسكرية”.
ووفق مراسل الأناضول، فإن “حزب الله”، أجرى في 21 مايو/أيار الماضي، مناورة عسكرية في بلدة عرمتى، على بعد نحو 4 كيلومترات من “مطار جبور”، حيث دعا الحزب وسائل الإعلام المحلية والدولية بينهم الأناضول، لتغطية المناورة.
وفي حديثها لمراسل الأناضول، قالت النائبة غادة أيوب، عن منطقة جزين، إنهم علموا عبر وسائل الإعلام، بعد التصريحات الإسرائيلية، أنه “يتم بناء قاعدة جوية في المنطقة، خاصة أن المنطقة المعنية لا يمكن الدخول إليها”.
وأوضحت أيوب، أن “المنطقة يسيطر عليها حزب الله، ويُحظر على أي شخص الاقتراب منها أو الذهاب إليها، لذلك لا نعرف ما يحصل في تلك المنطقة”.
وأردفت “هناك شيء واحد نعرفه فقط؛ إنها المنطقة العسكرية لحزب الله”.
ولفتت إلى أنه “بعد المعلومات المتداولة عن وجود مطار عسكري تابع لإيران، بات الموضوع مرتبطا بالسيادة اللبنانية، وعلى الحكومة والأجهزة الأمنية أن ترد رسميا على الادعاءات، لأنها وفي حال صحّت تؤدي إلى مخاطر أمنية وعسكرية كبيرة”.
وحول ملكية الاراض التي يقع عليها المطار المزعوم قالت أيوب: جميع الأراضي هناك تعود ملكيتها لمواطنين من أبناء البلدة والقرى المجاورة (ذات غالبية مسيحية) إضافة الى هناك أراض تابعة للكنيسة الكاثوليكية”.
وذكرت صحيفة النهار، أقدم صحيفة يومية مستقلة في لبنان، في تقرير نشر عام 2015، أن كنيسة مزرعة داريا الواقعة في المنطقة التي أشار إليها أيوب، مهجورة وأن السبب في ذلك هو أن الكنيسة تقع في المنطقة العسكرية التابعة لحزب الله.
ـ حرب نفسية
لدى سؤال مراسل الأناضول، المكتب الإعلامي لـ”حزب الله” في بيروت، حول الادعاءات الإسرائيلية عن إنشاء مطار بالقرب من الحدود في منطقة “بركة جبور”، قال “لن نعلق على هذا الموضوع”.
وحول إمكانية زيارة فريق الأناضول المنطقة المذكورة، شدد ممثل المكتب الإعلامي على أنه “لا يمكن لأحد زيارة المنطقة”.
وفي هذا الإطار، قال الباحث في الشؤون العسكرية العميد المتقاعد ناجي ملاعب، “الحديث الإسرائيلي عن مطار عسكري بهذا الحجم، ووجود أعلام لحزب الله وإيران، في منطقة تبعد 20 كلم عن الحدود الدولية غير منطقي”.
ويرى “ملاعب”، أن “وزير الدفاع الإسرائيلي يضخم الموضوع لغايات داخلية، خاصة أن حكومته اليمينية تمر في أزمة، لذلك يريد توجيه الأنظار إلى عدو خارجي”.
وأوضح أنه “بحسب العلم العسكري لا يعني أنه مطار عسكري يستخدم لإقلاع وهبوط الطائرات متوسطة الحجم، كما ادعى وزير الدفاع الإسرائيلي”.
ولفت الخبير في الشؤون العسكرية، إلى أنه “يمكن لحزب الله أن يستخدمه للطائرات المسيرة ذات الأجنحة الثابتة، ولكنه ليس بحاجة لأن يكون لديه مطار في لبنان، وخاصة أنه متواجد في سوريا، وجميع المطارات هناك في تصرف الحرس الثوري الإيراني”.
وشدد على أن “الحزب يستخدمها كحرب نفسية على العدو الإسرائيلي، وثانيا لرفع معنويات عناصره وجمهوره”.
وتساءل ملاعب، “ما نفع المطار العسكري والسيطرة الجوية ليست بيد حزب الله، وإنما بيد إسرائيل، ونحن نرى كيف تقصف مطارات سوريا”.
وقال “هي مجرد مباهاة من قبل الحزب، وإفهام جمهوره مدى ضعف إسرائيل أنها لن توجه ضربة له أسوة بالخيمة، التي أنشأها ولم تستطع إزالتها”.
وفي 21 يونيو/ حزيران الماضي، قالت قناة “كان” الإسرائيلية، إن قوة من “حزب الله”، “اجتاحت أراضي دولة إسرائيل السيادية، في قطاع جبل دوف (مزارع شبعا المحتلة)، وأقامت موقعا عسكريا مسلحا هناك (عبارة عن خيمتين أزيلت إحداهما فيما بعد)”.
وأضاف “هذا الموضوع ليس ذو قيمة، وإسرائيل يمكن أن تستخدمه ذريعة لضربه، ومن ثم تستخدمه في الداخل لإنقاذ وضع حكومة تل أبيب المتأزمة”.
وتسيطر جماعة “حزب الله” على الجنوب اللبناني، وتشهد المنطقة في الآونة الأخيرة توترا عقب اتهامات متبادلة بتسخين الأجواء والاستفزازات جراء عمليات تجريف تنفذها إسرائيل في مناطق يعتبرها لبنان ضمن أراضيه.