حجبتْ أولوياتُ ملف التسلّم والتسليم لموقع القرار النقدي المركزي ومسؤولياته من الحاكم رياض سلامة إلى نائبه الأول سليم منصوري، التداولَ بمشروع قانون موازنة 2023 الذي انتقل حديثاً الى طاولة مجلس الوزراء بعد مضي الأشهر السبعة الأولى للصرف والجباية وفق القاعدة الاثني عشرية، أي وفق مندرجات الموازنة السابقة.
وإذ ستّتضح بعض المعالم «المكتومة» لإدارة السلطة النقدية في المرحلة الانتقالية بدءاً من استحقاق انتهاء الولاية القانونية للحاكم منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، قياساً بما سيفصح عنه منصوري في مؤتمره الصحافي المقرَّر غداً الاثنين، فإن وصْف تعميق حال «عدم اليقين» يبقى العنوان المتصدّر لدى المراصد المالية والمصرفية التي جمعت المزيد من الشواهد على استبعاد وقف الانهيارات في ظل الفراغات الدستورية وتَكاثُر النزاعات الداخلية وتَمَدُّدها.
ويستغرب مسؤول مالي في اتصال مع «الراي» أن يبلغ «اللهو» السياسي حدود رفع رايات النصر في كل مناسبة حيوية يتم فيها منع السلطات التشريعية والتنفيذية من الانعقاد، وبالمثل استنهاض الحماسة الشعبوية في تَبادُل الأدوار للحؤول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فيما تبقى الاهتمامات «موسميةً» ومن دون أي تقدُّم يذكر بأولويات إعادة انتظام السلطات وإنهاء الشلل المتفاقم في مؤسسات الدولة والانخراط في توليد خطة متكاملة للإنقاذ والتعافي.
في هذه الأثناء، تعاود الحكومة غداً الاثنين اجتماعاتها المخصصة لمشروع الموازنة المرفوعة اليها من وزير المال يوسف الخليل، وسط إحباط شامل لا يقتصر على موظفي القطاع العام المكلومين بشظف العيش، والمخاوف من توسع العجوزات بين المداخيل والمصروفات بالحد الأدنى، بل يتمدد الى مجمل الفئات الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية الملزَمة بضخ الايرادات بالسعر الواقعي لليرة في شرايين الخزينة العامة، من خلال قنوات الدولار الجمركي والرسوم والضرائب وأكلاف الخدمات العامة وسواها، لقاء تدهور غير مسبوق في البنى التحتية وانكماشٍ غير محدود في حضور الدولة وخدماتها الأساسية في المجالات كافة.
ويقوم مشروع الموازنة على معادلات حسابية بحتة وخالية تماماً من أي إصلاحات مالية هيكلية.
والأنكى أن الأرقام تملك مسبقاً صفة «الوهم»، ليس بسبب اقتصار تنفيذها على اشهر معدودة قد لا تتعدى الثلاثة في حال انتقالها إلى الإقرار المبرم من الهيئة العامة لمجلس النواب فحسب، بل تأسيساً على ارتكازها على مرجعيةٍ سعرية غير مؤكدة تحاكي سعر الدولار الأميركي الساري حالياً على منصة صيرفة، بينما جاهر نواب الحاكم المقبلون على تسلُّم القرار النقدي المركزي باعتراضهم على المنصة وآلياتها ووجودها في الأصل.
وفي المقاربة «النظرية»، ترتقب أرقام الموازنة المطروحة عجزاً بقيمة تصل الى 44 تريليون ليرة، أو ما يماثل 19 في المئة، وذلك ارتكازاً على توقّع إيرادات حكوميّة بقيمة تبلغ نحو 148 تريليون ليرة، مقابل نفقات بقيمة تصل الى 192 تريليون ليرة. مع التنويه بأنه، وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة، لا يَلحظ مشروع القانون اي سلفة لمصلحة مؤسّسة كهرباء لبنان بعدما قامت اول العام الجاري بتعديل تعرفتها لتفوق كلفة إنتاج الطاقة.
ومن ناحية الإيرادات المبنية على سعر صيرفة، أي 85 ألف ليرة لكل دولار، لحظ مشروع الموازنة مساهمة كبيرة بنسبة 76.33 في المئة للإيرادات الضريبيّة. وبذلك تصل مساهمة الإيرادات غير الضريبيّة الى 23.67 في المئة من إجمالي الإيرادات الحكوميّة.
وبالتفاصيل، تتوقّع الموازنة أن تشكّل الضرائب على السلع والخدمات الحصّة الأكبر بما يوازي 39.35 في المئة من إجمالي الإيرادات، فيما ترتقب أن تبلغ حصّة ضريبة الدخل 12.22 في المئة، والرسوم على التجارة الدوليّة نسبة 8.46 في المئة.
أما من ناحية المصاريف، فتشكّل التقديمات الإجتماعيّة نحو نصف (44.83 في المئة) النفقات الحكوميّة المتوقّعة. تتبعها الرواتب وملحقاتها بنسبة 16.75 في المئة. ثم والنفقات الماليّة بنسبة7.08 في المئة. علماً أنه ووفقًا لمشروع قانون الموازنة المقترح، فإن التقديمات الاجتماعية لموظفي القطاع العام لن تُدرج ضمن الراتب الأساسي، وبناءً عليه، لن تُحتسب في تعويض نهاية الخدمة.
ويقترح مشروع قانون الموازنة مجموعة من الضرائب الجديدة ورفع جزء كبير من الضرائب والرسوم الحاليّة بهدف زيادة الإيرادات الحكوميّة وبما يشمل رفع شطور ضريبة الدخل، مع العلم، وفق تحليل دائرة الابحاث في مجموعة «الاعتماد اللبناني»، أنّ أجزاء مهمة او مجمل رواتب القطاع الخاص أصبح يُدفع بالدولار المحلّي والدولار الفريش.
كما تمّ تطبيق المبدأ نفسه على الإيرادات التي يجنيها أصحاب المهن الحرّة وذلك بهدف زيادة مدخول الدولة من ضريبة الدخل. وقد سمح مشروع الموازنة بصفة استثنائية للشركات، وحتى 2026، بإعادة تقييم أصولها الثابتة على أساس سنوي، مع زيادة الضريبة على ربح التحسين إلى 15 في المئة من 10 في المئة سابقاً، بينما لا يتم إخضاع أرباح التحسين المستخدمة لإطفاء الخسائر لأيّة ضرائب.
وبالإضافة إلى ذلك، ومن أجل مكافحة التهرب الضريبي، طلب قانون مشروع الموازنة من المصارف خصم نسبة 3 في المئة من حسابات المتوفين قبل تحويل هذه الحسابات إلى الورثة. وبالإضافة إلى ذلك، يقترح مشروع الموازنة فرض ضريبة بنسبة 2 في المئة على إيرادات الأشخاص والشركات المقيمين خارج لبنان الذين يقدمون خدمات لصالح الأشخاص داخل لبنان عبر الإنترنت.
وقدم مشروع الموازنة أيضاً عدداً من التدابير التي تهدف إلى حماية الصناعة اللبنانية. كما إقترح ضريبة بنسبة 10 في المئة على جميع المواد الخام المصدَّرة إلى خارج لبنان، بالإضافة إلى فرض رسوم على المشروبات الغازية وغيرها.
واقترح مشروع الموازنة أيضاً رفع الرسوم الحالية عن طريق زيادة رسوم المعاملات الإدارية العامة لتصبح 30 ضعف معدّلها الحالي، ورفع رسوم المعاملات القضائية لتصبح 10 أضعاف معدّلها الحالي، كما وزيادة الغرامات على التأخير في دفع الضرائب.
ومن ناحية أخرى، اقترح قانون مشروع الموازنة إعفاءات وتخفيضات كبيرة على الرسوم الجمركية ورسوم التسجيل الخاصة بالمركبات الكهربائية والهجينة المستوردة.